الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  360 33 - حدثنا قتيبة بن سعيد قال : حدثنا ليث عن ابن شهاب ، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة ، عن أبي سعيد الخدري أنه قال : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن اشتمال الصماء ، وأن يحتبي الرجل في ثوب واحد ليس على فرجه منه شيء .

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة في قوله : ليس على فرجه منه شيء ، فإن النهي فيه أن يكون الفرج مكشوفا ، فهو يدل على أن ستر العورة واجب ، والباب في ستر العورة .

                                                                                                                                                                                  ( ذكر رجاله ) وهم خمسة قد ذكروا غير مرة ، وابن شهاب هو محمد بن مسلم الزهري ، وأبو سعيد اسمه سعد بن مالك .

                                                                                                                                                                                  ( ذكر لطائف إسناده ) : فيه التحديث بصيغة الجمع في موضعين ، وفيه العنعنة في ثلاثة مواضع ، وفيه قول الصحابي عن نهي النبي صلى الله عليه وسلم ، وفيه أن رواته ما بين بلخي وبصري ومدني .

                                                                                                                                                                                  ( ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره )

                                                                                                                                                                                  أخرجه البخاري أيضا في اللباس عن محمد عن مخلد عن ابن جريج عن الزهري عنه ، وأخرجه في البيوع عن سعد بن عفير عن الليث ، وفي اللباس أيضا عن يحيى بن بكير عن الليث ، وأخرجه أيضا في البيوع عن عباس عن عبد الأعلى عن معمر ، وفي الاستئذان عن علي بن عبد الله عن سفيان ، وأخرجه مسلم في البيوع عن سعيد بن عفير عن الليث ، وفي اللباس عن يحيى بن بكير عن الليث ، وعن عمرو الناقد عن يعقوب بن إبراهيم ، وأخرجه أبو داود في البيوع عن أحمد بن صالح ، وعن قتيبة ، وأبي الطاهر بن السرح كلاهما عن سفيان به ، وأخرجه النسائي في البيوع عن يونس بن عبد الأعلى ، وعن أبي داود الحراني ، وعن إبراهيم بن يعقوب ، وأخرجه في الزينة أيضا عن قتيبة به ، وأخرجه في البيوع أيضا عن محمد بن رافع عن عبد الرزاق به ، وعن الحسين بن حريث عن سفيان بالنهي عن البيعتين فيه ، وبالنهي عن اللبستين في الزينة ، وأخرجه ابن ماجه في التجارات عن أبي بكر بن أبي شيبة ، وسهل بن أبي سهل الرازي ، كلاهما عن سفيان .

                                                                                                                                                                                  ( ذكر معناه ) : قوله "عن اشتمال الصماء" بالصاد المهملة والمد ، واختلف في تفسيره ، ففي الصحاح : هو أن يجلل جسده كله بالإزار أو بالكساء ، فيرده من قبل يمينه على يده اليسرى وعاتقه الأيسر ، ثم يرده ثانيا من خلفه على يده اليمنى وعاتقه الأيمن ، فيغطيهما جميعا ، وفي النهاية لابن الأثير : هو التجلل بالثوب وإرساله من غير أن يرفع جانبه ، وفي كتاب اللباس : هو أن يجعل ثوبه على أحد عاتقيه ، فيبدو أحد شقيه ليس عليه ثوب ، وعن الأصمعي : هو أن يشتمل بالثوب حتى يجلل به جسده لا يرفع منه جانبا فلا يبقى ما يخرج منه يده ، وعن أبي عبيد : إن الفقهاء يقولون : هو أن يشتمل بثوب واحد ليس عليه غيره ، ثم يرفعه من أحد جانبيه فيضعه على أحد منكبيه فيبدو منه فرجه ، وقال الكرماني : فإذا قلت : اشتمل فلان الصماء كأنك قلت : اشتمل الشملة التي تعرف بهذا الاسم لأن الصماء ضرب من الاشتمال . انتهى .

                                                                                                                                                                                  ( قلت ) تحقيق هذه الكلمة أن الاشتمال مضاف إلى الصماء ، والصماء في الأصل صفة ؛ يقال : صخرة صماء إذا لم يكن فيها خرق ، ولا منفذ ، ومعنى النهي عن اشتمال الصماء نهي عن اشتمال الثوب كاشتمال الصخرة الصماء ، واشتمالها كون عدم الخرق ، والمنافذ فيها ، وتشبيه الاشتمال المنهي بها كونه يسد المنافذ كلها ، والذي ذكره الكرماني ليس تفسير ما في لفظ الحديث على ما لا يخفى .

                                                                                                                                                                                  قوله : [ ص: 76 ] "وأن يحتبي الرجل" أي : ونهي أيضا عن أن يحتبي الرجل ، وكلمة إن مصدرية ، والتقدير : وعن احتباء الرجل في ثوب واحد ، والاحتباء أن يقعد الإنسان على أليتيه ، وينصب ساقيه ، ويحتبي عليهما بثوب أو نحوه أو بيده ، واسم هذه القعدة تسمى الحبوة بضم الحاء وكسرها ، وكان هذا الاحتباء عادة العرب في أنديتهم ومجالسهم ، وإن انكشف معه شيء من عورته فهو حرام ، وقال الخطابي : الاحتباء هو أن يحتبي الرجل بالثوب ، ورجلاه متجافيتان عن بطنه فيبقى هناك إذا لم يكن الثوب واسعا قد أسبل شيئا منه على فرجه فرجة تبدو منها عورته ، قال : وهو منهي عنه إذا كان كاشفا عن فرجه ، وقال في موضع آخر : الاحتباء أن يجمع ظهره ، ورجليه بثوب .

                                                                                                                                                                                  ( ذكر ما يستنبط منه ) وهو حكمان : الأول : اشتمال الصماء ، وقد نهى عنه رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قالوا : على تفسير أهل اللغة اشتمال الصماء إنما يكره لئلا تعرض له حاجة من دفع بعض الهوام ونحوها أو غير ذلك فيعسر أو يتعذر عليه إخراج يده فيلحقه الضرر ، وعلى تفسير الفقهاء : يحرم الاشتمال المذكور إن انكشف به بعض العورة ، وإلا فيكره ، والثاني : النهي عن الاحتباء الذي فيه كشف العورة ، وهو حرام مطلقا سواء كان في الصلاة أو خارجها .



                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية