الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
قال فإن كانت الدعوى في جلد شاة ، وأقام كل واحد منهما البينة أنه جلده سلخه في ملكه قضي به لذي اليد ; لأن سلخ الجلد لا يتكرر فكان في معنى النتاج ، ولو لم يقم البينة على ذلك لهما ، ولكن المدعي أقام البينة أنه جلد شاته ، ولم يشهدوا له به لم يقض له بالملك .

وكذلك لو شهدوا على صوف أنه صوف شاته أو على لحم أنه لحم شاته قال عيسى رحمه الله هذا غلط ، وأرى جواب محمد رحمه الله في هذه الفصول لا يستمر على أصل واحد ، وقد قال قبل هذا إذا قالوا هذه الحنطة من زرع هذا أو هذا الزبيب من كرمه أو هذا التمر من نخله قضي له به ، وأي فرق بين تلك المسائل ، وبين هذه المسائل بل الجلد والصوف واللحم في كونه مملوكا بملك الأصل أبلغ من ملك الزرع والتمر والزبيب بملك الأصل ، فإن ( قيل ) : إن هنا قد ينفصل ملك الصوف عن ملك الأصل بالوصية فكذلك في تلك المسائل ، ولكن ما ذكره محمد رحمه الله صحيح ; لأنهم ما جعلوا المدعى هنا في شهادتهم من ملكه إنما نسبوه إلى شاة ، ثم نسبوا إليه الشاة بالملكية فلم يكن شهادة بالملك في المدعى نصا فأما هناك شهدوا أن المدعاة من ملكه وذلك شهادة بالملك له في المدعى نصا .

قال : ولو كانت شاة مسلوخة في يد رجل وجلدها ورأسها وسقطها في يد آخر فأقام ذو اليد في الشاة البينة أن الشاة والجلد والرأس [ ص: 77 ] والسقط له ، وأقام الذي في يديه السقط البينة على مثل ذلك فإنه يقضى لكل واحد منهما بما في يدي صاحبه ; لأن كل واحد منهما أثبت فيما في يد صاحبه ملكا مطلقا بالبينة ، وبينة الخارج في دعوى الملك المطلق تترجح .

ولو أقام كل واحد منهما البينة أن الشاة شاته تنجب عنده في ملكه فذبحها وسلخها ، وأن له جلدها ، ورأسها وسقطها يقضى بالكل للذي الشاة في يده ; لأنه أثبت ببينته النتاج في الشاة فاستحق القضاء بأولية الملك له فيها ، وجلدها ورأسها وسقطها ببيعها فلهذا قضينا بالملك لذي اليد .

قال : ولو كانت شاة في يدي رجل وشاة أخرى في يد آخر فأقام كل واحد منهما البينة على شاة صاحبه الذي في يديه أنها شاته ولدت في ملكه من هذه الشاة القائمة في يده فإنه يقضى لكل واحد منهما بشاة صاحبه التي في يديه وتأويل هذه المسألة فيما إذا كان سن الشاتين مشكلا فأما إذا كان معلوما ، وأحدهما تصلح أما للأخرى والأخرى لا تصلح أما لها ، وكانت علامة الصدق ظاهرة في شهود أحدهما وعلامة الكذب ظاهرة في شهادة شهود الآخر يقضي بها بما ظهر فيه علامة الصدق فأما عند الإشكال لا تظهر علامة الصدق ، ولا الكذب في شهادة أحدهما وكل واحد منهما فيما في يده أقام البينة على الملك المطلق ، وصاحبه أقام البينة على النتاج ، وبينة الخارج على النتاج أولى من بينة ذي اليد في الملك المطلق فلهذا قضينا لكل واحد منها بما في يد صاحبه .

وعن أبي يوسف رحمه الله أنه يبطل البينتان جميعا لتيقننا بكذب أحدهما فإن كل واحد منهما لا يتصور أن تكون والدة لصاحبتها ومولودة منهما ، ولو أقام البينة أن الشاة التي في يده شاته ولدت في ملكه ، وأن شاة صاحبه ، ولدتها شاته هذه في ملكه ، وأقام الآخر البينة على مثل ذلك يقضي لكل واحد منهما بما في يديه ; لأن كل واحد منهما فيما في يده أقام البينة على النتاج ، وبينة ذي اليد على النتاج مقدمة على بينة الخارج ، ولو أقام أحدهما البينة أن الشاة التي في يده شاته ولدت في ملكه ، وأن شاة صاحبه له ، ولدتها شاته في ملكه ، وأقام الآخر البينة على مثل ذلك فهذا ، والأول سواء يقضى لكل واحد منهما بما في يده لإثباته النتاج فيها

التالي السابق


الخدمات العلمية