الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
قال : أمة بين مسلمين أو بين مسلم وذمي كاتب أحدهما نصيبه ، ثم جاءت بولدها فادعاه الآخر ثبت نسبه منه ; لأنه مالك لنصيبه منها بعد كتابة الشريك ، وقد عرف الجواب في الكتابة من أحد الشريكين أنها تتجزأ عند أبي حنيفة رحمه الله سواء كان بإذن الشريك وبغير إذنه ، ولا تتجزأ عندهما سواء كان بإذن الشريك أو بغير إذنه إلا أنه إذا كان بغير إذنه فله حق النقض ; لأنه يتضرر به في الثاني ، وهو عند الأداء ، وعقد الكتابة محتمل للفسخ فإذا تصرف أحد الشريكين تصرفا يحتمل النقض وفيه ضرر على شريكه كان له أن ينقضه لدفع الضرر عن نفسه ، وإن لم ينقضه حتى اتصل بها الأداء [ ص: 125 ] عتقت لوجود شرط العتق ، ولا يتمكن الشريك من الفسخ بعد ذلك ; لأن العتق لا يحتمل الفسخ بعد الوقوع إذا عرفنا هذا فنقول : نصيب المدعي منها يصير أم ولد له فأما نصيب المكاتب لا يصير أم ولد له في قول أبي حنيفة رحمه الله ما بقيت الكتابة وعندهما الكل صار أم ولد المستولد ، وأصل في مكاتبته بين شريكين استولدها أحدهما عند أبي حنيفة رحمه الله يقتصر الاستيلاد على نصيبه ; لأن المكاتبة لا تحتمل النقل من ملك إلى ملك ، وإثبات أمية الولد في نصيب الشريك غير ممكن إلا بالنقل إليه فإذا تعذر ذلك لا تثبت أمية الولد في نصيب الشريك كالمدبرة بين اثنين استولدها أحدهما يقتصر الاستيلاد على نصيبه وعند أبي يوسف ومحمد رحمهما الله يصير الكل أم ولد للمستولد ; لأن التملك بالاستيلاد حكمي ، والمكاتب محلا له .

( ألا ترى ) أن مكاتب المكاتب ينقل إلى المولى عند الأداء حتى يكون ولاؤه للمولى إذا أدى قبل أداء المكاتب الأعلى ، وكذلك المرتد إذا عاد من دار الحرب مسلما ، وقد كاتب الوارث عبدا له يعاد ذلك العبد إليه مكاتبا ; ولأن الكتابة محتملة للفسخ فيفسخ في نصيب الشريك لضرورة الحاجة إلى تحليل الاستيلاد ; لأن إبقاءها لحقها وفي هذا توفير الحق عليها بخلاف التدبير فإنه غير محتمل للفسخ فلهذا صار الكل أم ولد للمستولد عندهما إذا عرفنا هذا فنقول فيما نحن فيه إذا كاتب الكتابة بإذن المستولد فإن شاءت عجزت نفسها فكانت أم ولد لمدعي الولد ; لأن بالعجز انفسخت الكتابة فزال المانع من تملك المستولد نصيب شريكه ، وإن شاءت مضت على الكتابة فإذا أدت عتق نصيب الذي كاتب منها ومن ولدها ; لأنه يلقيها جهة حرية أحدهما عاجل بعوض والآخر آجل بغير عوض فكان لها أن تختار أي الجهتين شاءت فإذا عتقت عتق نصيب المستولد أيضا من الجارية والولد ، ولا يسعى له في شيء ; لأن نصيبه منها أم ولد له ، ومن أصل أبي حنيفة رحمه الله أن رق أم الولد لا يتقوم ، وإنها لا تسعى لمولاها عند العتق في شيء كما قال في أم ولد بين شريكين أعتقها أحدهما فإن كانت الكتابة بغير إذنه ينقضها القاضي لما بينا أنها غير لازم في حق الشريك فإذا نقضها صارت أم ولد للمستولد .

لأنه يملك نصيب شريكه منها بسبب الاستيلاد عند زوال المانع ، وإن لم ينقضها حتى أدت عتق نصيب المكاتب منها ومن ولدها لوجود الشرط وهو الأداء ويعتق نصيب المستولد منها أيضا ، ولا يسعى له في شيء لما بينا في الفصل الأول ، وإقدام الشريك الآخر على الاستيلاد لا يكون نقضا منه لكتابة شريكه ، وإن كان له حق النقض ; لأنه لا منافاة بينهما فكل واحد [ ص: 126 ] منهما تصرف من المتصرف في نصيب نفسه فلا يكون تعرضا منه لنصيب شريكه

التالي السابق


الخدمات العلمية