الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                650 651 652 653 654 ص: وكما قال عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- وغيره من أصحاب النبي -عليه السلام-:

                                                حدثنا إبراهيم بن مرزوق، قال: نا وهب، قال: نا شعبة ، عن أبي إسحاق ، عن أبي الأحوص ، قال: قال عبد الله: " : ما كان الله ليجعل في رجس - أو فيما حرم - شفاء".

                                                حدثنا حسين بن نصر ، قال: نا أبو نعيم ، قال: نا سفيان ، عن عاصم ، عن أبي وائل، قال: "اشتكى رجل منا، فنعت له السكر، ، فأتينا عبد الله فسألناه، فقال: إن الله - عز وجل - لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم".

                                                حدثنا ابن مرزوق، قال: حدثنا أبو عاصم ، عن عثمان بن الأسود ، عن عطاء ، قال: قالت عائشة -رضي الله عنها-: "اللهم لا تشف من استشفى بالخمر". " .

                                                قالوا: فلما ثبت بهذه الآثار أن الشفاء لا يكون فيما حرم على العباد، ثبت بالأثر الأول الذي جعل النبي -عليه السلام- بول الإبل فيه دواء أنه طاهر غير حرام، وقد روي عن النبي -عليه السلام- في ذلك أيضا ما قد حدثنا الربيع بن سليمان المؤذن، قال: نا أسد، قال: نا ابن لهيعة ، قال: نا ابن هبيرة ، عن حنش بن عبد الله ، عن عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن في أبوال الإبل وألبانها شفاء . للذربة بطونهم"

                                                قالوا: ففي ذلك أيضا تثبيت ما وصفناه، أيضا.

                                                التالي السابق


                                                ش: هذا عطف على قوله: "كما قال في حديث علقمة" أي؛ وكقول عبد الله بن مسعود وغيره من الصحابة في حرمة الاستشفاء بالحرام.

                                                وأخرج في هذا عن ابن مسعود من طريقين صحيحين:

                                                الأول: عن إبراهيم بن مرزوق ، عن وهب بن جرير ، عن شعبة ، عن أبي إسحاق عمرو بن عبد الله السبيعي ، عن أبي الأحوص عوف بن مالك الكوفي ، عن عبد الله .

                                                [ ص: 380 ] وأخرجه الطبراني في "الكبير": بأتم منه: ثنا أبو خليفة، نا أبو الوليد الطيالسي ومحمد بن كثير، قالا: نا شعبة ، عن أبي إسحاق ، عن أبي الأحوص: "أن رجلا أتى عبد الله، فقال: إن أخي مريض، اشتكى بطنه، وإنه نعت له الخمر، أفأسقيه؟ قال عبد الله: سبحان الله! ما جعل الله شفاء في رجس، إنما الشفاء في شيئين: العسل شفاء للناس، والقرآن شفاء لما في الصدور".

                                                قوله: "في رجس" بكسر الراء أي: في نجس، قال ابن الأثير: الرجس القذر، وقد يعبر به عن الحرام، والفعل القبيح، والعذاب، واللعنة، والكفر، والمراد ها هنا: القذر والحرام.

                                                والثاني: عن حسين بن نصر بن المعارك ، عن أبي نعيم الفضل بن دكين ، عن سفيان الثوري ، عن عاصم بن بهدلة ، عن أبي وائل شقيق بن سلمة ، عن عبد الله .

                                                وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه": نا جرير ، عن منصور ، عن أبي وائل: "أن رجلا أصابه الصفر، فنعت له السكر، فسئل عبد الله عن ذلك، فقال: إن الله لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم".

                                                قوله: "فنعت له" أي وصف له "السكر"، وهو بفتح السين والكاف، وهو الخمر المعتصر من العنب - قاله ابن الأثير - وقال الجوهري: السكر: نبيذ التمر. وفي التنزيل تتخذون منه سكرا والسكار: النباذ.

                                                قوله: "الصفر" بفتح الصاد والفاء، قال الجوهري: الصفر فيما يزعم العرب: حية في البطن تعض الإنسان إذا جاع، واللدغ الذي يجده عند الجوع من لدغه، ولكن المراد ها هنا ما ذكره ابن الأثير، وهو اجتماع الماء في البطن كما يعرض للمستسقى، يقال:

                                                [ ص: 381 ] صفر فهو مصفور وصفر صفرا فهو صفر، والصفر أيضا، دود [يقع] في الكبد وشراسيف الأضلاع، فيصفر عنه الإنسان جدا، وربما قتله.

                                                وأخرج في هذا عن عائشة -رضي الله عنها-، عن إبراهيم بن مرزوق عن أبي عاصم النبيل، الضحاك بن مخلد ، عن عثمان بن الأسود بن موسى المكي ، عن عطاء بن أبي رباح ، عن عائشة.

                                                وهذا أيضا إسناد صحيح.

                                                وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه": عن معاوية بن هشام عن أبي ذئب ، عن الزهري، أن عائشة -رضي الله عنها- كانت تقول: "من تداوى بالخمر فلا شفاه الله".

                                                وأخرج عن ابن عباس مرفوعا، عن الربيع بن سليمان المؤذن ، عن أسد بن موسى ، عن عبد الله بن لهيعة المصري ، عن عبد الله بن هبيرة الشيباني ، عن حنش بن عبد الله أبي رشدين الصنعاني ، عن عبد الله بن العباس .

                                                ورجاله ثقات إلا أن في ابن لهيعة مقالا.

                                                وأخرجه الطبراني في "الكبير": نا بكر بن سهل، نا عبد الله بن يوسف، نا ابن لهيعة.. إلى آخره، نحوه.

                                                قوله: "للذربة بطونهم" من الذرب بالتحريك، وهو الداء الذي يعرض للمعدة فلا تهضم الطعام، ويفسد فيها فلا تمسكه، يقال: ذربت معدته، تذرب، ذربا: فسدت.

                                                قوله: "بطونهم" مرفوع بإسناد الذربة إليه، والذربة ها هنا صفة مشبهة، بفتح الذال المعجمة وكسر الراء، تقول: رجل ذرب، ومعدة ذربة.




                                                الخدمات العلمية