الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  383 56 - أخبرنا يحيى بن بكير قال : حدثنا بكر بن مضر ، عن جعفر ، عن ابن هرمز ، عن عبد الله بن مالك بن بحينة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا صلى فرج بين يديه حتى يبدو بياض إبطيه .

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقة هذا الحديث للترجمة : في قوله : "كان إذا صلى" لأن المراد من قوله : صلى سجد من قبيل إطلاق الكل وإرادة الجزء ، وإذا فرج بين يديه لا بد من إبداء ضبعيه والمجافاة .

                                                                                                                                                                                  ( ذكر رجاله ) وهم خمسة : يحيى بن بكير بضم الباء الموحدة ، وبكر بفتح الباء الموحدة ابن مضر بضم الميم ، وفتح الضاد المعجمة ، وروي غير منصرف للعلمية والعدل مثل عمر ، وقال الكرماني : أما باعتبار العجمة ( قلت ) هذا بعيد ؛ لأنه لفظ عربي خالص من مضر اللبن يمضر مضورا ، وهو الذي يحذي اللسان قبل أن يروب ، وقال أبو عبيد : قال أبو الوليد : اسم مضر مشتق منه ، وهو مضر بن نزار بن معد بن عدنان ، وجعفر هو ابن ربيعة بن شرحبيل المصري توفي سنة خمس وثلاثين ومائة ، وابن هرمز بضم الهاء والميم هو عبد الرحمن الأعرج المشهور بالرواية عن أبي هريرة ، وعبد الله بن مالك بن القشب بكسر القاف ، وسكون الشين المعجمة ، وبالباء الموحدة الأزدي ، وبحينة بضم الباء الموحدة ، وفتح الحاء المهملة ، وسكون الياء آخر الحروف ، وفتح النون ، وهو اسم أم عبد الله فهو منسوب إلى الوالدين ، أسلم قديما ، وصحب النبي صلى الله عليه وسلم ، وكان ناسكا فاضلا يصوم الدهر ، مات زمن معاوية ، وقال النووي : الصواب فيه أن ينون مالك [ ص: 123 ] ويكتب ابن بالألف ؛ لأن ابن بحينة ليس صفة لمالك بل صفة لعبد الله اسم أبيه مالك ، واسم أمه بحينة فبحينة امرأة مالك ، وأم عبد الله فليس الابن واقعا بين علمين متناسبين .

                                                                                                                                                                                  ( ذكر لطائف إسناده ) : فيه التحديث بصيغة الجمع في موضعين ، وفيه العنعنة في ثلاثة مواضع ، وفيه أن رواته ما بين مصري ومدني .

                                                                                                                                                                                  ( ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره ) : أخرجه البخاري أيضا في صفة النبي صلى الله عليه وسلم عن قتيبة عن بكر بن مضر ، وأخرجه مسلم في الصلاة عن قتيبة به ، وعن عمرو بن سواد عن ابن وهب ، وأخرجه النسائي فيه عن قتيبة به .

                                                                                                                                                                                  ( ذكر معناه وما اختلف من ألفاظه ) : قوله : "فرج بين يديه" معناه فرج بين يديه وجنبيه ، وفرج الله الغم بالتشديد والتخفيف ، وهو من باب ضرب يضرب ، وهو لفظ مشترك بين الفرج العورة والثغر وموضع المخافة ، والحكمة فيه أنه أشبه بالتواضع ، وأبلغ في تمكين الجبهة من الأرض ، وأبعد من هيئات الكسالى . قوله : بين يديه على حقيقته يعني قدامه ، وأراد ببعد قدامه من الأرض حتى يبدو بياض إبطيه ، ويؤيد هذا ما في رواية مسلم : "إذا سجد يجنح في سجوده حتى يرى وضح إبطيه" ، وفي رواية الليث : "كان إذا سجد فرج يديه عن إبطيه حتى إني لأرى بياض إبطيه" ، وعنده أيضا من حديث ميمونة : "كان صلى الله عليه وسلم إذا سجد لو شاءت بهمة أن تمر بين يديه لمرت" ، وفي رواية : "خوى بيديه" يعني جنح "حتى يرى وضح إبطيه من ورائه" ، وعند الترمذي محسنا ، وعند الحاكم مصححا عن عبد الله بن أقرم فكنت أنظر إلى عفرتي إبطيه صلى الله عليه وسلم إذا سجد ، وعند الحاكم مصححا عن ابن عباس " أتيت النبي صلى الله عليه وسلم من خلفه فرأيت بياض إبطيه وهو مجخ قد فرج يديه " ، وعند الدارقطني ملزما للبخاري تخريجه عن أحمد بن جزء أنه قال : "كنا لنأوي لرسول الله صلى الله عليه وسلم مما يجافي مرفقيه عن جنبيه إذا سجد" ، وعند أحمد وصححه أبو زرعة الرازي ، وابن خزيمة عن جابر " كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا سجد جافى حتى يرى بياض إبطيه " ، وعند ابن خزيمة عن عدي بن عميرة "كان النبي صلى الله تعالى عليه وسلم إذا سجد يرى بياض إبطيه ، وفي صحيح ابن خزيمة أيضا عن البراء : "كان النبي صلى الله تعالى عليه وسلم إذا سجد جنح" ، وعند الحاكم على شرطهما عن أبي هريرة "إذا سجد يرى وضح إبطيه" ، وعند مسلم من حديث أبي حميد في عشرة من الصحابة : "إذا سجد جافى بين يديه" ، وعند أبي داود عن أبي مسعود ووصف صلاته صلى الله تعالى عليه وسلم ، وفيه : "ثم جافى بين مرفقيه حتى استقر كل شيء منه" .

                                                                                                                                                                                  قوله : "يجنح" من التجنيح ، وهو أن يرفع ساعديه في السجود عن الأرض فيصيران له مثل جناحي الطير فكذلك التجنح . قوله : "وضح إبطيه" أي : بياضهما ، وهو بفتح الواو ، والضاد المعجمة . قوله : "بهمة" بفتح الباء الموحدة قال الجوهري : البهمة من أولاد الضأن خاصة ، وتطلق على الذكر والأنثى ، والسخال أولاد المعزى ، وقال أبو عبيد وغيره : البهمة واحد البهم ، وهي أولاد الغنم من الذكور والإناث ، وجمع البهم البهام بكسر الباء ، وفي رواية الحاكم والطبراني : بهيمة بالصغير ، وقيل : هو الصواب ، وفتح الباء خطأ . قوله : "خوى" بالخاء المعجمة وتشديد الواو المفتوحة أي : جافى بطنه عن الأرض ورفعها ، وجافى عضديه عن جنبيه حتى يخوى ما بين ذلك . قوله : "مجخ" بضم الميم ، وكسر الجيم ، وبالخاء المعجمة المشددة من جخ بفتح الجيم ، والخاء المعجمة المشددة إذا فتح عضديه عن جنبيه ، ويروى جخي بالياء ، وهو أشهر ، وهو مثل جخ ، وقيل : كان إذا صلى جخ يعني تحول من مكان إلى مكان . قوله : "لنأوي" أي : نرق له ونرثي ، يقال : أويت الرجل آوى له إذا أصابه شيء فرثيت له ، والعفرة بضم العين المهملة ، وسكون الفاء البياض ، وزعم أبو نعيم في دلائل النبوة أن بياض إبطيه صلى الله عليه وسلم من علامات نبوته .

                                                                                                                                                                                  ( ذكر ما يستنبط منه ) : فيه التفريج بين يديه ، وهو سنة للرجال ، والمرأة والخنثى تضمان ؛ لأن المطلوب في حقهما الستر ، وحكي عن بعضهم أن السنة في حق النساء التربع ، وبعضهم خيرها بين الانفراج والانضمام ، وقال ابن بطال : وشرعت المجافاة في المرفق ليخف على الأرض ، ولا يثقل عليها كما روى أبو عبيدة عن عطاء أنه قال : خففوا على الأرض ، وفي المصنف ، وممن كان يجافي أنس بن مالك ، وأبو سعيد الخدري ، وقاله الحسن البصري ، وإبراهيم ، وعلي بن أبي طالب قال ، وممن رخص أن يعتمد المصلي بمرفقيه أبو ذر ، وابن مسعود ، وابن عمر ، وابن سيرين ، وقيس بن سعد ، قال : وحدثنا ابن عيينة عن سمي عن النعمان [ ص: 124 ] ابن أبي عياش قال "شكونا إلى النبي صلى الله تعالى عليه وسلم الإدغام والاعتماد في الصلاة فرخص لهم أن يستعين الرجل بمرفقيه على ركبتيه أو فخذيه" ، وعند الترمذي عن أبي هريرة : "أنه اشتكى أصحاب النبي صلى الله تعالى عليه وسلم مشقة السجود عليهم فقال : استعينوا بالركب" ، وروى أبو داود أيضا ، ولفظه : "اشتكى أصحاب النبي صلى الله تعالى عليه وسلم إلى النبي عليه الصلاة والسلام مشقة السجود عليهم إذا انفرجوا ، فقال : استعينوا بالركب" ، وفي المصنف : حدثنا يزيد بن هارون عن ابن عون قال : "قلت لمحمد : الرجل يسجد إذا اعتمد بمرفقيه على ركبتيه . قال : ما أعلم به بأسا" حدثنا عاصم عن ابن جريج عن نافع قال : كان ابن عمر يضم يديه إلى جنبيه إذا سجد . حدثنا ابن نمير حدثنا الأعمش عن حبيب قال : "سأل رجل ابن عمر : أضع مرفقي على فخذي إذا سجدت ؟ فقال : اسجد كيف تيسر عليك" حدثنا وكيع عن أبيه عن أشعث بن أبي الشعثاء ، عن قيس بن السكن قال : كل ذلك قد كانوا يفعلون ويضمون ويتجافون كان بعضهم يضم ، وبعضهم يتجافى ، وفي الأم للشافعي : يسن للرجل أن يجافي مرفقيه عن جنبيه ويرفع بطنه عن فخذيه ، وتضم المرأة بعضها إلى بعض ، وقال القرطبي : وحكم الفرائض والنوافل في هذا سواء .



                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية