الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          ( شق ) الشين والقاف أصل واحد صحيح يدل على انصداع في الشيء ، ثم يحمل عليه ويشتق منه على معنى الاستعارة . تقول شققت الشيء أشقه شقا ، إذا صدعته . وبيده شقوق ، وبالدابة شقاق . والأصل واحد . والشقة : شظية تشظى من لوح أو خشبة .

                                                          [ ص: 171 ] ومن الباب : الشقاق ، وهو الخلاف ، وذلك إذا انصدعت الجماعة وتفرقت يقال : شقوا عصا المسلمين ، وقد انشقت عصا القوم بعد التئامها ، إذا تفرق أمرهم . ويقال لنصف الشيء الشق . ويقال أصاب فلانا شق ومشقة ، وذلك الأمر الشديد كأنه من شدته يشق الإنسان شقا . قال الله جل ثناؤه وتحمل أثقالكم إلى بلد لم تكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس . والشق أيضا : الناحية من الجبل . وفي الحديث : وجدني في أهل غنيمة بشق . والشق : الشقيق ، يقال هذا أخي وشقيقي وشق نفسي . والمعنى أنه مشبه بخشبة جعلت شقين . ويقولون في الغضبان : احتد فطارت منه شقة ، كأنه انشق من شدة الغضب . وكل هذه أمثال .

                                                          والشقة : مسير بعيد إلى أرض نطية . تقول : هذه شقة شاقة . قال الله سبحانه : ولكن بعدت عليهم الشقة . والشقة من الثياب ، معروفة . ويقال اشتق في الكلام في الخصومات يمينا وشمالا مع ترك القصد ، كأنه يكون مرة في هذا الشق ، ومرة في هذا . وفرس أشق ، إذا مال في أحد شقيه عند عدوه . والقياس في ذلك كله واحد .

                                                          والشقيقة : فرجة بين الرمال تنبت . قال أبوخيرة : الشقيقة : لين من غلظ الأرض ، يطول ما طال الحبل . وقال الأصمعي : هي أرض غليظة بين حبلين من الرمل . وقال أبو هشام الأعرابي : هي ما بين الأميلين . والأميل والحبل سواء . وقال لبيد :

                                                          [ ص: 172 ]

                                                          خنساء ضيعت الفرير فلم يرم عرض الشقائق طوفها وبغامها



                                                          وقال الأصمعي : قطع غلاظ بين كل حبلي رمل . وفي رواية النضر : الشقيقة الأرض بين الجبلين على طوارهما ، تنقاد ما انقاد الأرض ، صلبة يستنقع الماء فيها ، سعتها الغلوة والغلوتان . قلنا : ولولا تطويل أهل اللغة في ذكر هذه الشقائق ، وسلوكنا طريقهم في ذلك ، لكان الشغل بغيره مما هو أنفع منه أولى ، وأي منفعة في علم ما هي حتى تكون المنفعة في علم اختلاف الناس فيها . وكثير مما ذكرناه في كتابنا هذا جار هذا المجرى ، ولا سيما فيما زاد على الثلاثي ، ولكنه نهج القوم وطريقتهم .

                                                          ومن الباب الشقشقة : لهاة البعير ، وهي تسمى بذلك لأنها كأنها منشقة . ولذا قالوا للخطيب هو شقشقة ، فإنما يشبهونه بالفحل . قال الأعشى :


                                                          فاقن فإني طبن عالم     أقطع من شقشقة الهادر



                                                          وفي الحديث : إن كثيرا من الخطب شقاشق الشيطان .

                                                          ومما شذ عن هذا الباب : الشقيق ، قالوا : هو الفحل إذا استحكم وقوي . قال الشاعر :


                                                          أبوك شقيق ذو صياص مذرب



                                                          [ ص: 173 ]

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية