الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  420 91 - حدثنا صدقة بن الفضل قال : أخبرنا سليمان بن حيان قال : حدثنا عبيد الله ، عن نافع قال : رأيت ابن عمر يصلي إلى بعيره ، وقال : رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - يفعله .

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  قد ذكرنا أن هذا الحديث يخبر أنه يصلى إلى البعير لا في موضعه ، فلا تطابق له للترجمة ، وقد ذكر بعضهم فقال : كأنه يشير إلى أن الأحاديث الواردة في التفرقة بين الإبل والغنم ليست على شرطه لكن لها طرق قوية منها حديث جابر بن سمرة عند مسلم ، وحديث البراء بن عازب عند أبي داود ، وحديث أبي هريرة عند الترمذي ، وحديث عبد الله بن مغفل عند النسائي ، وحديث سبرة بن معبد عند ابن ماجه ، وفيها كلها التعبير بمعاطن الإبل ، انتهى . قلت : ليت شعري ما وجه هذه الإشارة وبما دل على ما ذكر ! وقوله : " وفيها كلها التعبير بمعاطن الإبل " ليس كذلك ، فإن المذكور في حديث جابر بن سمرة " مبارك الإبل " ، والمبارك غير المعاطن لأن المبرك أعم وقد ذكرناه ، وكذلك المذكور في رواية أبي داود لفظ المبارك .

                                                                                                                                                                                  ( ذكر رجاله ) : وهم خمسة ؛ الأول : صدقة بن الفضل أبو الفضل المروزي ، مات سنة ثلاث وعشرين ومائتين ، وقد تقدم في باب العلم والعظة بالليل . الثاني : سليمان بن حيان - بفتح الحاء المهملة وتشديد الياء آخر الحروف ، وبالنون منصرفا وغير منصرف - أبو خالد الأحمر الأزدي الجعفري الكوفي الإمام ، مات سنة تسع وثمانين ومائة . الثالث : عبيد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب ، كان من سادات أهل المدينة فضلا وعبادة ، وتوفي سنة سبع وأربعين ومائة . الرابع : نافع مولى ابن عمر ، تقدم . الخامس : عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما .

                                                                                                                                                                                  ( ذكر لطائف إسناده ) : فيه التحديث بصيغة الجمع في ثلاثة مواضع ، وفيه العنعنة في موضع واحد ، وفيه القول والرؤية في موضعين ، وفيه أن رواته ما بين مروزي وكوفي ومدني .

                                                                                                                                                                                  ( ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره ) : أخرجه البخاري أيضا ، يأتي ذكره عن قريب ، وترجم عليه باب الصلاة إلى الراحلة والبعير والشجر والرحل عن محمد بن أبي بكر المقدمي البصري قال : حدثنا معتمر بن سليمان . . . إلى آخره ، وأخرجه مسلم منقطعا وروى الشطر الأول عن أبي بكر بن أبي شيبة وابن نمير عن أبي خالد الأحمر ، قال ابن أبي شيبة : كان يصلي إلى راحلته . وقال ابن نمير : صلى إلى بعير . وروى الشطر الثاني [ ص: 183 ] عن أبي بكر بن أبي شيبة عن أبي خالد الأحمر ، ورواه أيضا عن محمد بن عبد الله بن نمير عن أبيه عن عبيد الله بن عمر بلفظ : كان يصلي سبحته حيث ما توجهت به ناقته . وأخرجه أبو داود عن عثمان بن أبي شيبة ووهب بن بقية وابن أبي خلف وعبد الله بن سعيد عن أبي خالد الأحمر .

                                                                                                                                                                                  وأخرجه الترمذي عن سفيان بن وكيع ، حدثنا أبو خالد الأحمر ، عن عبد الله بن عمر ، عن نافع ، عن ابن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى إلى بعيره أو راحلته ، وكان يصلي على راحلته حيث ما توجهت به . قال أبو عيسى : هذا حديث صحيح . وفي الباب عن أبي الدرداء ، ورواه البزار في مسنده بلفظ : صلى بنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى بعير من المغنم . وذكر مالك في الموطأ أنه بلغه أن ابن عمر كان يستتر براحلته في السفر إذا صلى ، ووصله ابن أبي شيبة في مصنفه .

                                                                                                                                                                                  ( ذكر معناه ) : قوله ( يصلي إلى بعيره ) ، وفي المحكم : البعير الجمل الباذل ، وقيل : الجذع ، وقد يكون للأنثى ، حكي عن بعض العرب : شربت من لبن بعيري ، وصرعتني بعير لي . والجمع أبعرة وأباعر وأباعير وبعران وبعران ، وفي المخصص : قال الفارسي : أباعر جمع أبعرة ، كأسقية وأساق . وفي الجامع : البعير بمنزلة الإنسان ، يجمع المذكر والمؤنث من الناس ، إذا رأيت جملا على البعد قلت : هذا بعير ، فإذا استثبته قلت : هذا جمل أو ناقة . قال الأصمعي : إذا وضعت الناقة ولدها ساعة تضعه سليل قبل أن يعلم أذكر هو أم أنثى ، فإذا علم فإن كان ذكرا فهو سقب وأمه مسقب ، وقد أذكرت فهي مذكر ، وإن كان أنثى فهي حائل وأمها أم حائل ، فإذا مشى فهو راشح والأم مرشح ، فإذا ارتفع عن الراشح فهو جادل ، فإذا جمل في سنامه شحما فهو مجذ ومكعر ، وهو في هذا كله حوار ، فإذا اشتد قيل ربع والجمع أرباع ورباع والأنثى ربعة ، فلا يزال ربعا حتى يأكل الشجر ويعين على نفسه ، ثم هو فصيل وهبع والأنثى فصيلة والجمع فصلان وفصلان لأنه فصل عن أمه ، فإذا استكمل الحول ودخل في الثاني فهو ابن مخاض والأنثى بنت مخاض ، فإذا استكمل السنة الثانية ودخل في الثالثة فهو ابن لبون والأنثى بنت لبون ، فإذا استكمل الثالثة ودخل في الرابعة فهو حينئذ حق والأنثى حقة سمي به لأنه استحق أن يحمل عليه ويركب ، فإذا مضت الرابعة ودخل في الخامسة فهو جذع والأنثى جذعة ، فإذا مضت الخامسة ودخل في السنة السادسة وألقى ثنيته فهو ثني والأنثى ثنية ، فإذا مضت السادسة ودخل في السابعة فهو حينئذ رباع والأنثى رباعية ، فإذا مضت السابعة ودخل في الثامنة وألقى السن فهو سديس وسدس لغتان وكذا يقال للأنثى ، فإذا مضت الثامنة ودخل في التاسعة فطر نابه وطلع فهو حينئذ فاطر وباذل وكذلك يقال للأنثى ، فلا يزال باذلا حتى تمضي التاسعة ، فإذا مضت ودخل في العاشرة فهو حينئذ مخلف ، ثم ليس له اسم بعد الإخلاف ولكن يقال له باذل عام وباذل عامين ومخلف عام ومخلف عامين إلى ما زاد على ذلك ، فإذا كبر فهو عود والأنثى عودة ، فإذا ارتفع عن ذلك فهو قحر والجمع أقحر وقحور .

                                                                                                                                                                                  قوله ( يفعله ) ؛ أي : يصلي والبعير في طرف قبلته .

                                                                                                                                                                                  ( ذكر ما يستنبط منه ) : فيه جواز الصلاة إلى الحيوان ، ونقل ابن التين عن مالك أنه لا يصلي إلى الخيل والحمير لنجاسة أبوالها .

                                                                                                                                                                                  وفيه جواز الصلاة بقرب البعير وأنه لا بأس أن يستتر المصلي بالراحلة والبعير في الصلاة ، وقد حكى الترمذي عن بعض أهل العلم أنهم لا يرون به بأسا ، وروى ابن أبي شيبة في مصنفه عن أنس أنه صلى وبينه وبين القبلة بعير عليه محمله ، وروى أيضا الاستتار بالبعير عن سويد بن غفلة والأسود بن يزيد وعطاء بن أبي رباح والقاسم وسالم ، وعن الحسن : لا بأس أن يستتر بالبعير . وقال ابن عبد البر في الاستذكار : لا أعلم فيه - أي : في الاستتار بالراحلة - خلافا . وقال ابن حزم : من منع من الصلاة إلى البعير فهو مبطل . .




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية