الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
قال : ولو كانت أم ولد المسلم مجوسية أو مرتدة لم يلزمه ولدها إلا أن يدعيه أو جاءت به لأقل من ستة أشهر بعد الردة .

وقال زفر رحمه الله يثبت نسب الولد منه ما لم ينفه ; لأن [ ص: 164 ] سبب الفراش قيام الملك ، وهو باق بعد الردة ، وإن حرم عليه غشيانها بالردة وثبوت النسب لا يعتمد حل الغشيان كما في المنكوحة نكاحا فاسدا ، وهذا بخلاف ما زوجها ; لأن فراشها قد انقطع باعتراض فراش الزوج .

( ألا ترى ) أنه لو ادعاه لم يثبت النسب منه بخلاف ما نحن فيه ، ولنا أن تحسين الظن بالمولى واجب وفي إثبات النسب منه حكم بإقدامه على وطء حرام ، وذلك لا يجوز بدون الحجة فإن ادعاه فقد صار مقرا بذلك فيثبت النسب منه حينئذ ، وإلا فلا ، وكذلك إن جاءت به لأقل من ستة أشهر منذ ارتدت ; لأنا تيقنا أن العلوق سابق على ردتها فلا يكون فيه حمل أمر المولى على الفساد .

قال : وإذا أقر بصبي في يده أنه ابنه من أمته هذه ولد على فراشه ، ثم مات الرجل فادعى أولاده أن أبوهم قد كان زوج هذه الأمة عنده قبل أن تلد بثلاث سنين ، وأنها ولدت هذا الغلام على فراش العبد ، والعبد والغلام والأمة ينكرون ذلك ; لم تقبل بينتهم على ذلك والغلام ابن الميت ; لأن نسبه ثبت من المولى بإقرار المولى به ، وهذه البينة من الورثة تقوم على النفي فلا تكون مقبولة ، وبيان ذلك أنهم لا يثبتون بهذه الشهادة لأنفسهم حقا إنما يثبتون النسب للعبد وهو جاحد مكذب للشهود ، وقصد الورثة من هذا نفي النسب عن الميت حتى لا يزاحمهم في ميراثهم والشهادة على النفي لا تقبل ، ثم الورثة خلفاء الميت ، وهو لو أقام هذه البينة بنفسه لم يقبل منه فكذلك ممن يخلفه قال : ولو ادعى العبد ذلك ، وأقام البينة ثبت نسبه منه ; لأنه يثبت حق نفسه بهذه البينة من الفراش عليها ، ونسب ولدها فوجب قبول بينته للإثبات ، ثم من ضرورته انتفاء النسب عن المولى ; لأن الثابت بالبينة كالثابت بالمعاينة ، ويعتق بإقرار المولى لإقراره بحريته حين ادعى نسبه فإن كان الإقرار منه في المرض فالمعتق من الثلث في حق الغلام والأمة جميعا ; لأن نسب الولد لما لم يثبت لم يكن لها شاهد على ما أقر به المولى من حق الحرية لها فكان معتبرا من الثلث كما يعتبر عتق الغلام من الثلث ، وجعل ذلك كإنشاء العتق منه فيهما ، ولو كان العبد غائبا توقف حكم هذه البينة حتى يحضر العبد فيدعي ، وينكر ; لأن حكم البينة يختلف بدعوى العبد ، وإنكاره فلا بد من أن يجعل وقوفا على حضوره .

ولو ادعت الأم النكاح أو ادعاه الغلام قبلت بينة التزويج ; لأنها تقوم للإثبات فإن النسب من حق الغلام فإذ البينة بالبينة من العبد كان مثبتا حق نفسه والأم تثبت النكاح بينهما وبين العبد وذلك حقها .

التالي السابق


الخدمات العلمية