الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                1357 1358 1359 1360 1361 1362 1363 ص: وأما حديث وائل ، فقد ضاده إبراهيم بما ذكره عن عبد الله أنه لم يكن رأى النبي - عليه السلام - فعل ما ذكر، فعبد الله أقدم صحبة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأفهم بأفعاله من وائل ، وقد كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يحب أن يليه المهاجرون ليحفظوا عنه كما حدثنا علي بن معبد، قال: ثنا عبد الله بن بكر، قال: ثنا حميد ، عن أنس قال: "كان رسول الله - عليه السلام - يحب أن يليه المهاجرون والأنصار ليحفظوا عنه".

                                                حدثنا أبو بكرة ، قال: ثنا عبد الله بن بكر ... ، فذكر بإسناده مثله وقال أيضا: "ليلني منكم أولو الأحلام والنهى".

                                                حدثنا إبراهيم بن مرزوق، قال: ثنا بشر بن عمر، قال: ثنا شعبة، قال: أخبرنا سليمان، قال: "سمعت عمارة بن عمير يحدث، عن أبي معمر ، عن أبي مسعود الأنصاري قال: "كان رسول الله - عليه السلام - يقول: ليلني منكم أولو الأحلام والنهى، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم".

                                                حدثنا أبو بكرة وابن مرزوق، قالا: ثنا وهب بن جرير ، قال: ثنا شعبة ، عن أبي جمرة ، عن إياس بن قتادة ، عن قيس بن عباد ، قال: قال لي أبي بن كعب: ، قال لنا رسول الله - عليه السلام -: "كونوا في الصف الذي يليني". .

                                                قال أبو جعفر : -رحمه الله-: فعبد الله من أولئك الذين كانوا يقربون من رسول الله - عليه السلام - ليعلموا أفعاله في الصلاة كيف هي; ليعلموا الناس ذلك، فما حكوا من ذلك فهو أولى مما جاء به من كان أبعد منه منهم في الصلاة.

                                                فإن قالوا: ما ذكرتموه عن إبراهيم ، عن عبد الله غير متصل.

                                                [ ص: 182 ] قيل لهم: إن إبراهيم كان إذا أرسل عن عبد الله ، لم يرسله إلا بعد صحته عنده، وتواتر الرواية به عن عبد الله; ، قد قال له الأعمش: : إذا حدثتني فأسند، قال: إذا قلت لك قال عبد الله " فلم أقل ذلك حتى حدثني جماعة عنه، فإذا قلت: حدثني فلان عن عبد الله، " فهو الذي حدثني.

                                                حدثنا بذلك إبراهيم بن مرزوق، قال: ثنا وهب أو بشر بن عمر -قال أبو جعفر -رحمه الله-: أنا أشك- عن شعبة ، عن الأعمش بذلك.

                                                قال أبو جعفر -رحمه الله-: فأخبر أن ما أرسله عن عبد الله فمخرجه عنده أصح من مخرج ما يرويه عن رجل بعينه عن عبد الله وكذلك هذا الذي أرسله عن عبد الله لم يرسله إلا ومخرجه عنده أصح من مخرج ما يرويه عن رجل بعينه عن عبد الله ومع ذلك قد رويناه متصلا من حديث عبد الرحمن بن الأسود، وكذلك كان عبد الله يفعل في سائر صلاته.

                                                حدثنا ابن أبي داود ، قال: ثنا أحمد بن عبد الله بن يونس ، قال: ثنا أبو الأحوص ، عن حصين ، عن إبراهيم ، قال: "كان عبد الله لا يرفع يديه في شيء من الصلوات إلا في الافتتاح".

                                                التالي السابق


                                                ش: هذا جواب عن حديث وائل بن حجر: "رأيت رسول الله - عليه السلام - حين يكبر للصلاة وحين يركع وحين يرفع رأسه من الركوع يرفع يديه حيال أذنيه" بيانه أن خبر وائل بن حجر هذا يضاده ما رواه إبراهيم النخعي عن عبد الله بن مسعود: "أنه لم يكن رأى النبي - عليه السلام - فعل ما ذكر -يعني من رفع اليدين- في غير تكبيرة الإحرام"، ثم أشار إلى ترجيح خبر ابن مسعود على خبر وائل بقوله: "فعبد الله أقدم صحبة لرسول الله - عليه السلام -" لأنه أسلم بمكة قديما، وكان عاشر العشرة ممن أسلم من الصحابة عند مبعث النبي - عليه السلام - وهاجر الهجرتين وشهد بدرا والمشاهد كلها مع رسول الله - عليه السلام - وهو صاحب نعل رسول الله - عليه السلام -، كان يلبسه إياها إذا قام، فإذا [ ص: 183 ] جلس أدخلها في ذراعه وكان كثير الولوج عليه - عليه السلام -، وقال له رسول الله - عليه السلام -: "إذنك علي أن ترفع الحجاب وأن تسمع سوادي" . والسواد: السرار.

                                                ووائل بن حجر أسلم في المدينة في سنة تسع من الهجرة وبين إسلاميهما اثنان وعشرون سنة، فحينئذ يحفظ ابن مسعود عن النبي - عليه السلام - ما لا يحفظه وائل وأمثاله، وابن مسعود أفهم بأفعال النبي - عليه السلام - وأكثر تحقيقا لها ولهذا قال إبراهيم للمغيرة حين قال: "إن وائلا حدث أنه رأى النبي - عليه السلام - يرفع يديه إذا افتتح الصلاة وإذا ركع وإذا رفع رأسه من الركوع": "إن كان وائل رآه مرة يفعل ذلك فقد رآه عبد الله خمسين مرة لا يفعل ذلك"، والحال أن رسول الله - عليه السلام - كان يحب أن يليه المهاجرون في الصلاة ليحفظوا عنه أفعال الصلاة ويعلموها الناس، ولا شك أن عبد الله من المهاجرين القدماء وممن كان يليه - عليه السلام -، فيكون حفظه أفعال النبي - عليه السلام - وفهمه إياها أقوى من حفظ وائل وفهمه الذي كان ممن يتأخر عنهم في الصلاة وغيرها، فإذا كان كذلك يكون ما حكوا عن عبد الله أقوى مما حكوه عن وائل وأمثاله، ثم أشار إلى الاعتراض من جهة الخصم بقوله "فإن قالوا: ما ذكرتموه عن إبراهيم عن عبد الله غير متصل" بيانه: أن خبر وائل بن حجر متصل، وخبر إبراهيم عن عبد الله منقطع، فكيف يضاده ويعارضه؟ وشرط التضاد والمعارضة المساواة بين الخبرين، فالمنقطع بمعزل عن المتصل فلا يضاده ولا يعارضه، بيان الانقطاع: أن إبراهيم لم يدرك عبد الله; لأن عبد الله توفي سنة اثنتين وثلاثين من الهجرة بالمدينة وقيل بالكوفة. ومولد إبراهيم سنة خمسين كما صرح به ابن حبان، وقال الكلاباذي: سنة ثمان وثلاثين. والله أعلم.

                                                وأجاب عنه بقوله: "قيل لهم إن إبراهيم ... إلى آخره" بيانه أن إبراهيم: كان من عادته أنه إذا أرسل حديثا عن عبد الله لم يرسله إلا بعد صحته عنده من الرواة عنه، وبعد تكاثر الروايات عنه; ألا ترى أن سليمان بن مهران الأعمش لما قال له: إذا [ ص: 184 ] حدثني فأسند، قال له في جوابه: إذا قلت لك: قال عبد الله، فلم أقل لك ذلك حتى حدثني جماعة من الثقات عنه أي عن عبد الله وإذا قلت: حدثني فلان عن عبد الله يعني بتعيين الراوي عنه، فهو الذي حدثني بعينه وخصوصه فقط فأخبر أن ما أرسله عن عبد الله مخرجه أصح عنده من الذي يخبره عن فلان عنه; لأن في الأول يكون الخبر عنده ثابتا من روايات جماعة بخلاف الثاني فإنه خبر واحد، ولا شك أن خبر الجماعة أولى وأقوى من خبر الواحد .

                                                قوله: "حدثنا بذلك إبراهيم" أي حدثنا بما ذكرنا من أن إبراهيم إذا أرسل عن عبد الله ... إلى آخره.

                                                إبراهيم بن مرزوق ، عن وهب بن جرير، أو بشر بن عمر الزهراني، والشك فيه من الطحاوي لا من إبراهيم بن مرزوق، فلذلك قال: قال أبو جعفر: وأنا أشك، يعني بين وهب وبشر بن عمر، هل كان من رواية إبراهيم بن مرزوق ، عن وهب ، عن شعبة، أو عن بشر بن عمر ، عن شعبة ، عن سليمان الأعمش .

                                                وهؤلاء كلهم ثقات.

                                                فهذا الذي ذكره كان بطريق التسليم، ثم أجاب بطريق المنع بقوله: "ومع ذلك قد رويناه متصلا" بيانه أن يقال: لا نسلم أن خبر ابن مسعود منقطع بالكلية، فإنا قد رويناه متصلا من حديث عبد الرحمن بن الأسود ، عن علقمة ، عن عبد الله ، عن النبي - عليه السلام - "أنه كان يرفع يديه في أول تكبيرة ثم لا يعود"، على أنا نقول: إن حديث إبراهيم عن عبد الله وإن كان منقطعا بحسب الظاهر فهو متصل معنى [ ص: 185 ] بالطريق الذين ذكرناه، ثم أكد كون خبر ابن مسعود بأنه أولى بالعمل من خبر من يروي رفع اليدين في غير تكبيرة الإحرام بقوله: "وكذلك كان عبد الله يفعل في سائر صلاته". أي من الاقتصار في رفع اليدين على أول الصلاة; وذلك لأنه لو لم يثبت عنده أن آخر الأمر من النبي - عليه السلام - الاكتفاء برفع اليدين في أول الصلاة لما كان هو أيضا يكتفي بذلك في سائر الصلوات; إذ لو ثبت عن النبي - عليه السلام - الرفع في غير أول الصلاة لما وسع عبد الله مخالفته، وهذا ظاهر لا يخفى.

                                                وأخرج ذلك بإسناد صحيح: عن إبراهيم بن أبي داود البرلسي ، عن أحمد بن عبد الله بن يونس شيخ الشيخين، عن أبي الأحوص سلام بن سليم الكوفي ، عن حصين بن عبد الرحمن ، عن إبراهيم النخعي ... إلى آخره.

                                                وأخرجه ابن شيبة في "مصنفه" : عن أبي الأحوص ... إلى آخره نحوه.

                                                قوله: "إلا في الافتتاح" أي في افتتاح الصلاة، وأراد به: عند التكبيرة الأولى فقط.

                                                فإن قيل: كيف تقول هذا إسناد صحيح وهو منقطع; لأن إبراهيم ما أدرك عبد الله كما ذكرنا؟

                                                قلت: قد مر الجواب عن قريب، وبقي الكلام في حديث أنس وأبي مسعود الأنصاري وأبي بن كعب - رضي الله عنهم -.

                                                أما حديث أنس - رضي الله عنه - فأخرجه من طريقين صحيحين:

                                                الأول: عن علي بن معبد بن نوح الصغير البغدادي نزيل مصر شيخ النسائي أيضا، عن عبد الله بن بكر السهمي البصري ، عن حميد بن أبي حميد الطويل البصري ، عن أنس .

                                                [ ص: 186 ] وأخرجه أحمد في "مسنده" : عن ابن أبي عدي ، عن حميد ، عن أنس: "أن رسول الله - عليه السلام - كان يحب أن يليه في الصلاة المهاجرون والأنصار ليحفظوا عنه".

                                                الثاني: عن أبي بكرة بكار القاضي ، عن عبد الله بن بكر ، عن حميد ، عن أنس .

                                                وأخرجه ابن ماجه : ثنا نصر بن علي الجهضمي، ثنا عبد الوهاب، ثنا حميد ، عن أنس قال: "كان رسول الله - عليه السلام - يحب أن يليه المهاجرون والأنصار ليأخذوا عنه".

                                                قوله: "يحب أن يليه" أي يقرب منه المهاجرون والأنصار، من الولي وهو القرب، والمراد منه: في الصلاة، كما صرح به في رواية أحمد .

                                                قوله: "ليحفظوا عنه" أي عن النبي - عليه السلام - أحكام الصلاة; لأن كلما قرب الرجل من الإمام يكون أكثر مشاهدة لأحوال إمامه بخلاف من يكون بعيدا عنه فإنه لا يشاهد منه ما يشاهده من يليه.

                                                وأما حديث أبي مسعود الأنصاري -واسمه عقبة بن عمرو- فأخرجه بإسناد صحيح: عن إبراهيم بن مرزوق ، عن بشر بن عمر الزهراني ، عن شعبة بن الحجاج ، عن سليمان الأعمش ، عن عمارة بن عمير التيمي الكوفي ، عن أبي معمر عبد الله بن سخبرة الكوفي، وهؤلاء كلهم رجال الصحيح ما خلا ابن مرزوق .

                                                وأخرجه مسلم : ثنا أبو بكر بن أبي شيبة، قال: ثنا عبد الله بن إدريس وأبو معاوية ووكيع ، عن الأعمش ، عن عمارة بن عمير التيمي ، عن أبي معمر ، عن أبي مسعود قال: "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يمسح مناكبنا في الصلاة ويقول: استووا ولا تختلفوا فتختلف قلوبكم، وليلني منكم أولو الأحلام والنهى ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم. قال أبو مسعود: فأنتم اليوم أشد اختلافا".

                                                [ ص: 187 ] وأخرجه أبو داود : ثنا ابن كثير، ثنا سفيان ، عن الأعمش ، عن عمارة بن عمير ، عن أبي معمر ، عن أبي مسعود قال: قال رسول الله - عليه السلام -: "ليلني منكم أولو الأحلام والنهى، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم".

                                                وأخرجه النسائي : أنا بشر بن خالد العسكري، قال: ثنا [غندر] عن شعبة ، عن سليمان ، عن عمارة بن عمير ، عن أبي معمر ، عن أبي مسعود قال: "كان رسول الله يمسح عواتقنا ويقول ... " إلى آخر ما رواه مسلم .

                                                وأخرجه ابن ماجه : ثنا محمد بن الصباح، أنا سفيان بن عيينة ، عن الأعمش ... إلى آخره نحو رواية مسلم .

                                                قوله: "ليلني" بكسر اللامين وتخفيف النون من غير ياء قبل النون، من ولي يلي، أصله يولي حذفت الواو لوقوعها بين الياء والكسرة فصار يلي وأمر الغائب منه: ليل; لأن الياء تسقط للجزم، وأمر الحاضر لي مثل قي على وزن عي قال محي الدين النووي: ويجوز إثبات الياء مع تشديد النون على التأكيد.

                                                قلت: القاعدة: أن النون الموكدة إذا دخلت الناقص تعود الياء والواو المحذوفتان فيصير ليليني منكم.

                                                "أولو الأحلام" أي: العقلاء، وقيل: البالغون، والأحلام جمع حلم -بضم الحاء وسكون اللام- وهو ما يراه النائم، تقول: حلم -بالفتح- واحتلم وتقول حلمت بكذا وحلمته أيضا، ولكن غلب استعماله فيما يراه النائم من دلالة البلوغ، فكان المراد ها هنا: ليلني البالغون، وذكر في الفائق: "أمر معاذا أن يأخذ من كل حالم دينارا" قيل: المراد من بلغ وقت الحلم حلم أو لم يحلم.

                                                [ ص: 188 ] قوله: "والنهى" بضم النون جمع نهية -بضم النون وسكون الهاء- وهي العقل ويقال: بفتح النون أيضا لأنه ينهى صاحبه عن الرذائل، وكذلك العقل لعقله وهو مأخوذ من عقال البعير، وكذلك الحكمة من حكم البعير، وهي حديدة لجامها التي تمنعها عن العدول عن الاستقامة، وقيل: أولو النهى; لأنه ينتهى إلى رأيهم واختياراتهم لعقلهم، ويقال رجل نه ونهي، من قوم نهين. وقال أبو علي الفارسي: يجوز أن يكون النهى مصدرا كالهدى وأن يكون جمعا كالظلم، قال: والنهى معناه في اللغة الثبات والحبس، ومنه النهى والنهى -بكسر النون وفتحها- والتنهية للمكان الذي ينتهي إليه الماء فيستنقع، قال الواحدي: فيرجع القولان في اشتقاق النهية إلى قول واحد وهو الحبس، فالنهية هي التي تنهى وتحبس عن القبائح.

                                                قلت: التنهية -بفتح التاء المثناة من فوق وسكون النون وكسر الهاء وفتح الياء آخر الحروف- وقال في الصحاح: تنهية الوادي حيث ينتهي إليه الماء من حروفه والجمع: التناهي.

                                                فإن قيل: ما وجه هذا العطف؟

                                                قلت: إن فسر "أولو الأحلام" بالعقلاء يكون عطف قوله: "والنهى" على "الأحلام" للتأكيد; لأن المعنى واحد وإن اختلف اللفظ، وإن فسر "أولو الأحلام" بالبالغين يكون المعنى: ليقرب مني البالغون العقلاء.

                                                فإن قيل: ما وجه تخصيصهم بذلك؟

                                                قلت: لاستخلافه إن احتاج ولتبليغ ما سمعوه منه، وضبط ما يحدث عنه، والتنبيه على سهو إن وقع; ولأنهم أحق بالتقدم، وليقتدي بهم من بعدهم، وكذا ينبغي لسائر الأئمة الاقتداء بسيرته - عليه السلام - في كل حال من جموع الصلاة، ومجالس العلم والذكر، ومجالس الرأي ومعارك القتال.

                                                قوله: "ثم الذين يلونهم" معناه الذين يقربون منهم في هذا الوصف، وبه استدل أصحابنا في ترتيب الصفوف، فقال صاحب "الهداية": ويصف الرجال ثم الصبيان [ ص: 189 ] ثم النساء ثم ذكر الحديث، وبه استدل صاحب "الهداية" أن محاذاة المرأة الرجل وهما مشتركان في صلاة تفسد صلاة الرجل.

                                                فإن قيل: كيف تثبت الفرضية بهذا وهو خبر الآحاد؟

                                                قلنا: إنه من المشاهير فتثبت به فرضية تمييز مقام المرأة من مقام الرجل، وتجوز به الزيادة على الكتاب، وقال صاحب "الأسرار": إن لم تثبت فروض الصلاة بخبر الواحد، ففروض الجماعة تثبت; لأن أصل الجماعة ثبت بالسنة، فافهم.

                                                وأما حديث أبي بن كعب - رضي الله عنه - فأخرجه بإسناد صحيح أيضا: عن أبي بكرة بكار القاضي ، وإبراهيم بن مرزوق، كلاهما عن وهب بن جرير بن حازم ، عن شعبة ، عن أبي جمرة -بالجيم والراء المهملة- واسمه نصر بن عمران الضبعي من رجال الجماعة، عن إياس بن قتادة البصري وثقه ابن حبان ، عن قيس بن عباد -بضم العين وتخفيف الباء الموحدة- القيسي الضبعي البصري روى له الجماعة غير الترمذي ، عن أبي بن كعب الأنصاري - رضي الله عنه -.

                                                وأخرجه أحمد في "مسنده" : ثنا سليمان بن داود ووهب بن جرير، قالا: ثنا شعبة ، عن أبي جمرة، سمعت إياس بن قتادة يحدث، عن قيس بن عباد قال: "أتيت المدينة للقي أصحاب محمد - عليه السلام -، ولم يكن فيهم رجل ألقاه أحب إلي من أبي، فأقيمت الصلاة وخرج عمر مع أصحاب رسول الله - عليه السلام -، فقمت في الصف الأول، فجاء رجل فنظر في وجوه القوم فعرفهم غيري، فنحاني وقام في مكاني، فما عقلت صلاتي، فلما صلى قال: يا بني، لا يسوءك الله; فإني لم آتك الذي [أتيتك] بجهالة ولكن رسول الله - عليه السلام - قال لنا: كونوا في الصف الذي يليني، وإني نظرت في وجوه القوم فعرفتهم غيرك ... " الحديث.




                                                الخدمات العلمية