الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
وإذا أقر بغصب شيء من الأشياء كائنا ما كان من قريب أو بعيد صغير أو كبير مسلم أو كافر أو مرتد أو مستأمن أو حر أو عبد محجور عليه أو تاجر فهو ضامن له في جميع ذلك إن كان فائتا وإن كان قائما رده إلى الذي أخذه منه صغيرا كان المغتصب منه أو كبيرا ; لأن رد المغصوب يفسخ من الغاصب لفعله فيه وحقيقة انفساخ فعله برده على من أخذه منه فكانت جنايته بإزالة يد محترمة للغير في هذه العين وإثبات اليد في نفسه فإذا أعاده إلى من أخذه منه فقد صار به معيدا لما أخذ .

( ألا ترى ) أن من أخذ منه خصم له في الاسترداد فيبرأ بالرد عليه على أي صفة كانت وهو نظير من انتزع خاتما من أصبع نائم ثم أعاده إلى أصبعه قبل أن ينتبه برئ منه ; لأنه أعاده كما كان بخلاف ما إذا انتبه ثم نام ثانيا ; لأنه لما انتبه وجب عليه رده على المنتبه فلا يبرأ بعد ذلك بإعادته إلى أصبع النائم .

كما لو غصبه وهو منتبه ثم جعله في أصبعه في حال نومه قال : خلا الولد الصغير مع أبيه الغني فلأن الأب فيما يأخذ من مال ولده الصغير لا يكون غاصبا ولكنه إن كان محتاجا إليه ; فله أن يأخذه ليصرفه إلى حاجته وإن لم يكن محتاجا فله أن يأخذه لحفظه له فلا يلزمه رده على الصبي حتى يبلغ ولا يكون جانبا في حقه إلا أن يستهلكه من غير حاجة فحينئذ يكون ضامنا له وكذلك وصي الصغير فيما يأخذ من ماله لا يكون غاصبا ; لأن ولاية الأخذ لحفظه ثابتة وإن غصب المولى من مكاتبه أو عبده المأذون المديون فهو يرده أو الضمان عند هلاكه ; لأنه ممنوع من أخذه أما كسب المكاتب صار أحق به وصار المكاتب كالحر يدا في مكاسبه فإذا أبق به عليه صار ضامنا وأما العبد المديون ; لأن كسبه حق غرمائه والمولى ممنوع من أخذه ما لم يسقط الدين فكان ضامنا وإن لم يكن على العبد دين فكسبه خالص حق المولى فلا يكون هو في أخذه منه غاصبا وكذلك يغصب من مولاه [ ص: 191 ] لأنه لا حق له في مال المولى وله ذمة معتبرة في إيجاب الدين لمولاه فيكون ضامنا غصبه منه والعبد فيما يغصب من مولاه مأمور بالرد عليه ولكنه غير ضامن ; لأن للعبد ذمة معتبرة في إيجاب الدين فيها للمولى فإن الدين لا يجب على العبد إلا شاغلا مالية رقبته ومالية حق مولاه .

التالي السابق


الخدمات العلمية