الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                786 ص: وكان لهم من الحجة في ذلك: أن فهدا قد حدثنا، قال: حدثنا سحيم الحراني ، - وهو محمد بن القاسم - قال: أخبرنا عيسى بن يونس ، قال: نا يونس بن يزيد الأيلي ، عن الزهري ، عن عروة ، عن عائشة -رضي الله عنها-، قالت: " كان رسول الله -عليه السلام- إذا أراد أن يأكل وهو جنب غسل كفيه". .

                                                [ ص: 563 ] وقد روى عن عائشة -رضي الله عنها- ما ذكرنا، وروي عنها خلاف ذلك أيضا مما روينا عنها أنه كان يتوضأ وضوءه للصلاة، فلما تضاد ذلك عنها احتمل ذلك عندنا -والله أعلم- أن يكون وضوؤه حين كان يتوضأ في الوقت الذي ذكرنا في غير هذا الباب أنه كان إذا رأى الماء يتكلم، وكان يتوضأ ليتكلم، فيسمي ويأكل، ثم نسخ ذلك بغسل كفيه للتنظيف وترك الوضوء، وكذلك وضوؤه -عليه السلام- عند النوم يحتمل أن يكون كان يفعله أيضا لينام على ذكر، ثم نسخ ذلك، فأبيح للجنب ذكر الله - عز وجل - فارتفع المعنى الذي له توضأ، وقد روينا في غير هذا الموضع عن ابن عباس -رضي الله عنهما- "أن النبي -عليه السلام- خرج من الخلاء، فقيل له: ألا تتوضأ؟ فقال: أأريد الصلاة فأتوضأ؟! ".

                                                فأخبر أنه لا يتوضأ إلا للصلاة، ففي ذلك أيضا نفي الوضوء عن الجنب إذا أراد النوم أو الأكل أو الشرب.

                                                التالي السابق


                                                ش: أي كان للآخرين من الحجة والبرهان فيما ذهبوا إليه حديث فهد الذي رواه عن عائشة، وقوله: "أن فهدا" في تأويل المصدر في محل الرفع على أنه اسم "كان" وخبره مقدم، والتقدير: وكان تحديث فهد إيانا بإسناده عن عائشة ثبت لهم من الحجة.

                                                وإسناده حسن، ورجاله ثقات.

                                                وسحيم بضم السين وفتح الحاء المهملتين، وسكون الياء آخر الحروف، وهو لقب محمد بن القاسم، قال أبو حاتم: صدوق.

                                                وأخرجه أبو داود ولكن عن الزهري ، عن أبي سلمة ، عن عائشة وقال: ثنا محمد بن الصباح البزاز، قال: نا ابن المبارك ، عن يونس ، عن الزهري ، عن أبي سلمة ، عن عائشة: "أن النبي -عليه السلام- كان إذا أراد أن ينام وهو جنب توضأ وضوء الصلاة، وإذا أراد أن يأكل وهو جنب غسل يديه".

                                                [ ص: 564 ] وقال أبو داود: رواه صالح بن أبي الأخضر عن الزهري كما قال ابن المبارك إلا أنه قال: عن عروة أو عن أبي سلمة .

                                                وأخرجه النسائي ، وابن ماجه أيضا كرواية أبي داود، وليس في روايتهما ذكر الوضوء للجنب إذا أراد النوم.

                                                قوله: "وقد روي عن عائشة ما ذكرنا وروي عنها خلاف ذلك أيضا" أشار بذلك إلى أن الحديث الذي رواه هنا يضادد الحديث الذي رواه عنها فيما سلف من أنه -عليه السلام- كان يتوضأ وضوءه للصلاة.

                                                ثم أشار إلى وجه التوفيق بينهما بقوله: "فلما تضاد ذلك عنها... " إلى آخره، وتحريره: أن عائشة -رضي الله عنها- روت عن النبي -عليه السلام- فعلين متضادين، حيث أخبرت في أحدهما: الوضوء كوضوء الصلاة، وفي الآخر الاقتصار على غسل الكفين، وهو وضوء غير تام، فإخبارها، بغسل الكفين بعد أن كانت علمت أنه -عليه السلام- أمر بالوضوء التام يدل على ثبوت النسخ عندها؛ لأن وضوءه -عليه السلام- كان فيما إذا كان رأى الماء لم يتكلم، فيتوضأ ليتكلم، فيسمي ويأكل، وغسل كفيه كان بعد ذلك، فاكتفاؤه -عليه السلام- بذلك بعد ذلك يدل على ثبوت نسخ الأول.

                                                وكذلك وضوؤه -عليه السلام- عند النوم كان لينام على ذكر، وذلك حين كان ذكر الله محرما على الجنب، ثم نسخ بحديث عائشة: "كان رسول الله -عليه السلام- يذكر الله على كل أحيانه".

                                                أخرجه مسلم وغيره فأبيح للجنب أن يذكر الله تعالى.

                                                قوله: "وقد روينا في غير هذا الموضع عن ابن عباس إلى آخره" تأييد لما ذكره من ثبوت النسخ في وضوء الجنب للأكل، بيانه: "أنه -عليه السلام- لما خرج من الخلاء، فقيل

                                                [ ص: 565 ] له: ألا تتوضأ؟ فقال: أأريد الصلاة فأتوضأ؟! " فأخبر أنه لا يتوضأ إلا لأجل الصلاة، ففيه نفي الوضوء عن الجنب مطلقا، سواء أراد النوم أو الأكل أو الشرب، فإذا ارتفع الوجوب، يبقى الندب والاستحباب.




                                                الخدمات العلمية