الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  344 [ ص: 54 ] ( وقول الله تعالى : خذوا زينتكم عند كل مسجد

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  هذا عطف على قول وجوب الصلاة ، والتقدير : وفي بيان معنى قول الله تعالى : أراد بالزينة ما يواري العورة ، وبالمسجد الصلاة ، ففي الأول إطلاق اسم الحال على المحل ، وفي الثاني إطلاق اسم المحل على الحال لوجود الاتصال الذاتي بين الحال والمحل ، وهذا لأن أخذ الزينة نفسها وهي عرض محال ، فأريد محلها وهو الثوب مجازا ، وكانوا يطوفون عراة ويقولون : لا نعبد الله في ثياب أذنبنا فيها فنزلت . لا يقال نزول الآية في الطواف فكيف يثبت الحكم في الصلاة لأنا نقول : العبرة لعموم اللفظ لا لخصوص السبب ، وهذا اللفظ عام لأنه قال : عند كل مسجد ، ولم يقل عند المسجد الحرام ، فيعمل بعمومه ، ويقال : خذوا زينتكم من قبيل إطلاق المسبب على السبب لأن الثوب سبب الزينة ومحل الزينة الشخص ، وقيل : الزينة ما يتزين به من ثوب وغيره كما في قوله تعالى : ولا يبدين زينتهن والستر لا يجب لعين المسجد بدليل جواز الطواف عريانا ، فعلم من هذا أن ستره للصلاة لا لأجل الناس حتى لو صلى وحده ولم يستر عورته لم تجز صلاته وإن لم يكن عنده أحد ، وقال بعضهم بعد قوله وقول الله عز وجل : خذوا زينتكم عند كل مسجد يشير بذلك إلى تفسير طاوس في قوله تعالى : خذوا زينتكم قال الثياب . ( قلت ) : هذا تخمين وحسبان وليس عليه برهان ، وقد اتفق العلماء على أن المراد منه ستر العورة ، وعن مجاهد : وار عورتك ولو بعباءة . وفي مسلم من حديث أبي سعيد مرفوعا " لا ينظر الرجل إلى عورة الرجل ، ولا المرأة إلى عورة المرأة " ، وعن المسور قال له النبي - صلى الله عليه وسلم - " ارجع إلى ثوبك فخذه ولا تمشوا عراة " ، وفي صحيح ابن خزيمة عن عائشة يرفعه " لا يقبل الله صلاة امرأة قد حاضت إلا بخمار " وقال ابن بطال : أجمع أهل التأويل على أن نزولها في الذين كانوا يطوفون بالبيت عراة ، وقال ابن رشد : من حمله على الندب قال : المراد بذلك الزينة الظاهرة من الرداء وغيره من الملابس التي هي زينة مستدلا بما في الحديث أنه كان رجال يصلون مع النبي - صلى الله عليه وسلم - عاقدي أزرهم على أعناقهم كهيئة الصبيان ، ومن حمله على الوجوب استدل بحديث مسلم عن ابن عباس " كانت المرأة تطوف بالبيت عريانة فتقول : من يعيرني تطوافا ، وتقول :


                                                                                                                                                                                  اليوم يبدو بعضه أو كله

                                                                                                                                                                                  .

                                                                                                                                                                                  فنزلت خذوا زينتكم



                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية