الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                1366 ص: وأما وجه هذا الباب من طريق النظر: فإنهم قد أجمعوا أن التكبيرة الأولى معها رفع وأن التكبيرة بين السجدتين لا رفع معها، واختلفوا في تكبيرة النهوض وتكبيرة الركوع، فقال قوم: حكمهما حكم تكبيرة الافتتاح وفيهما الرفع كما فيها الرفع. وقال آخرون: حكمها حكم التكبيرة بين السجدتين ولا رفع فيهما كما لا رفع فيها، وقد رأينا تكبيرة الافتتاح من صلب الصلاة لا تجزى الصلاة إلا [ ص: 198 ] بإصابتها، ورأينا التكبيرة بين السجدتين ليست كذلك; لأنه لو تركها تارك لم تفسد عليه صلاته، ورأينا تكبيرة الركوع وتكبيرة النهوض ليستا من صلب الصلاة; لأنه لو تركها تارك لم تفسد عليه صلاته وهما من سننها، فلما كانتا من سنن الصلاة، كما التكبير بين السجدتين من سنن الصلاة، كانتا كهي في أن لا رفع فيهما كما لا رفع فيها; فهذا هو النظر في هذا الباب، وهو قول أبي حنيفة ، وأبي يوسف ، ومحمد ، -رحمهم الله تعالى-.

                                                التالي السابق


                                                ش: ملخص وجهه النظر والقياس: أن تكبيرة الإحرام فرض فيها الرفع، والتكبيرة بين السجدتين سنة وليس فيها الرفع، وتكبيرة النهوض والركوع اختلف في حكمهما هل فيهما رفع أم لا، فالقياس أن يكون حكمهما في الرفع وعدمه كحكم التكبيرة بين السجدتين; للعلة الجامعة، وهي كون الكل سنة لا كحكم تكبيرة الإحرام; لعدم العلة الجامعة.

                                                قوله: "فإنهم أجمعوا" أي فإن الخصوم أجمعوا، وليس المراد منه إجماع العلماء كلهم; لأن الرفع مع التكبيرة بين السجدتين مذهب جماعة من الصحابة والتابعين.

                                                وقد قال ابن أبي شيبة في "مصنفه" : ثنا أبو أسامة ، عن عبيد الله ، عن نافع، عن ابن عمر: "أنه كان يرفع يديه إذا رفع رأسه من السجدة الأولى".

                                                ثنا ابن علية ، عن أيوب، قال: "رأيت نافعا وطاوسا يرفعان أيديهما بين السجدتين".

                                                ثنا يزيد بن هارون ، عن أشعث، عن الحسن وابن سيرين: "أنهما كانا يرفعان أيديهما بين السجدتين".

                                                [ ص: 199 ] ثنا ابن علية ، عن أيوب قال: "رأيته يفعله".

                                                قوله: "فقال قوم" أراد بهم من ذكرناهم فيما مضى، وهم: الحسن وسالم وعطاء ومجاهد وابن سيرين والشافعي وأحمد وإسحاق .

                                                قوله: "وقال آخرون" أي جماعة آخرون، وهم: الثوري وابن أبي ليلى والنخعي والشعبي وأبو حنيفة وأصحابه ومالك في رواية ابن القاسم .

                                                قوله: "وقد رأينا تكبيرة الافتتاح من صلب الصلاة" هذا اللفظ يشعر بأنها من أركان الصلاة، وليست كذلك عند أبي حنيفة، بل هي من الشروط، واحتج بقوله تعالى: وذكر اسم ربه فصلى والفاء للعطف، والمعطوف غير المعطوف عليه، وعند الشافعي ومالك وأحمد هي من أركان الصلاة، والفرض أعم من الشرط والركن.

                                                فإن قيل: فما فائدة هذا الخلاف؟

                                                قلت: في جواز بناء النفل على تحريمه الفرض، فعندنا يجوز، خلافا لهم. وفي بناء التطوع على الفرض بلا تحريمة جديدة فعندنا يصير شارعا في الثاني خلافا لهم. وفيما إذا كبر مقارنا لزوال الشمس.

                                                قوله: "كانتا كهي" أي كانت تكبيرة الركوع وتكبيرة النهوض "كهي" أي كالتكبيرة بين السجدتين.




                                                الخدمات العلمية