الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                1492 1493 1494 1495 1496 1497 1498 ص: وأما علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - فروي عنه في ذلك ما قد حدثنا صالح بن عبد الرحمن ، قال: ثنا سعيد بن منصور، قال: ثنا هشيم ، عن عطاء بن السائب ، عن أبي عبد الرحمن ، عن علي - رضي الله عنه -: " أنه كان يقنت في صلاة الصبح قبل الركوع". .

                                                حدثنا ابن مرزوق، قال: ثنا عبد الصمد بن عبد الوارث وأبو داود، قالا: ثنا شعبة (ح).

                                                وحدثنا حسين بن نصر، قال: ثنا أبو نعيم، قال: ثنا سفيان ، كلاهما عن أبي حصين ، عن عبد الله بن معقل -في حديث سفيان- قال: "كان علي وأبو موسى - رضي الله عنهما - يقنتان في صلاة الغداة -وفي حديث شعبة- فقنت بنا علي وأبو موسى".

                                                حدثنا أبو بكرة، قال: ثنا أبو داود، قال: ثنا شعبة، : عن عبيد بن حسن، قال: سمعت ابن معقل يقول: "صليت خلف علي - رضي الله عنه - الصبح فقنت".

                                                فقد يجوز أن يكون علي - رضي الله عنه - كان يرى القنوت في صلاة الصبح في سائر الدهر، ويجوز أن يكون فعل ذلك في وقت خاص للمعنى الذي كان عمر - رضي الله عنه - فعله من أجله، فنظرنا في ذلك فإذا روح بن الفرج قد حدثنا، قال: ثنا يوسف بن عدي، قال: ثنا أبو الأحوص ، عن مغيرة ، عن إبراهيم قال: "كان عبد الله لا يقنت في الفجر، وأول من قنت فيها علي - رضي الله عنه -، وكانوا يرون أنه إنما فعل ذلك; لأنه كان محاربا".

                                                حدثنا فهد، قال: ثنا محرز بن هشام، قال: ثنا جرير ، عن مغيرة ، عن إبراهيم قال: "إنما كان علي يقنت ها هنا; لأنه كان محاربا، . فكان يدعو على أعدائه في القنوت [ ص: 377 ] في الفجر والمغرب. فثبت بما ذكرنا أن مذهب علي - رضي الله عنه - في القنوت هو مذهب عمر - رضي الله عنه - الذي وصفنا، ولم يكن علي - رضي الله عنه - يقصد بذلك إلى الفجر خاصة; لأنه قد كان يفعل ذلك في المغرب، فيما ذكر إبراهيم - رضي الله عنه -.

                                                حدثنا أبو بكرة، قال: ثنا أبو داود ، عن شعبة، قال: حدثني حصين بن عبد الرحمن، قال: سمعت عبد الرحمن بن معقل يقول: " صليت خلف علي - رضي الله عنه - المغرب فقنت ودعا". .

                                                فكل قد أجمع أن المغرب لا يقنت فيها إذا لم تكن حرب، وأن عليا - رضي الله عنه - إنما قنت فيها من أجل الحرب، فقنوته في الفجر أيضا عندنا كذلك.

                                                التالي السابق


                                                ش: لما كان الخصم استدل أيضا -فيما ذهب إليه من القنوت في الفجر- بما روي عن علي - رضي الله عنه - أنه كان يقنت في الصبح، ذكره ثم أجاب عنه بما ذكره، وهو ظاهر.

                                                وأخرج ما روي عنه من أربع طرق صحاح:

                                                الأول: عن صالح بن عبد الرحمن ، عن سعيد بن منصور ، عن هشيم بن بشير ، عن عطاء بن السائب ، عن أبي عبد الرحمن عبد الله بن حبيب بن ربيعة -بالتصغير- السلمي الكوفي، ولأبيه صحبة، وأبو عبد الرحمن روى له الجماعة.

                                                وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه" : ثنا هشيم ... إلى آخره.

                                                وفيه حجة لأصحابنا: أن القنوت فيما يقنت قبل الركوع.

                                                فإن قيل: روى البيهقي في "سننه" : من حديث يزيد بن أبي زياد، سمعت أشياخنا يحدثون: "أن عليا - رضي الله عنه - كان يقنت في صلاة الصبح بعد الركوع".

                                                قلت: يزيد بن أبي زياد ضعيف، وحكى البيهقي نفسه تضعيفه عن ابن معين في باب "رفع اليدين عند الافتتاح خاصة"، ثم إنه روى عن الأشياخ وهم مجهولون، والذي رواه الطحاوي وابن أبي شيبة أولى.

                                                [ ص: 378 ] الثاني: عن إبراهيم بن مرزوق ، عن عبد الصمد بن عبد الوارث وأبي داود سليمان بن داود الطيالسي، كلاهما عن شعبة ، عن أبي حصين -بفتح الحاء وكسر الصاد- عثمان بن عاصم بن حصير -بالتصغير- الأسدي الكوفي .

                                                عن عبد الله بن معقل بن مقرن المزني قال: "قنت بنا ... " إلى آخره.

                                                وأخرجه الطيالسي في "مسنده": عن شعبة ... إلى آخره.

                                                الثالث: عن حسين بن نصر بن المعارك ، عن أبي نعيم الفضل بن دكين ، عن سفيان الثوري ، عن أبي حصين ... إلى آخره.

                                                وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه" : ثنا سفيان ، عن أبي حصين ، عن عبد الله بن معقل قال: "قنت في الفجر رجلان من أصحاب النبي - عليه السلام -: علي وأبو موسى".

                                                وقال البيهقي: هذا عن علي صحيح مشهور.

                                                قلت: الجواب عنه ما ذكره الطحاوي، وأيضا هذا الأثر مضطرب.

                                                فإن ابن حبان أخرج في "صحيحه" : عن أبي مالك، [عن أبيه] : "أنه صلى خلف علي - رضي الله عنه - فلم يقنت".

                                                قوله: "كلاهما عن أبي حصين" أي شعبة وسفيان كلاهما رويا عن أبي حصين .

                                                الرابع: عن أبي بكرة بكار القاضي ، عن أبي داود سليمان بن داود الطيالسي ، عن شعبة ، عن عبيد بن حسن المزني الكوفي ، عن عبد الله بن معقل بن مقرن .

                                                وأخرج ما رواه إبراهيم النخعي الذي يدل على أن قنوت علي إنما كان للمحاربة عن طريقين رجالهما ثقات:

                                                [ ص: 379 ] الأول: عن روح بن الفرج القطان المصري ، عن يوسف بن عدي الكوفي شيخ البخاري ، عن أبي الأحوص سلام بن سليم الحنفي الكوفي ، عن مغيرة بن مقسم الضبي الكوفي الفقيه الأعمى ، عن إبراهيم النخعي .

                                                وأخرج محمد بن الحسن في "آثاره" : عن أبي حنيفة عن حماد ، عن إبراهيم: "أن أهل الكوفة إنما أخذوا القنوت عن علي، قنت يدعو على معاوية حين حاربه".

                                                وأخرج ابن حزم في "المحلى" : من طريق ابن المجالد عن أبيه، عن إبراهيم النخعي ، عن علقمة والأسود، قالا: "ما قنت رسول الله - عليه السلام - في شيء من الصلوات إلا إذا حارب، فإنه كان يقنت في الصلوات كلهن، ولا قنت أبو بكر ولا عمر ولا عثمان حتى ماتوا، ولا قنت علي - رضي الله عنه - حتى حارب أهل الشام، فكان يقنت في الصلوات كلهن، وكان معاوية يقنت أيضا، يدعو كل واحد منهما على صاحبه".

                                                الثاني: عن فهد بن سليمان ، عن محرز بن هشام ، عن جرير بن حازم ، عن مغيرة بن مقسم ، عن إبراهيم النخعي .

                                                وأخرج ما رواه عبد الرحمن بن معقل الذي يدل على أن عليا كان يقنت في المغرب أيضا عن أبي بكرة بكار القاضي ، عن أبي داود سليمان بن داود الطيالسي ، عن شعبة ، عن عبد الرحمن بن معقل -بفتح الميم وسكون العين المهملة وكسر القاف- ابن مقرن المزني الكوفي ... إلى آخره.

                                                وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه" : ثنا شريك ، عن حصين ، عن عبد الرحمن بن معقل، قال: "صليت خلف علي - رضي الله عنه - المغرب فقنت".




                                                الخدمات العلمية