الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                1226 1227 1228 ص: حدثنا أبو بكرة، قال: ثنا أبو داود، قال: ثنا المسعودي ، عن زيد العمي ، عن أبي نضرة ، عن أبي سعيد الخدري ، - رضي الله عنه - قال: "اجتمع ثلاثون من أصحاب النبي - عليه السلام - فقالوا: تعالوا حتى نقيس قراءة النبي - عليه السلام - فيما لم يجهر فيه من الصلوات، فما اختلف منهم رجلان، فقاسوا قراءته في الركعتين الأوليين من الظهر بقدر قراءة ثلاثين آية، وفي الركعتين الأخريين على النصف من ذلك، وفي صلاة العصر في الركعتين الأوليين على قدر النصف من الأوليين في الظهر، وفي الركعتين الأخريين على قدر النصف من الركعتين الأخريين من الظهر".

                                                حدثنا إبراهيم بن مرزوق، قال: ثنا حبان بن هلال، قال: ثنا أبو عوانة ، عن منصور بن زاذان ، عن الوليد أبي بشر العنبري ، عن أبي الصديق الناجي ، عن أبي سعيد الخدري قال: "كان رسول الله - عليه السلام - يقوم في الظهر في الركعتين الأوليين في [ ص: 21 ] كل ركعة قدر قراءة ثلاثين آية، وفي الأخريين بنصف ذلك، وكان يقوم في العصر في الركعتين الأوليين قدر خمس عشرة آية، وفي الأخريين قدر نصف ذلك".

                                                حدثنا أحمد بن شعيب، قال: أنا يعقوب بن إبراهيم الدسوقي، قال أنا هشيم ، قال: ثنا منصور بن زاذان ، عن الوليد بن مسلم ، عن أبي الصديق الناجي ، عن أبي سعيد الخدري ، - رضي الله عنه - قال: " كنا نحزر قيام رسول الله - عليه السلام - في الظهر والعصر، فحزرنا قيامه في الظهر قدر ثلاثين آية قدر سورة السجدة في الركعتين الأوليين، وفي الأخريين على النصف من ذلك، وحزرنا قيامه في الركعتين الأوليين من العصر على قدر الأخريين من الظهر، وحزرنا قيامه في الركعتين الأخريين من العصر على النصف من ذلك. .

                                                التالي السابق


                                                ش: هذه ثلاث طرق:

                                                الأول: عن أبي بكرة بكار القاضي ، عن أبي داود سليمان بن داود الطيالسي ، عن عبد الرحمن بن عبد الله بن عتبة بن عبد الله بن مسعود المسعودي الكوفي ، عن زيد بن الحواري العمي البصري قاضي هراة في ولاية قتيبة بن مسلم فيه مقال; فعن أحمد: صالح. وعن يحيى: لا شيء. وقال أبو زرعة: ليس بقوي، واهي الحديث، ضعيف. وقال النسائي: ضعيف. وروى له الأربعة، وإنما سمي العمي لأنه كان كلما سئل عن شيء قال: حتى أسأل عمي.

                                                عن أبي نضرة -بفتح النون، وسكون الضاد المعجمة- واسمه المنذر بن مالك بن قطعة العبدي ثم العوقي البصري من رجال الجماعة، غير أن البخاري استشهد به.

                                                عن أبي سعيد الخدري واسمه سعد بن مالك .

                                                وأخرجه ابن ماجه : نا يحيى بن حكيم، نا أبو داود الطيالسي، نا المسعودي ... إلى آخره نحوه، غير أن في لفظه: "فقاسوا قراءته في الركعة الأولى من الظهر [ ص: 22 ] بقدر ثلاثين آية، وفي الركعة الأخرى قدر النصف من ذلك، وقاسوا ذلك في العصر على قدر النصف من الركعتين الأخريين من الظهر".

                                                قوله: "تعالوا" أمر من تعالى يتعالى، وهو الارتفاع، يقال: تعالى تعاليا، تعالوا -بفتح اللام- تعالى تعاليا تعالين ولا يستعمل منه النهي وغيره، ويقال: قد جاء تعاليت وأتعالى.

                                                قوله: "وقاسوا ذلك" إشارة إلى القراءة، والتذكير باعتبار القرآن.

                                                قوله: "ومن صلاة العصر في الركعتين" إلى آخره أراد أن الذي قرأ في الأوليين من العصر قاسوه فجاء على قدر النصف من الذي كان قرأه في الأوليين من الظهر، وكان الذي قاسوا ما قرأه في الأوليين من الظهر مقدار ثلاثين آية، فيكون الذي قرأه في الأوليين من العصر مقدار خمس عشرة آية.

                                                قوله: "وفي الركعتين الأخريين على قدر النصف من الركعتين الأخريين من الظهر"، أراد أن الذي قرأ في الركعتين الأخريين من العصر قاسوه فجاء على قدر النصف من الذي كان قرأ به في الأخريين من الظهر، وكان الذي قاسوا ما قرأه في الأخريين من الظهر مقدار خمس عشرة آية، فيكون الذي قرأه في الأخريين من العصر مقدار سبع آيات أو ثماني آيات.

                                                قال الذهبي عقيب هذا الحديث: هذا غريب فرد، وهو مشكل، وكيف يكون زمان الأخريين من الظهر في طول الأوليين من العصر؟!

                                                وقد استدل به بعض أصحابنا على أنه يقرأ في الأوليين من الظهر ثلاثين آية، وكذا من الصبح; لاستوائها في سعة الوقت، وفي العصر يقرأ بخمس عشرة آية.

                                                وقال صاحب "الهداية": ويقرأ في الحضر في الفجر بأربعين آية أو خمسين آية سوى فاتحة الكتاب، ويروى: من أربعين إلى ستين، ومن ستين إلى مائة، وبكل ذلك ورد الأثر.

                                                [ ص: 23 ] وجه التوفيق: أنه يقرأ بالراغبين مائة وبالكسالى أربعين، وبالأوسط ما بين خمسين إلى ستين. وقيل: ننظر إلى طول الليالي وقصرها، وإلى كثرة الأشغال وقلتها، قال: وفي الظهر مثل ذلك -أي مثل الفجر- وقال في "الأصل": أو دونه لأنه وقت الأشغال فينقص عنه تحررا عن الملال، والعصر والعشاء سواء، يقرأ فيها بأوساط المفصل، وفي المغرب دون ذلك يقرأ فيها بقصار المفصل، والأصل فيه كتاب عمر إلى أبي موسى الأشعري - رضي الله عنهما -: "أن اقرأ في الفجر والظهر بطوال المفصل، وفي العصر والعشاء بأوساط المفصل، وفي المغرب بقصار المفصل".

                                                قلت: هذا بهذا اللفظ غريب لم يثبت.

                                                والصحيح ما رواه عبد الرزاق في "مصنفه" : عن الثوري ، عن علي بن زيد بن جدعان ، عن الحسن وغيره قال: "كتب عمر - رضي الله عنه - إلى أبي موسى: أن اقرأ في المغرب بقصار المفصل، وفي العشاء بوسط المفصل، وفي الصبح بطوال المفصل".

                                                وقال الترمذي في باب "القراءة في الصبح": وروي عن عمر: "أنه كتب إلى أبي موسى أن اقرأ في الصبح بطوال المفصل".

                                                ثم قال في الباب الذي يليه: وروي عن عمر: "أنه كتب إلى أبي موسى أن اقرأ في الظهر بأوساط المفصل".

                                                ثم قال في الباب الذي يليه: وروي عن عمر: "أنه كتب إلى أبي موسى أن اقرأ في المغرب بقصار المفصل".

                                                والثاني: عن ابن مرزوق ، عن حبان -بفتح الحاء- بن هلال الباهلي البصري ، عن أبي عوانة الوضاح بن عبد الله اليشكري ، عن منصور بن زاذان الواسطي ، عن [ ص: 24 ] الوليد بن مسلم بن شهاب أبي بشر العنبري البصري ، عن أبي الصديق الناجي -بالنون والجيم- نسبة إلى ناجية قبيلة واسمه بكر بن عمرو، وقيل: ابن قيس البصري .

                                                وهذا إسناد صحيح ورجاله كلهم رجال الصحيح ما خلا ابن مرزوق .

                                                وأخرجه مسلم : ثنا شيبان بن فروخ، قال: ثنا أبو عوانة ، عن منصور ، عن الوليد أبي بشر ، عن أبي الصديق الناجي ، عن أبي سعيد الخدري: "أن النبي - عليه السلام - كان يقرأ في صلاة الظهر في الركعتين الأوليين في كل ركعة قدر ثلاثين آية، وفي الأخريين قدر خمس عشرة آية -أو قال: نصف ذلك- وفي العصر في الركعتين الأوليين في كل ركعة قدر خمس عشرة آية، وفي الأخريين قدر نصف ذلك".

                                                الثالث: عن أحمد بن شعيب النسائي الحافظ صاحب "السنن" المشهورة، عن يعقوب بن إبراهيم الدورقي، نسبة إلى دورق أراه من بلاد فارس قاله ابن قرقول، وقال الصغاني: دورق حصن على نهر من الأنهار المتشعبة من دجلة، انتقل من البصرة، ودورق بلدة بخوزستان، والدورق مكيال للشراب، وأهل مكة يسمون الجرة ذات العروة التي تقل باليد: الدورق، وهو صاحب المسند، وشيخ الجماعة.

                                                عن هشيم بن بشير ، عن منصور بن زاذان ... إلى آخره.

                                                وهذا أيضا إسناد صحيح وأخرجه أبو داود : ثنا عبد الله بن محمد، ثنا هشيم، أنا منصور ... إلى آخره نحوه، مع اختلاف يسير في اللفظ.

                                                قوله: "نحزر" من حزرت الشيء أحزره وأحزره -بالضم والكسر- حزرا، أي قدرت وخرصت.

                                                وقوله: "سورة السجدة" وهي سورة الم تنزيل السجدة، وهي مكية، ثلاثون آية عند أهل الكوفة والمدينة، وتسع وعشرون عند أهل البصرة، وثلاثمائة وثمانون كلمة، وألف وخمس مائة وثمانية عشر حرفا.




                                                الخدمات العلمية