الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                633 634 635 ص: وقالوا: وقد روي ذلك أيضا عن علي وابن عباس -رضي الله عنهم- فذكروا ما حدثنا ابن أبي داود، قال: نا أبو معمر ، قال: نا عبد الوارث، قال: نا محمد بن جحادة ، عن إسماعيل بن رجاء ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال: "جاءته امرأة مستحاضة تسأله، لم يفتها وقال لها: سلي [غيري] قال: فأتت ابن عمر -رضي الله عنهما- فسألته، فقال لها: لا تصلي ما رأيت الدم. فرجعت إلى ابن عباس فأخبرته، فقال رحمه الله: إن كاد ليكفرك، قال: ثم سألت علي بن ، أبي طالب فقال: تلك ركزة من الشيطان - أو قرحة في الرحم - اغتسلي عند كل . صلاتين مرة وصلي. قال: فلقيت ابن عباس بعد فسألته، فقال: ما أجد لك إلا ما قال علي -رضي الله عنه-.

                                                حدثنا ابن خزيمة ، قال: أنا الحجاج، قال: أنا حماد ، عن قيس بن سعد ، عن مجاهد قال: "قيل لابن عباس: إن أرضنا أرض باردة. قال: تؤخر الظهر وتعجل العصر وتغتسل لهما غسلا، وتؤخر المغرب وتعجل العشاء وتغتسل لهما غسلا وتغتسل للفجر غسلا".

                                                فذهب هؤلاء إلى الآثار التي ذكرنا.

                                                [ ص: 336 ]

                                                التالي السابق


                                                [ ص: 336 ] ش: أي قال أهل المقالة الثانية أيضا: روي عن علي بن أبي طالب وعبد الله بن عباس مثل ما ذهبنا إليه، فذكروا ما رواه الطحاوي عن إبراهيم بن أبي داود البرلسي ، عن أبي معمر عبد الله بن عمرو المقعد البصري، شيخ البخاري وأبي داود ، عن عبد الوارث بن سعيد البصري ، عن محمد بن جحادة - بضم الجيم وفتح الحاء المهملة - الأودي الكوفي ، عن إسماعيل بن رجاء الكوفي ، عن سعيد بن جبير .

                                                وهذا على شرط مسلم .

                                                وأخرج ابن أبي شيبة في "مصنفه": قال: ثنا حفص بن غياث ، عن ليث ، عن الحكم ، عن علي -رضي الله عنه-: "في المستحاضة تؤخر من الظهر وتعجل من العصر، وتؤخر المغرب وتعجل العشاء - قال: وأظنه قال: وتغتسل للفجر - قال: فذكرت ذلك لابن الزبير وابن عباس، فقالا: ما نجد لها إلا ما قال علي -رضي الله عنه- ".

                                                وإسناد الأثر الثاني أيضا صحيح: عن محمد بن خزيمة ، عن الحجاج بن منهال ، عن حماد بن سلمة ، عن قيس بن سعد أبي عبد الملك المكي ، عن مجاهد ... إلى آخره.

                                                وأخرجه الدارمي في "سننه": أنا الحسن بن ربيع، نا أبو الأحوص ، عن عبد العزيز بن رفيع ، عن عطاء، قال: "كان ابن عباس -رضي الله عنهما- يقول في المستحاضة: تغتسل غسلا للظهر والعصر، وغسلا للمغرب والعشاء، وكان يقول: تؤخر الظهر وتعجل العصر، وتؤخر المغرب وتعجل العشاء".

                                                قوله: "إن كاد ليكفرك" أي: إنه كاد، و: "اللام" في "ليكفرك" للتأكيد، ومعناه أنه قارب أن يكفرك، بأمره لها بترك الصلاة، وهي من أفعال المقاربة، ولا يستعمل منه إلا الماضي والمضارع؛ إلا ما سمع نادرا، وحكمه حكم سائر الأفعال في أن معناه منفي إذا صحبها حرف نفي، فإذا قال القائل: كاد زيد يبكي،

                                                [ ص: 337 ] فمعناه: قارب زيد البكاء، فالمقاربة ثابتة، ونفس البكاء منتف، وكذلك المعنى ها هنا: المقاربة ثابتة، ونفس التكفير منتف.

                                                قوله: "تلك ركزة من الشيطان" بفتح الراء من ركزت الرمح أركزه ركزا، إذا غرزته في الأرض، وهو يحتمل الحقيقة بأن يركز الشيطان في فرجها، ويفتق عرق الاستحاضة، ويحتمل المجاز بأن يكون المعنى أنه وجد بذلك طريقا إلى أن يلبس عليها أمر دينها، بأن أنساها أيام عادتها وأقرائها.

                                                قوله: "أو قرحة في الرحم" أي جراحة وانكشاف لعرق في الرحم.

                                                قوله: "اغتسلي عند كل صلاتين" أراد بهما: الظهرين والعشاءين.

                                                ويستفاد منه:

                                                أن الواجب على المستحاضة أن تجمع بين كل صلاتين بغسل واحد، بأن تؤخر الظهر وتعجل العصر كما مر بيانه.

                                                وأن ترك الصلاة قريب من الكفر.

                                                وأن لعلي بن أبي طالب مزية فضيلة على غيره في العلم، وجلالة قدر.

                                                قوله: "إن أرضنا" أراد بها أرض الكوفة لأن المستفتية كانت منها.

                                                قوله: "فذهب هؤلاء" أي: أهل المقالة الثانية.

                                                "إلى هذه الآثار" وهي الأحاديث المذكورة عن شعبة والثوري وابن عيينة والزهري ، عن عروة والقاسم بن محمد ، عن عائشة، والأثر الذي روي عن علي وابن عباس -رضي الله عنهم-.




                                                الخدمات العلمية