الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
رجل مات وترك عبدين وأمة ومالا فشهد شاهدان أن هذا الرجل أخوه لأبيه وأمه ووارثه لا وارث له غيره فقضى بالمال له والعبدين والأمة ثم شهد شاهدان بعد ذلك أن أحد العبدين بعينه ابن الميت فأجاز القاضي شهادتهما وأعطاه الميراث كله ثم شهد آخران أن العبد الثاني ابن الميت فقضى به أيضا ثم شهد آخران أن الميت أعتق هذه الأمة وتزوجها في حياته وصحته فقضى بذلك وجعلها وارثة معهم ثم رجع اللذان شهدا للعبد الأول ضمنا قيمته بين الابن الآخر والمرأة أثمانا ; لأنه لولا شهادتهما لكانت رقبة المشهود له بين الآخر والمرأة على ثمانية فإنما تلف ذلك عليهما بشهادتهما فقد أقرا بالرجوع أنهما أتلفا ذلك بغير عوض وكذلك لو لم يرجع ورجع شهود الابن الثاني ضمنا قيمته بين الابن الأول والمرأة أثمانا لما قلنا ويضمنان ميراثه لأخته دون المرأة ; لأن جميع الميراث كان مستحقا له بقضاء القاضي قبل شهادتهما فإنما أتلفا عليه ذلك بشهادتهما وما أتلفا من الميراث على المرأة بشهادتهما ; لأن استحقاقها عند الشهادة لم يكن ثابتا وإنما ثبت بالبينة على نكاحها بعد ذلك ولهذا في الفصل الأول لا يضمن الشهود شيئا مما يورث الابن الأول ; لأنهما لم يثبتا استحقاق ذلك على الابن الثاني والمرأة بشهادتهما فالاستحقاق لم يكن ظاهرا عند شهادتهما وإنما ثبت بثبوت سببه بعد ذلك ولا يضمنان للأخ أيضا ; لأن ما استحق بشهادتهما على الأخ مستحق عليه بشهادة غيرهما ففي حق الأخ بقيت الشهادة حجة تامة في حق استحقاق الميراث عليه ولو لم يرجع هذان ورجع شاهدا المرأة ضمنا قيمتها وميراثها بين الابنين ; لأنهما أتلفا بشهادتهما ملك الابنين في رقبتهما وأثبت استحقاقها الميراث عليهما بشهادتهما بالنكاح وقد [ ص: 27 ] أقرا بالرجوع أنهما شهدا بذلك كله بغير حق وإن كان الشاهدان للمرأة هما الشاهدان على نسب الابن الأول والابن الآخر ثم رجعوا عن الشهادة كلها كان الضمان عليهم كذلك ; لأن المشهود به مختلف فلا فرق بين اتحاد المشهود واختلافهم في ذلك وسواء رجعوا معا أو متفرقين ; لأن أصل الشهادة كان مختلفا بعضها قبل بعض والضمان عليهم عند الرجوع باعتبار الشهادة السابقة .

ولو شهد شاهدان على ذلك كله معا وبعضهم لا يصدق بعضا ثم رجعا ضمنا ثمن المرأة وقيمتها بين الاثنين ; لأنهما أتلفا على الاثنين فلولا شهادتهما بذلك لكان ذلك مستحقا للاثنين بقضاء القاضي بينهما ويضمنان من قيمة كل ابن لصاحبه سبعة أسهم من ثمانية أسهم وللمرأة الثمن كما لو شهد بكل شيء شاهدان آخران وكذلك لو رجعا عن الشهادة واحد بعد واحد كان الحكم كما بينا والله أعلم

التالي السابق


الخدمات العلمية