الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                716 ص: ففي هذه الآثار غير معنى ينفي وجوب الغسل:

                                                أما أحدها: فإن عثمان بن عفان -رضي الله عنه- لم يغتسل، واكتفى بالوضوء، ولم يأمره عمر أيضا بالرجوع لأمر رسول الله -عليه السلام- إياه بالغسل، ففي ذلك دليل على أن الغسل الذي كان أمره به لم يكن عندهما على الوجوب، وإنما كان لعلة ما قال ابن عباس: وعائشة -رضي الله عنهم-، أو لغير ذلك، ولولا ذلك لما تركه عثمان ولا سكت عمر عن أمره إياه بالرجوع حتى يغتسل، وذلك بحضرة أصحاب النبي -عليه السلام- الذين قد سمعوا ذلك من النبي -عليه السلام- كما سمعه عمر، ، وعلموا معناه الذي أراده، فلم ينكروا من ذلك شيئا، ولم يأمروا بخلافه، ففي هذا إجماع منهم على نفي وجوب الغسل.

                                                التالي السابق


                                                ش: أي: الآثار المروية عن عمر -رضي الله عنه- .

                                                قوله: "غير معنى" كلام إضافي، مبتدأ وخبره.

                                                قوله: "ففي هذه الآثار" والمعنى: أن في هذه الآثار معاني كثيرة تدل على نفي وجوب الغسل يوم الجمعة.

                                                "أما أحدها" أي: أما أحد المعاني التي تدل على نفي وجوب الغسل، "فإن عثمان... " إلى آخره، وهذا المعنى ظاهر.

                                                [ ص: 473 ] فإن قيل: من أين لكم أن عثمان لم يغتسل في صدر يومه ذلك؟ ومن أين لكم أن عمر -رضي الله عنه- لم يأمر بالرجوع للغسل؟

                                                قلت: من أين لكم أنه اغتسل في صدر يومه؟ ومن أين لكم أن عمر أمره بالرجوع؟ بل القرائن دلت على ما ادعينا، والأصل عدم الغسل من عثمان، وعدم الأمر بالرجوع له من عمر، فمن ادعى خلافه فعليه البيان.

                                                فإن قيل: قطع عمر الخطبة منكرا على عثمان أن لم يوصل الغسل بالرواح، دليل على أن ذلك واجب عنده، وموافقة الصحابة أيضا عمر -رضي الله عنه- على قوله ذلك، حيث لم ينكروا عليه قطع خطبته، فهذا أيضا يدل على أنه واجب عندهم.

                                                قلت: قطع عمر خطبته إنما كان للتعريف لعثمان بما فاته من فضل التهجير، وأنه وقت طي الصحف، ولهذا قال: "أية ساعة هذه؟" على طريق التوبيخ والتقريع؛ ليسمع الحاضرون ذلك ويبكروا إلى الجمعة، ولم يكن ذلك لأجل الأمر بالغسل ولا بغيره.

                                                فإن قيل: أليس هذا لغوا، واللغو قد نهي عنه في الخطبة؟

                                                قلت: ليس الأمر كذلك بل إنما هو أمر بالمعروف، وترغيب بالمبادرة إلى النداء، واللاغي من أعرض عن استماع الخطبة، وشغل نفسه عنها بكلام أو غيره مما يمنعه من السماع.

                                                ومن المعاني التي تدل على نفي وجوب الغسل: ما قاله ابن عباس -رضي الله عنهما- في قوله: "وسأخبركم كيف كان بدء الغسل: كان الناس مجهودين... " إلى آخره.

                                                ومنها: ما قالت عائشة -رضي الله عنها-: "كان الناس عمال أنفسهم... " إلى آخره أشار إلى ذلك بقوله: "وإنما لعلة ما قال ابن عباس وعائشة -رضي الله عنهم- ".

                                                ومنها: أن يكون ذلك لزيادة التنظيف والمبالغة في الطهارة.

                                                ومنها: تعظيم يوم الجمعة بمباشرة الطهارة الكبرى.

                                                [ ص: 474 ] ومنها: تفضيل صلاة الجمعة على غيرها من الصلوات حيث يباشرها بالغسل.

                                                أشار إلى هذه المعاني بقوله: "أو لغير ذلك".




                                                الخدمات العلمية