الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                598 599 600 601 ص: ثم أردنا بعد ذلك أن ننظر في الآثار المأثورة عن رسول الله - عليه السلام -: هل فيها ما يدل على شيء مما ذكرنا؟ فنظرنا في ذلك، فإذا محمد بن عمرو بن يونس ، قد حدثنا قال: أنا أبو معاوية ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: "كان [ ص: 265 ] رسول الله - عليه السلام - يؤتى بالصبيان فيدعو لهم، فأتي بصبي مرة فبال عليه، فقال: صبوا عليه ماء صبا". حدثنا ربيع المؤذن، قال: ثنا أسد ، قال: ثنا محمد بن خازم ..... فذكر بإسناده مثله [1\ق154-أ] .

                                                حدثنا ربيع المؤذن، قال: نا أسد، قال: نا عبدة بن سليمان ، عن هشام ، عن أبيه ، عن عائشة: " أن النبي - عليه السلام - أتي بصبي فبال عليه، فأتبعه الماء ولم يغسله".

                                                حدثنا يونس، قال: نا ابن وهب، أن مالكا حدثه عن هشام ..... فذكر بإسناده مثله غير أنه لم يقل: "ولم يغسله". .

                                                واتباع الماء حكمه حكم الغسل؛ ألا ترى أن رجلا لو أصاب ثوبه عذرة ، فأتبعها الماء . حتى ذهب بها أن ثوبه قد طهر.

                                                وقد روى هذا الحديث زائدة، ، عن هشام بن عروة، قال فيه: "فدعا بماء فنضحه عليه".

                                                وقال مالك ، وأبو معاوية ، وعبدة، ، عن هشام بن عروة: " : ( فدعا بماء فصبه عليه" فدل ذلك أن النضح عندهم هو الصب.

                                                التالي السابق


                                                ش: "هل فيها" أي في الآثار المذكورة "ما يدل على شيء مما ذكرنا"، من أن النضح في هذه الآثار بمعنى الصب، فوجدنا ذلك في الحديث الذي رواه عروة عن عائشة، حيث صرح فيه بقوله: "صبوا عليه ماء صبا".

                                                وقد مضى في روايتها الأخرى: "فدعا بماء فنضحه عليه" فعلم أن المراد من النضح هو الصب؛ لأن هذا الحديث قد روي بألفاظ مختلفة كما قد ذكرت، ولكن كلها ترجع إلى معنى واحد وهو الصب؛ لأن بعضها يفسر بعضا، ولأن ما قلنا أقرب إلى المعقول وللمنقول.

                                                وكذلك معنى اتباع الماء في روايتها الأخرى هو معنى الغسل، والدليل عليه: أن رجلا إذا أصاب ثوبه شيء من النجاسة ثم أتبعه الماء حتى أذهبه، فإن ثوبه قد تطهر بلا خلاف. فعلم أن معنى هذا أيضا يرجع إلى الغسل والصب.

                                                [ ص: 266 ] قوله: "وقد روى هذا الحديث" أي حديث عائشة الذي رواه عروة عنها: زائدة ابن قدامة ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه، عن عائشة وقال فيه "فدعا بماء فنضحه عليه".

                                                وقد مر هذا فيما مضى في هذا الباب، رواه الطحاوي عن ابن خزيمة ، عن عبد الله ابن رجاء ، عن زائدة ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه، عن عائشة.

                                                وقال مالك في روايته: عن هشام بن عروة ، عن أبيه، عن عائشة: "فصبه عليه".

                                                وكذا روى أبو معاوية محمد بن خازم الضرير في روايته عن هشام ، عن أبيه، عن عنها.

                                                وكذا روى عبدة بن سليمان ، عن هشام ، عن أبيه، عنها.

                                                فهذه ألفاظ مختلفة والمعنى واحد.

                                                ومن هذا قال أبو عمر في "التمهيد": هذه الآثار المرفوعة في هذا الباب غير متدافعة ولا متضادة.

                                                يشير به إلى أن حاصل الجميع يرجع إلى معنى واحد وهو الصب.

                                                ويؤيد ذلك أيضا ما روي عن بعض الصحابة ومن بعدهم، فقد روي عن أم سلمة قالت: "بول الغلام يصب عليه الماء صبا، وبول الجارية يغسل، طعمت أو لم تطعم" ذكره البغوي والقرطبي في "مختصر التمهيد".

                                                وذكره الطبراني في "الأوسط" مرفوعا ، وقد ذكرناه عن قريب.

                                                وروى أبو داود في "سننه" : ثنا عبد الله بن عمرو بن أبي الحجاج أبو معمر، قال: ثنا عبد الوارث ، عن يونس ، عن الحسن ، عن أمه: "أنها أبصرت أم سلمة تصب على بول الغلام ما لم يطعم، فإذا طعم غسلته، وكانت تغسل بول الجارية".

                                                [ ص: 267 ] وقال ابن أبي شيبة في "مصنفه" : نا وكيع ، عن معن ، عن منصور ، عن إبراهيم قال: "إن كان طعم غسل، وإن لم يكن طعم صب عليه الماء".

                                                ثنا وكيع ، عن واقد ، عن عطاء قال: "قال له رجل: يحمل أحدنا الصبي فيصيبه من أذاه، قال: إن كان طعم غسل، وإن لم يكن طعم صب عليه الماء".

                                                ثنا وكيع ، عن إسرائيل ، عن جابر ، عن عامر قال: "يصب الماء على بول الصبي".

                                                ثنا محمد بن بكر ، عن ابن جريج قال: "قلت لعطاء: الصبي ما لم يأكل الطعام تغسل ثوبك من بوله وسلحه أيضا؟ قال: ارشش عليه الماء، أو أصبب عليه قال: قلت: فالصبي يلعق قبل أن يأكل الطعام من السمن والعسل وذاك طعام؟ قال: ارشش عليه أو أصبب عليه" [1\ق154-ب] .

                                                ثم إنه أخرج حديث عائشة - رضي الله عنها - هذا من أربع طرق صحاح:

                                                الأول: عن محمد بن عمرو بن يونس التغلبي المعروف بالسوسي ، عن أبي معاوية محمد بن خازم -بالمعجمتين- الضرير ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه عروة بن الزبير ، عن عائشة قالت: "أتي رسول الله - عليه السلام - بصبي يرضع، فبال في حجره، فدعا بماء فصبه عليه".

                                                الثاني: عن ربيع بن سليمان المؤذن ، عن أسد بن موسى ، عن محمد بن خازم ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه، عن عائشة.

                                                الثالث: عن ربيع ، عن أسد ، عن عبدة بن سليمان الكلابي ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه، عن عائشة.

                                                وأخرجه العدني في "مسنده" : ثنا محمد، ثنا ابن عيينة ، عن هشام ، عن أبيه، عن عائشة قالت: "كان رسول الله - عليه السلام - يؤتى بالصبيان يدعو لهم، فأتي بصبي فبال عليه، فأتبع النبي - عليه السلام - الماء بوله".

                                                [ ص: 268 ] وأخرجه البزار في "مسنده": ثنا عمرو، ثنا يحيى بن سعيد، نا هشام بن عروة، حدثني أبي، عن عائشة: "أن النبي - عليه السلام - أتي بصبي فبال في حجره، فأتبع النبي - عليه السلام - الماء بوله".

                                                وأخرجه أحمد : أيضا عن يحيى عن هشام إلى آخره.

                                                قوله: "ولم يغسله" أراد أنه لم يغسله بالعرك والعصر، كما في سائر النجاسات، والغرض هو الإزالة، فقد حصلت به.

                                                الرابع: عن يونس بن عبد الأعلى ، عن عبد الله بن وهب ، عن مالك ، عن هشام ، عن عروة ، عن عائشة.

                                                وأخرجه في "موطئه" ، وكذا أخرجه النسائي ، وليس فيه "ولم يغسله".




                                                الخدمات العلمية