الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  370 ( ولم ير الحسن بأسا أن يصلى على الجمد والقناطر وإن جرى تحتها بول أو فوقها أو أمامها إذا كان بينهما سترة ) .

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقة هذا الأثر للترجمة تأتي في القناطر ، والمراد من الحسن هو البصري . قوله : "على الجمد" بفتح الجيم ، وسكون الميم ، وفي آخره دال مهملة . قال السفاقسي : الجمد بفتح الجيم ، وضمها مكان صلب مرتفع ، وزعم ابن قرقول أن في كتاب الأصيلي وأبي ذر بفتح الميم قال : والصواب سكونها ، وهو الماء الجليد من شدة البرد ، وفي المحكم : الجمد : الثلج ، وفي المثنى لابن عديس : الجمد بالفتح والإسكان الثلج . قال أبو عبد الله موسى بن جعفر : الجمد محرك الميم الثلج الذي يسقط من السماء ، وقال غيره : الجمد والجمد بالفتح والضم ، والجمد بضمتين ما ارتفع من الأرض ، وفي ديوان الأدب للفارابي : الجمد ما جمد من الماء ، وهو نقيض الذوب ، وهو مصدر في الأصل ، وفي الصحاح : الجمد بالتحريك جمع جامد مثل خادم وخدم ، والجمد والجمد مثل عسر وعسر مكان صلب مرتفع ، والجمع أجماد ، وجماد مثل رمح وأرماح ورماح . قوله : "والقناطر" جمع قنطرة . قال ابن سيده : هي ما ارتفع من البنيان ، وقال القزاز : القنطرة معروفة عند العرب . قال الجوهري : هي الجسر . ( قلت ) القنطرة ما تبنى بالحجارة ، والجسر يعمل من الخشب أو التراب .

                                                                                                                                                                                  قوله : "وإن جرى تحتها بول" يتعلق بالقناطر فقط ظاهرا . قاله الكرماني . ( قلت ) يجوز أن يتعلق بالجمد ؛ لأن الجمد في الأصل ماء فبشدة البرد يجمد ، وربما يكون ماء النهر يجمد فيصير كالحجر حتى يمشي عليه الناس ، فلو صلى شخص عليه وكان تحته بول أو نحوه لا يضر صلاته ، ( فإن قلت ) : على هذا كيف يرجع الضمير في تحتها إلى الجمد وهو غير مؤنث ؟ ( قلت ) قد مر أن الجوهري قال : إن الجمد جمع جامد ، فإذا كان جمعا يجوز إعادة الضمير المؤنث إليه ، وكذلك الضمير في فوقها وأمامها يجوز أن يرجع إلى القناطر بحسب الظاهر ، وإلى الجمد بالاعتبار المذكور ، والمراد من أمامها قدامها ، وقال بعضهم : الجمد الماء إذا جمد ، وهو مناسب لأثر ابن عمر الآتي أنه صلى على الثلج ( قلت ) إن لم يقيد الثلج بكونه متجمدا متلبدا لا تجوز الصلاة عليه فلا يكون مناسبا له ، وفي المحتبى : سجد على الثلج أو الحشيش الكثير أو القطن المحلوج يجوز إن اعتمد حتى استقرت جبهته ، ووجد حجم الأرض ، وإلا فلا ، وفي فتاوى أبي حفص : لا بأس أن يصلي على الجمد ، والبر ، والشعير ، والتين ، والذرة ، ولا يجوز على الأرز ؛ لأنه لا يستمسك ، ولا يجوز على الثلج المتجافي ، والحشيش ، وما أشبهه حتى يلبده فيجمد حجمه .

                                                                                                                                                                                  قوله : "إذا كان بينهما سترة" قال الكرماني أي : بين القناطر والبول ، أو بين المصلي والبول ، وهذا التقييد مختص بلفظ بأمامها دون أخويها ( قلت ) المصلي غير مذكور إلا أن يقال : إن قوله أن يصلي يدل على المصلي ، والمراد من السترة أن يكون المانع بينه وبين النجاسة إذا كانت قدامه ، ولم يعين حد ذلك ، والظاهر أن المراد منه أن لا يلاقي النجاسة سواء كانت قريبة منه أو بعيدة ، وقال ابن حبيب من المالكية : إن تعمد الصلاة إلى نجاسة ، وهي أمامه أعاد إلا أن تكون بعيدة [ ص: 102 ] جدا ، وفي المدونة : من صلى وأمامه جدار أو مرحاض أجزأه .



                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية