الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ذكر أولاده صلى الله عليه وسلم

روينا عن ابن سعد ، قال : أخبرنا هشام بن محمد بن السائب الكلبي ، عن أبيه ، عن أبي صالح ، عن ابن عباس ، قال : كان أول من ولد لرسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، بمكة قبل النبوة : القاسم ، وبه كان يكنى ، ثم ولدت له زينب ، ثم رقية ، ثم فاطمة ، ثم أم كلثوم ، ثم ولد له في الإسلام : عبد الله ، فسمي الطيب الطاهر ، وأمهم جميعا خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي ، فكان أول من مات من ولده القاسم ، ثم مات عبد الله بمكة، فقال العاص بن وائل السهمي : قد انقطع ولده فهو أبتر ، فأنزل الله تعالى : ( إن شانئك هو الأبتر ) وقيل : بل الطيب ، والطاهر ابنان سواه . وقيل : كان له الطاهر ، والمطهر ولدا في بطن واحد . وقيل : كان له الطيب ، والمطيب ولدا في بطن أيضا ، وقيل : إنهم كلهم ماتوا قبل النبوة .

وقال الزبير بن بكار : ولد له القاسم ، ثم زينب ، ثم أم كلثوم ، ثم فاطمة ، ثم رقية ، ثم عبد الله ، هكذا رأيته بخط شيخنا الحافظ أبي محمد الدمياطي ، رحمه الله تعالى ، قال : وفيه نظر .

وأما أبو عمر فحكى عن الزبير غير ذلك ، قال : ولد له القاسم ، وهو أكبر ولده ، ثم زينب ، ثم عبد الله ، وكان يقال له : الطيب ، ويقال له : الطاهر ، ولد بعد النبوة ، ثم أم كلثوم ، ثم فاطمة ، ثم رقية ، هكذا الأول فالأول ، ثم مات القاسم بمكة، وهو أول ميت مات من ولده ، ثم عبد الله مات أيضا بمكة .

وقال ابن إسحاق : ولدت له خديجة : زينب ، ورقية ، وأم كلثوم ، وفاطمة ، والقاسم - وبه كان يكنى - والطاهر ، والطيب ، فهلكوا في الجاهلية . وأما بناته فكلهن أدركن الإسلام وأسلمن وهاجرن معه . [ ص: 379 ]

قال أبو عمر : وقال علي بن عبد العزيز الجرجاني : أولاد رسول الله ، صلى الله عليه وسلم : القاسم ، وهو أكبر ولده ، ثم زينب .

وقال ابن الكلبي : زينب ، ثم القاسم ، ثم أم كلثوم ، ثم فاطمة ، ثم رقية ، ثم عبد الله ، وكان يقال له : الطيب ، والطاهر . قال : وهذا هو الصحيح ، وغيره تخليط .

وكانت سلمى مولاة صفية بنت عبد المطلب تقبل خديجة في ولادها ، وكانت تعق عن كل غلام بشاتين ، وعن الجارية بشاة . وكان بين كل ولدين لها سنة ، وكانت تسترضع لهم ، وتعد ذلك قبل ولادها .

فأما زينب فتزوجها ابن خالتها أبو العاص بن الربيع بن عبد العزى بن عبد شمس بن عبد مناف ، أمه هالة بنت خويلد ، فولدت له عليا - أردفه النبي ، صلى الله عليه وسلم ، وراءه يوم الفتح ، ومات مراهقا - وأمامة تزوجها علي بعد خالتها فاطمة ، زوجها منه الزبير بن العوام ، وكان أبوها أبو العاص أوصى بها إلى الزبير ، فلما قتل علي ، رضي الله عنه ، وآمت أمامة منه ، قالت أم الهيثم النخعية :


أشاب ذؤابتي وأذل ركني أمامة حين فارقت القرينا     تطيف به لحاجتها إليه
فلما استيأست رفعت رنينا

ثم تزوجها بعد علي ، المغيرة بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب ، فولدت له يحيى بن المغيرة ، وهلكت عنده . وقد قيل إنها لم تلد لعلي ولا للمغيرة . ولدت زينب سنة ثلاثين من مولد رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، وماتت سنة ثمان من الهجرة ، وكان رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، يحبها ، وكان زوجها أبو العاص محبا فيها ، وهو القائل في بعض أسفاره إلى الشام :


ذكرت زينب لما وركت أزما     فقلت سقيا لشخص يسكن الحرما
[ ص: 380 ] بنت الأمين جزاها الله صالحة     وكل بعل سيثني بالذي علما

وأما رقية فتزوجها عثمان بن عفان ، فولدت له عبد الله ، مات بعدها ، وقد بلغ ست سنين . وتوفيت رقية يوم قدوم زيد بن حارثة بشيرا بقتلى بدر ، وقيل : كان مولدها سنة ثلاث وثلاثين من مولد النبي صلى الله عليه وسلم .

وأما أم كلثوم فتزوجها عثمان بعد موت رقية ، وماتت سنة تسع من الهجرة ولم تلد له .

وأما فاطمة فتزوجها علي وبنى بها مرجعهم من بدر ، فولدت له حسنا ، وحسينا ، ومحسنا : مات صغيرا ، وأم كلثوم وزينب ، وماتت فاطمة بعد أبيها بثلاثة أشهر ، وقيل : بستة ، وقيل : بثمانية ، وكذلك اختلف في مولدها . قال المدائني : قبل النبوة بخمس سنين .

وقال ابن السراج : سمعت عبيد الله بن محمد بن سليمان بن جعفر الهاشمي ، يقول : ولدت سنة إحدى وأربعين من مولد النبي صلى الله عليه وسلم .

قال أبو عمر : وذكر الزبير أن عبد الله بن حسن بن حسن دخل على هشام بن عبد الملك وعنده الكلبي ، فقال هشام ، لعبد الله بن حسن : يا أبا محمد ، كم بلغت فاطمة من السن ؟ فقال : ثلاثين سنة ، فقال هشام ، للكلبي : كم بلغت من السن ؟ قال خمسا وثلاثين سنة ، فقال هشام ، لعبد الله بن حسن : اسمع الكلبي يقول ما تسمع ، وقد عني بهذا الشأن . فقال عبد الله بن حسن : يا أمير المؤمنين ، سلني عن أمي ، وسل الكلبي عن أمه . وكان علي ، رضي الله عنه ، قد خطب عليها ابنة أبي جهل ، فأنكر ذلك رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، وقال : "والله لا تجتمع بنت رسول الله وبنت عدو الله عند رجل واحد أبدا" . قال : فترك علي الخطبة .

التالي السابق


الخدمات العلمية