تنبيهات :
الأول : قال الحافظ : وجه التشبيه بين النخلة والمسلم من جهة عدم سقوط الورق ، ما رواه
الحارث بن أبي أسامة في هذا الحديث من وجه آخر ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر ، ولفظه قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=3502552كنا عند [ ص: 140 ] رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم فقال : nindex.php?page=treesubj&link=32229_32088_33664_32103«إن مثل المؤمن كمثل شجرة لا تسقط لها أنملة ، أتدرون ما هي ؟ » قالوا : لا ، قال : «هي النخلة ، لا تسقط لها أنملة ، ولا يسقط للمؤمن دعوة» .
ووقع عند المصنف في باب الأطعمة من طريق
nindex.php?page=showalam&ids=13726الأعمش ، قال : حدثني
nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر ، قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=655024بينما نحن عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ أتي بجمار ، فقال : إن من الشجر لما بركته كبركة المسلم .
وهذا أعم من الذي قبله ، وبركة النخلة موجودة في جميع أجزائها ، مستمرة في جميع أحوالها ، فمن حين تطلع إلى أن تيبس ، يؤكل أنواعا ، ثم بعد ذلك ينتفع بجميع أجزائها ، حتى النوى في علف الدواب ، والليف في الحبال وغير ذلك ، وكذلك بركة المسلم عامة في جميع الأحوال وغيرها ، ونفعه مستمر له ولغيره حتى بعد موته .
ثم قال : قال
nindex.php?page=showalam&ids=11963القرطبي : موقع التشبيه بينهما من جهة أن دين المسلم ثابت ، وأن ما يصدر عنه من العلوم والخير قوت للأرواح مستطاب ، وأنه لا يزال مستورا بدينه ، وأنه ينتفع بكل ما صدر منه حيا وميتا . انتهى .
وقال غيره : والمراد بكون فرع المؤمن في السماء رفع عمله وقبوله .
وروى
nindex.php?page=showalam&ids=13863البزار من طريق
سفيان بن حسن ، عن
أبي بشر ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=930520مثل المؤمن مثل النخلة ، ما أتاك منها نفعك . هكذا أورده ، وإسناده صحيح ، وقد أفصح بالمقصود بأوجز عبارة .
وأما من زعم أن موقع التشبيه من جهة كون النخلة إذا وقع رأسها ماتت ، أو أنها لا تحمل حين تلقح ، أو أنها تموت إذا غرقت ، أو لأن لطلعها رائحة مني الآدميين ، أو لكونها تعشق ، أو لكونها تشرب من أعلاها ، فكلها أوجه ضعيفة؛ لأن جميع ذلك من المتشابهات مشترك بالآدميين ، لا يختص بالمسلم .
وأضعف من ذلك قول من زعم أن ذلك لكونها خلقت من فضلة طين آدم؛ فإن الحديث في ذلك لم يثبت .
وقول سيدنا عمر : «أحب إلي من أن يكون لي كذا وكذا» زاد
nindex.php?page=showalam&ids=13053ابن حبان في صحيحه : أحسبه قال : «حمر النعم» وفي الحديث من الفوائد غير ما تقدم
nindex.php?page=treesubj&link=27243_32110_18495امتحان العالم أذهان الطلبة بما يخفى من تبليغه لهم إن لم يفهموه .
وأما ما رواه
nindex.php?page=showalam&ids=11998أبو داود من حديث
nindex.php?page=showalam&ids=33معاوية عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه
nindex.php?page=hadith&LINKID=3504294نهى عن الأغلوطات ، قال
nindex.php?page=showalam&ids=13760الأوزاعي أحد رواته : هي صعاب المسائل - أن ذلك محمول على ما لا نفع فيه ، أو ما خرج على سبيل تعنت المسؤول ، أو تعجيزه ، وفيه التحريض على
nindex.php?page=treesubj&link=32103الفهم في العلم ، وفيه دليل على بركة النخلة وما تثمره ، وفيه دليل على أن بيع الجمار جائز؛ لأن كل ما جاز أكله جاز بيعه ، وفيه دليل على
nindex.php?page=treesubj&link=33517جواز تجمير النخل ، وفيه ضرب من الأمثال والأشباه لزيادة الإفهام ، وتصوير المعاني؛ لترسخ في الذهن ، ولتحديد الفكر في النظر في حكم الحادثة ، وفيه إشارة إلى أن تشبيه
[ ص: 141 ] الشيء بالشيء لا يلزم أن يكون نظيره في جميع وجوهه؛ فإن المؤمن لا يماثله شيء من الجمادات ولا يعادله ، وفيه توقير الكبير ، وتقديم الصغير أباه في القول ، وأنه لا يبادره بما فهمه ، وإن ظن أنه الصواب ، وفيه أن
nindex.php?page=treesubj&link=32103العالم الكبير قد يخفى عليه بعض ما يدركه من هو دونه؛ لأن العلم مواهب ، والله يؤتي فضله من يشاء .
واستدل به مالك على أن الخواطر التي تقع في القلب من محبة الثناء على أعمال الخير لا يقدح فيها إذا كان أصلها لله ، وذلك مستفاد من تمني عمر المذكور ، ووجه تمني عمر ما طبع الإنسان عليه من محبة الخير لنفسه ولولده ، ولتظهر فضيلة الولد في الفهم في صغره ، وليزداد من النبي صلى الله عليه وسلم حظوة ، ولعله كان يرجو أن يدعو له إذ ذاك بالزيادة في الفهم ، وفيه الإشارة إلى حقارة الدنيا في عين عمر؛ لأنه قابل فهم ابنه لمسألة واحدة بحمر النعم ، مع عظيم مقدارها وغلاء ثمنها . انتهى كلام الحافظ مع تقديم وتأخير .
الثاني : قوله «يتخولنا» بالخاء المعجمة أي : يتعهدنا .
والموعظة : النصح والتذكير ، قال الحافظ : قال
nindex.php?page=showalam&ids=14228الخطابي : الخائل : بالخاء المعجمة هو القائم المتعهد للمال ، يقال : خال المال يخوله تخولا إذا تعهده وأصلحه ، والمعنى : كان يراعي الأوقات في تذكيره ، ولا يفعل ذلك كل يوم؛ لئلا نمل ، والتخون بالنون أيضا . وحكى الهروي في الغريبين : يتحولنا -بالحاء المهملة- أي : يتطلب أحوالنا التي ننشط فيها للموعظة .
قلت : والصواب من حيث الرواية الأول .
وقوله : «علينا» أي : الطارئة علينا ، أو ضمن السآمة معنى المشقة ، فعداها بعلى ، والصلة محذوفة ، والتقدير : من الموعظة .
الثالث : قوله : «الفتيا» قال الحافظ : (بضم الفاء) ، فإن قلت : الفتوى فتحتها ، والمصادر الآتية بوزن فتيا قليلة ، مثل : تقيا ورجعى ، وقوله : فجاءه رجل ، لم أعرف اسم هذا السائل ولا الذي بعده ، والظاهر أن الصحابي لم يسم أحدا لكثرة من سأل إذ ذاك .
وقوله : «ولا حرج» أي : لا شيء عليك من الإثم لا في الترتيب ولا في ترك الفدية ، هذا ظاهر . وقول بعض الفقهاء : المراد في الإثم فقط ، وفيه نظر؛ لأن في بعض الروايات الصحيحة : ولم يأمر بكفارة .
الرابع : قوله : «لا أكاد أدرك الصلاة» قال الحافظ : قال
nindex.php?page=showalam&ids=14961القاضي عياض : ظاهره مشكل ، إذ
[ ص: 142 ] التطويل يقتضي الإدراك لا عدمه ، قال : فكأن الألف زيدت بعد «لا» قلت : هو توجيه حسن لو ساعدته الرواية .
وقال
أبو الزناد بن سراج : معناه أنه كان به ضعف ، وكان إذا طول به الإمام في القيام لا يبلغ الركوع إلا وقد ازداد ضعفه ، فلا يكاد يتم معه الصلاة .
قلت : وهو معنى حسن ، لكن رواه المصنف عن
nindex.php?page=showalam&ids=14907الفريابي عن
سفيان بهذا الإسناد بلفظ : «إني لأتأخر عن الصلاة» أي : لا أقرب من الصلاة في الجماعة بل أتأخر أحيانا من أجل التطويل .
الخامس : قوله «لم يبلغوا الحنث» قال الحافظ : المعنى أنهم قد ماتوا قبل أن يبلغوا؛ لأن الإثم إنما يكتب بعد البلوغ ، فكأن السر فيه إنما أنه لا ينسب إليهم إذ ذاك عقوق ، فيكون الحزن عليهم .
وفي الحديث
nindex.php?page=treesubj&link=32098ما كان عليه نساء الصحابة من الحرص على تعاليم من أمور دينهم ، وجواز كلام النساء مع الرجال في ذلك ، وفيه جواز الوعد ، وأن
nindex.php?page=treesubj&link=28637أطفال المسلمين في الجنة ، وأن من له ولدان حجباه من النار ، ولا اختصاص لذلك بالنساء . انتهى . وكذلك لم يبلغ الحنث .
السادس : قوله «صدقا» قال الحافظ ، احتراز من شهادة المنافق . قال الطيبي : «صدقا» هنا أقيم مقام الاستقامة؛ لأن الصدق يعبر عنه قولا من مطابقة القول المخبر عنه ، ويعبر به فعلا عن تحري الأخلاق المرضية ، كقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=33والذي جاء بالصدق وصدق به [الزمر : 33] أي : خفف ما أورده قولا بما تحراه فعلا . انتهى .
وأراد بهذا التقرير رفع الإشكال عن ظاهر الخبر؛ لأنه يقتضي عدم دخول جميع من شهد الشهادتين النار؛ لما فيه من التعميم والتأكيد ، لكن دلت الأدلة القطعية عند أهل السنة على أن طائفة من عصاة المؤمنين يعذبون ، ثم يخرجون من النار بالشفاعة ، فعلم أن ظاهره غير مراد ، فكأنه قال : إن ذلك مقيد بمن عمل الأعمال الصالحة ، ولأجل خفاء ذلك لم يؤذن في التبشير به .
وقد أجاب العلماء عن الإشكال أيضا بأجوبة أخرى :
منها : أن مطلقه مقيد بمن قالها تاما ، ثم مات على ذلك .
ومنها : أن ذلك كان قبل نزول أكثر الفرائض ، وفيه نظر؛ لأن مثل هذا الحديث وقع
nindex.php?page=showalam&ids=3لأبي هريرة ، كما رواه
nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم ، وصحبته متأخرة عن نزول أكثر الفرائض ، وكذا أورد نحوه من حديث
nindex.php?page=showalam&ids=110أبي موسى ، رواه
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد بإسناد حسن ، وكان قدومه في السنة التي قدم فيها
nindex.php?page=showalam&ids=3أبو هريرة .
ومنها : أنه خرج مخرج الغالب؛ إذ الغالب أن الموحد يعمل الطاعة ، ويجتنب المعصية .
ومنها : أن المراد بتحريمه على النار تحريم خلوده فيها لا أصل دخولها .
ومنها : أن المراد بالنار التي أعدت للكافرين لا الطبقة التي أفردت لعصاة الموحدين .
[ ص: 143 ] ومنها : أن المراد بتحريمه على النار حرمة جملته؛ لأن (المراد) أن النار لا تأكل موضع السجود من المسلم ، كما ثبت في حديث الشفاعة أن ذلك محرم عليها ، وكذا لسانه الناطق بالتوحيد . والعلم عند الله .
وقوله : «إذا يتكلوا» -بتشديد المثناة المفتوحة وكسر الكاف- وهو جواب وجزاء ، أي : إن أخبرتهم يتكلوا ،
وللأصيلي وللكشميهني «ينكلوا» بإسكان النون وضم الكاف ، أي يمتنعوا من العمل اعتمادا على ما يتبادر من ظاهره .
وروى
nindex.php?page=showalam&ids=13863البزار بإسناد حسن من حديث
nindex.php?page=showalam&ids=44أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- في هذه القصة أن النبي صلى الله عليه وسلم أذن
nindex.php?page=showalam&ids=32لمعاذ في التبشير ، فلقيه
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر ، فقال : لا تعجل ، ثم دخل ، فقال : يا نبي الله ، أنت أفضل رأيا ، إن الناس إذا سمعوا ذلك اتكلوا عليها قال : فرده .
وهذا معدود من
nindex.php?page=treesubj&link=31216موافقات عمر -رضي الله تعالى عنه- وفيه جواز
nindex.php?page=treesubj&link=22270الاجتهاد بحضرته صلى الله عليه وسلم .
واستدل بعض متكلمي الأشاعرة من قوله «يتكلوا» على أن للعبد اختيارا كما سبق في علم الله .
وقوله «تأثما» هو بفتح الهمزة وتشديد المثلثة المضمومة ، أي : خشية الوقوع في الإثم الحاصل في كتمان العلم ، ودل صنع معاذ على أن النهي في التبشير كان على التنزيه لا على التحريم ، وإلا لما كان يخبر به أصلا ، أو عرف أن النهي مقيد بالإشكال ، وأخبر به من لا يخشى عليه ذلك ، وإذا زال القيد زال المقيد ، والأول أوجه؛ لكونه أخر ذلك إلى وقت موته . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14961القاضي عياض : لعل مراد
«معاذ» لم يفهم النهي ، لكن كسر عزمه عما عرض له من تبشيرهم .
قلت : والرواية الآتية صريحة في النهي ، فالأولى ما تقدم .
وفي الحديث جواز الإرداف ، وإثبات
nindex.php?page=treesubj&link=30963تواضع النبي صلى الله عليه وسلم ، ومنزلة
nindex.php?page=showalam&ids=32معاذ بن جبل من العلم؛ لأنه خصه بما ذكر ، وفيه جواز استفسار الطالب عما تردد فيه ، واستئذانه في إشاعة ما يعلم به وحده .
وقوله «من لقي الله» أي : من لقي الأجل الذي قدره الله ، يعني الموت ، وقوله : «لا يشرك به» اقتصر على نفي الإشراك؛ لأنه يستدعي التوحيد بالاقتضاء ، ويستدعي إثبات الرسالة باللزوم؛ إذ من كذب رسول الله فقد كذب الله ، ومن كذب الله فهو مشرك . انتهى .
السابع : قوله : «لا يلبس» قال الحافظ : قال
ابن دقيق العيد ، في الحديث : العدول عما لا ينحصر إلى ما ينحصر طلبا للإيجار؛ لأن السائل سأل عما يلبس فأجيب بما لا يلبس؛ إذ الأصل الإباحة ، ولو عدد له ما يلبس لطال ، بل كان لا يؤمن أن يتمسك بعض السامعين بمفهومه فيظن اختصاصه بالمحرم .
[ ص: 144 ]
تَنْبِيهَاتٌ :
الْأَوَّلُ : قَالَ الْحَافِظُ : وَجْهُ التَّشْبِيهِ بَيْنَ النَّخْلَةِ وَالْمُسْلِمِ مِنْ جِهَةِ عَدَمِ سُقُوطِ الْوَرَقِ ، مَا رَوَاهُ
الْحَارِثُ بْنُ أَبِي أُسَامَةَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ ، عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=12ابْنِ عُمَرَ ، وَلَفْظُهُ قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=3502552كُنَّا عِنْدَ [ ص: 140 ] رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ فَقَالَ : nindex.php?page=treesubj&link=32229_32088_33664_32103«إِنَّ مَثَلَ الْمُؤْمِنِ كَمَثَلِ شَجَرَةٍ لَا تَسْقُطُ لَهَا أُنْمُلَةٌ ، أَتَدْرُونَ مَا هِيَ ؟ » قَالُوا : لَا ، قَالَ : «هِيَ النَّخْلَةُ ، لَا تَسْقُطُ لَهَا أُنْمُلَةٌ ، وَلَا يَسْقُطُ لِلْمُؤْمِنِ دَعْوَةٌ» .
وَوَقَعَ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ فِي بَابِ الْأَطْعِمَةِ مِنْ طَرِيقِ
nindex.php?page=showalam&ids=13726الْأَعْمَشِ ، قَالَ : حَدَّثَنِي
nindex.php?page=showalam&ids=16879مُجَاهِدٌ ، عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=12ابْنِ عُمَرَ ، قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=655024بَيْنَمَا نَحْنُ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ أُتِيَ بِجُمَّارٍ ، فَقَالَ : إِنَّ مِنَ الشَّجَرِ لَمَا بَرَكَتُهُ كَبَرَكَةِ الْمُسْلِمِ .
وَهَذَا أَعَمُّ مِنَ الَّذِي قَبْلَهُ ، وَبَرَكَةُ النَّخْلَةِ مَوْجُودَةٌ فِي جَمِيعِ أَجْزَائِهَا ، مُسْتَمِرَّةٌ فِي جَمِيعِ أَحْوَالِهَا ، فَمِنْ حِينِ تَطْلُعُ إِلَى أَنْ تَيْبَسَ ، يُؤْكَلُ أَنْوَاعًا ، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ يُنْتَفَعُ بِجَمِيعِ أَجْزَائِهَا ، حَتَّى النَّوَى فِي عَلَفِ الدَّوَابِّ ، وَاللِّيفِ فِي الْحِبَالِ وَغَيْرِ ذَلِكَ ، وَكَذَلِكَ بَرَكَةُ الْمُسْلِمِ عَامَّةٌ فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ وَغَيْرِهَا ، وَنَفْعُهُ مُسْتَمِرٌّ لَهُ وَلِغَيْرِهِ حَتَّى بَعْدَ مَوْتِهِ .
ثُمَّ قَالَ : قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11963الْقُرْطُبِيُّ : مَوْقِعُ التَّشْبِيهِ بَيْنَهُمَا مِنْ جِهَةِ أَنَّ دِينَ الْمُسْلِمِ ثَابِتٌ ، وَأَنَّ مَا يَصْدُرُ عَنْهُ مِنَ الْعُلُومِ وَالْخَيْرِ قُوتٌ لِلْأَرْوَاحِ مُسْتَطَابٌ ، وَأَنَّهُ لَا يَزَالُ مَسْتُورًا بِدِينِهِ ، وَأَنَّهُ يَنْتَفِعُ بِكُلِّ مَا صَدَرَ مِنْهُ حَيًّا وَمَيِّتًا . انْتَهَى .
وَقَالَ غَيْرُهُ : وَالْمُرَادُ بِكَوْنِ فَرْعِ الْمُؤْمِنِ فِي السَّمَاءِ رَفْعُ عَمَلِهِ وَقَبُولُهُ .
وَرَوَى
nindex.php?page=showalam&ids=13863الْبَزَّارُ مِنْ طَرِيقِ
سُفْيَانَ بْنِ حَسَنٍ ، عَنْ
أَبِي بِشْرٍ ، عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=16879مُجَاهِدٍ ، عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=12ابْنِ عُمَرَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=930520مَثَلُ الْمُؤْمِنِ مَثَلُ النَّخْلَةِ ، مَا أَتَاكَ مِنْهَا نَفَعَكَ . هَكَذَا أَوْرَدَهُ ، وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ ، وَقَدْ أَفْصَحَ بِالْمَقْصُودِ بِأَوْجَزِ عِبَارَةٍ .
وَأَمَّا مَنْ زَعَمَ أَنَّ مَوْقِعَ التَّشْبِيهِ مِنْ جِهَةِ كَوْنِ النَّخْلَةِ إِذَا وَقَعَ رَأْسُهَا مَاتَتْ ، أَوْ أَنَّهَا لَا تَحْمِلُ حِينَ تُلَقَّحُ ، أَوْ أَنَّهَا تَمُوتُ إِذَا غَرِقَتْ ، أَوْ لِأَنَّ لِطَلْعِهَا رَائِحَةَ مَنِيِّ الْآدَمِيِّينَ ، أَوْ لِكَوْنِهَا تُعْشَقُ ، أَوْ لِكَوْنِهَا تَشْرَبُ مِنْ أَعْلَاهَا ، فَكُلُّهَا أَوْجُهٌ ضَعِيفَةٌ؛ لِأَنَّ جَمِيعَ ذَلِكَ مِنَ الْمُتَشَابِهَاتِ مُشْتَرَكٌ بِالْآدَمِيِّينَ ، لَا يَخْتَصُّ بِالْمُسْلِمِ .
وَأَضْعَفُ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُ مَنْ زَعَمَ أَنَّ ذَلِكَ لِكَوْنِهَا خُلِقَتْ مِنْ فَضْلَةِ طِينِ آدَمَ؛ فَإِنَّ الْحَدِيثَ فِي ذَلِكَ لَمْ يَثْبُتْ .
وَقَوْلُ سَيِّدِنَا عُمَرَ : «أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ لِي كَذَا وَكَذَا» زَادَ
nindex.php?page=showalam&ids=13053ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ : أَحْسَبُهُ قَالَ : «حُمْرُ النَّعَمِ» وَفِي الْحَدِيثِ مِنَ الْفَوَائِدِ غَيْرِ مَا تَقَدَّمَ
nindex.php?page=treesubj&link=27243_32110_18495امْتِحَانُ الْعَالِمِ أَذْهَانَ الطَّلَبَةِ بِمَا يَخْفَى مِنْ تَبْلِيغِهِ لَهُمْ إِنْ لَمْ يَفْهَمُوهُ .
وَأَمَّا مَا رَوَاهُ
nindex.php?page=showalam&ids=11998أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ
nindex.php?page=showalam&ids=33مُعَاوِيَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ
nindex.php?page=hadith&LINKID=3504294نَهَى عَنِ الْأُغْلُوطَاتِ ، قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13760الْأَوْزَاعِيُّ أَحَدُ رُوَاتِهِ : هِيَ صِعَابُ الْمَسَائِلِ - أَنَّ ذَلِكَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا لَا نَفْعَ فِيهِ ، أَوْ مَا خَرَجَ عَلَى سَبِيلِ تَعَنُّتِ الْمَسْؤُولِ ، أَوْ تَعْجِيزِهِ ، وَفِيهِ التَّحْرِيضُ عَلَى
nindex.php?page=treesubj&link=32103الْفَهْمِ فِي الْعِلْمِ ، وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى بَرَكَةِ النَّخْلَةِ وَمَا تُثْمِرُهُ ، وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ بَيْعَ الْجُمَّارِ جَائِزٌ؛ لِأَنَّ كُلَّ مَا جَازَ أَكْلُهُ جَازَ بَيْعُهُ ، وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى
nindex.php?page=treesubj&link=33517جَوَازِ تَجْمِيرِ النَّخْلِ ، وَفِيهِ ضَرْبٌ مِنَ الْأَمْثَالِ وَالْأَشْبَاهِ لِزِيَادَةِ الْإِفْهَامِ ، وَتَصْوِيرِ الْمَعَانِي؛ لِتَرْسُخَ فِي الذِّهْنِ ، وَلِتَحْدِيدِ الْفِكْرِ فِي النَّظَرِ فِي حُكْمِ الْحَادِثَةِ ، وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ تَشْبِيهَ
[ ص: 141 ] الشَّيْءِ بِالشَّيْءِ لَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ نَظِيرَهُ فِي جَمِيعِ وُجُوهِهِ؛ فَإِنَّ الْمُؤْمِنَ لَا يُمَاثِلُهُ شَيْءٌ مِنَ الْجَمَادَاتِ وَلَا يُعَادِلُهُ ، وَفِيهِ تَوْقِيرُ الْكَبِيرِ ، وَتَقْدِيمُ الصَّغِيرِ أَبَاهُ فِي الْقَوْلِ ، وَأَنَّهُ لَا يُبَادِرُهُ بِمَا فَهِمَهُ ، وَإِنْ ظَنَّ أَنَّهُ الصَّوَابُ ، وَفِيهِ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=32103الْعَالِمَ الْكَبِيرَ قَدْ يَخْفَى عَلَيْهِ بَعْضُ مَا يُدْرِكُهُ مَنْ هُوَ دُونَهُ؛ لِأَنَّ الْعِلْمَ مَوَاهِبُ ، وَاللَّهُ يُؤْتِي فَضْلَهُ مَنْ يَشَاءُ .
وَاسْتَدَلَّ بِهِ مَالِكٌ عَلَى أَنَّ الْخَوَاطِرَ الَّتِي تَقَعُ فِي الْقَلْبِ مِنْ مَحَبَّةِ الثَّنَاءِ عَلَى أَعْمَالِ الْخَيْرِ لَا يُقْدَحُ فِيهَا إِذَا كَانَ أَصْلُهَا لِلَّهِ ، وَذَلِكَ مُسْتَفَادٌ مِنْ تَمَنِّي عُمَرَ الْمَذْكُورِ ، وَوَجْهُ تَمَنِّي عُمَرَ مَا طُبِعَ الْإِنْسَانُ عَلَيْهِ مِنْ مَحَبَّةِ الْخَيْرِ لِنَفْسِهِ وَلِوَلَدِهِ ، وَلِتَظْهَرَ فَضِيلَةُ الْوَلَدِ فِي الْفَهْمِ فِي صِغَرِهِ ، وَلِيَزْدَادَ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حُظْوَةً ، وَلَعَلَّهُ كَانَ يَرْجُو أَنْ يَدْعُوَ لَهُ إِذْ ذَاكَ بِالزِّيَادَةِ فِي الْفَهْمِ ، وَفِيهِ الْإِشَارَةُ إِلَى حَقَارَةِ الدُّنْيَا فِي عَيْنِ عُمَرَ؛ لِأَنَّهُ قَابَلَ فَهْمَ ابْنِهِ لِمَسْأَلَةٍ وَاحِدَةٍ بِحُمْرِ النَّعَمِ ، مَعَ عَظِيمِ مِقْدَارِهَا وَغَلَاءِ ثَمَنِهَا . انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ مَعَ تَقْدِيمٍ وَتَأْخِيرٍ .
الثَّانِي : قَوْلُهُ «يَتَخَوَّلُنَا» بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ : يَتَعَهَّدُنَا .
وَالْمَوْعِظَةُ : النُّصْحُ وَالتَّذْكِيرُ ، قَالَ الْحَافِظُ : قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14228الْخَطَّابِيُّ : الْخَائِلُ : بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ هُوَ الْقَائِمُ الْمُتَعَهِّدُ لِلْمَالِ ، يُقَالُ : خَالَ الْمَالَ يَخُولُهُ تَخَوُّلًا إِذَا تَعَهَّدَهُ وَأَصْلَحَهُ ، وَالْمَعْنَى : كَانَ يُرَاعِي الْأَوْقَاتَ فِي تَذْكِيرِهِ ، وَلَا يَفْعَلُ ذَلِكَ كُلَّ يَوْمٍ؛ لِئَلَّا نَمَّلَ ، وَالتَّخَوُّنُ بِالنُّونِ أَيْضًا . وَحَكَى الْهَرَوِيُّ فِي الْغَرِيبَيْنِ : يَتَحَوَّلُنَا -بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ- أَيْ : يَتَطَلَّبُ أَحْوَالَنَا الَّتِي نَنْشَطُ فِيهَا لِلْمَوْعِظَةِ .
قُلْتُ : وَالصَّوَابُ مِنْ حَيْثُ الرِّوَايَةُ الْأَوَّلُ .
وَقَوْلُهُ : «عَلَيْنَا» أَيِ : الطَّارِئَةِ عَلَيْنَا ، أَوْ ضَمَّنَ السَّآمَةَ مَعْنَى الْمَشَقَّةِ ، فَعَدَّاهَا بِعَلَى ، وَالصِّلَةُ مَحْذُوفَةٌ ، وَالتَّقْدِيرُ : مِنَ الْمَوْعِظَةِ .
الثَّالِثُ : قَوْلُهُ : «الْفُتْيَا» قَالَ الْحَافِظُ : (بِضَمِّ الْفَاءِ) ، فَإِنْ قُلْتَ : الْفَتْوَى فَتَحْتَهَا ، وَالْمَصَادِرُ الْآتِيَةُ بِوَزْنِ فُتْيَا قَلِيلَةٌ ، مِثْلُ : تُقْيَا وَرُجْعَى ، وَقَوْلُهُ : فَجَاءَهُ رَجُلٌ ، لَمْ أَعْرِفِ اسْمَ هَذَا السَّائِلِ وَلَا الَّذِي بَعْدَهُ ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الصَّحَابِيَّ لَمْ يُسَمِّ أَحَدًا لِكَثْرَةِ مَنْ سَأَلَ إِذْ ذَاكَ .
وَقَوْلُهُ : «وَلَا حَرَجَ» أَيْ : لَا شَيْءَ عَلَيْكَ مِنَ الْإِثْمِ لَا فِي التَّرْتِيبِ وَلَا فِي تَرْكِ الْفِدْيَةِ ، هَذَا ظَاهِرٌ . وَقَوْلُ بَعْضِ الْفُقَهَاءِ : الْمُرَادُ فِي الْإِثْمِ فَقَطْ ، وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ الصَّحِيحَةِ : وَلَمْ يَأْمُرْ بِكَفَّارَةٍ .
الرَّابِعُ : قَوْلُهُ : «لَا أَكَادُ أُدْرِكُ الصَّلَاةَ» قَالَ الْحَافِظُ : قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14961الْقَاضِي عِيَاضٌ : ظَاهِرُهُ مُشْكِلٌ ، إِذِ
[ ص: 142 ] التَّطْوِيلُ يَقْتَضِي الْإِدْرَاكَ لَا عَدَمَهُ ، قَالَ : فَكَأَنَّ الْأَلِفَ زِيدَتْ بَعْدَ «لَا» قُلْتُ : هُوَ تَوْجِيهٌ حَسَنٌ لَوْ سَاعَدَتْهُ الرِّوَايَةُ .
وَقَالَ
أَبُو الزِّنَادِ بْنُ سِرَاجٍ : مَعْنَاهُ أَنَّهُ كَانَ بِهِ ضَعْفٌ ، وَكَانَ إِذَا طَوَّلَ بِهِ الْإِمَامُ فِي الْقِيَامِ لَا يَبْلُغُ الرُّكُوعَ إِلَّا وَقَدِ ازْدَادَ ضَعْفُهُ ، فَلَا يَكَادُ يُتِمُّ مَعَهُ الصَّلَاةَ .
قُلْتُ : وَهُوَ مَعْنًى حَسَنٌ ، لَكِنْ رَوَاهُ الْمُصَنِّفُ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=14907الْفِرْيَابِيِّ عَنْ
سُفْيَانَ بِهَذَا الْإِسْنَادِ بِلَفْظِ : «إِنِّي لَأَتَأَخَّرُ عَنِ الصَّلَاةِ» أَيْ : لَا أَقْرَبُ مِنَ الصَّلَاةِ فِي الْجَمَاعَةِ بَلْ أَتَأَخَّرُ أَحْيَانًا مِنْ أَجْلِ التَّطْوِيلِ .
الْخَامِسُ : قَوْلُهُ «لَمْ يَبْلُغُوا الْحِنْثَ» قَالَ الْحَافِظُ : الْمَعْنَى أَنَّهُمْ قَدْ مَاتُوا قَبْلَ أَنْ يَبْلُغُوا؛ لِأَنَّ الْإِثْمَ إِنَّمَا يُكْتَبُ بَعْدَ الْبُلُوغِ ، فَكَأَنَّ السِّرَّ فِيهِ إِنَّمَا أَنَّهُ لَا يُنْسَبُ إِلَيْهِمْ إِذْ ذَاكَ عُقُوقٌ ، فَيَكُونُ الْحُزْنُ عَلَيْهِمْ .
وَفِي الْحَدِيثِ
nindex.php?page=treesubj&link=32098مَا كَانَ عَلَيْهِ نِسَاءُ الصَّحَابَةِ مِنَ الْحِرْصِ عَلَى تَعَالِيمَ مِنْ أُمُورِ دِينِهِمْ ، وَجَوَازُ كَلَامِ النِّسَاءِ مَعَ الرِّجَالِ فِي ذَلِكَ ، وَفِيهِ جَوَازُ الْوَعْدِ ، وَأَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=28637أَطْفَالَ الْمُسْلِمِينَ فِي الْجَنَّةِ ، وَأَنَّ مَنْ لَهُ وَلَدَانِ حَجَبَاهُ مِنَ النَّارِ ، وَلَا اخْتِصَاصَ لِذَلِكَ بِالنِّسَاءِ . انْتَهَى . وَكَذَلِكَ لَمْ يَبْلُغُ الْحِنْثَ .
السَّادِسُ : قَوْلُهُ «صِدْقًا» قَالَ الْحَافِظُ ، احْتِرَازٌ مِنْ شَهَادَةِ الْمُنَافِقِ . قَالَ الطِّيبِيُّ : «صِدْقًا» هُنَا أُقِيمَ مَقَامَ الِاسْتِقَامَةِ؛ لِأَنَّ الصِّدْقَ يُعَبَّرُ عَنْهُ قَوْلًا مِنْ مُطَابَقَةِ الْقَوْلِ الْمُخْبَرِ عَنْهُ ، وَيُعَبَّرُ بِهِ فِعْلًا عَنْ تَحَرِّي الْأَخْلَاقِ الْمَرْضِيَّةِ ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=33وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ [الزُّمَرِ : 33] أَيْ : خَفَّفَ مَا أَوْرَدَهُ قَوْلًا بِمَا تَحَرَّاهُ فِعْلًا . انْتَهَى .
وَأَرَادَ بِهَذَا التَّقْرِيرِ رَفْعَ الْإِشْكَالِ عَنْ ظَاهِرِ الْخَبَرِ؛ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي عَدَمَ دُخُولِ جَمِيعِ مَنْ شَهِدَ الشَّهَادَتَيْنِ النَّارَ؛ لِمَا فِيهِ مِنَ التَّعْمِيمِ وَالتَّأْكِيدِ ، لَكِنْ دَلَّتِ الْأَدِلَّةُ الْقَطْعِيَّةُ عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ عَلَى أَنَّ طَائِفَةً مِنْ عُصَاةِ الْمُؤْمِنِينَ يُعَذَّبُونَ ، ثُمَّ يُخْرَجُونَ مِنَ النَّارِ بِالشَّفَاعَةِ ، فَعُلِمَ أَنَّ ظَاهِرَهُ غَيْرُ مُرَادٍ ، فَكَأَنَّهُ قَالَ : إِنَّ ذَلِكَ مُقَيَّدٌ بِمَنْ عَمِلَ الْأَعْمَالَ الصَّالِحَةَ ، وَلِأَجْلِ خَفَاءِ ذَلِكَ لَمْ يُؤْذِنْ فِي التَّبْشِيرِ بِهِ .
وَقَدْ أَجَابَ الْعُلَمَاءُ عَنِ الْإِشْكَالِ أَيْضًا بِأَجْوِبَةٍ أُخْرَى :
مِنْهَا : أَنَّ مُطْلَقَهُ مُقَيَّدٌ بِمَنْ قَالَهَا تَامًّا ، ثُمَّ مَاتَ عَلَى ذَلِكَ .
وَمِنْهَا : أَنَّ ذَلِكَ كَانَ قَبْلَ نُزُولِ أَكْثَرِ الْفَرَائِضِ ، وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ مِثْلَ هَذَا الْحَدِيثِ وَقَعَ
nindex.php?page=showalam&ids=3لِأَبِي هُرَيْرَةَ ، كَمَا رَوَاهُ
nindex.php?page=showalam&ids=17080مُسْلِمٌ ، وَصُحْبَتُهُ مُتَأَخِّرَةٌ عَنْ نُزُولِ أَكْثَرِ الْفَرَائِضِ ، وَكَذَا أَوْرَدَ نَحْوَهُ مِنْ حَدِيثِ
nindex.php?page=showalam&ids=110أَبِي مُوسَى ، رَوَاهُ
nindex.php?page=showalam&ids=12251أَحْمَدُ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ ، وَكَانَ قُدُومُهُ فِي السَّنَةِ الَّتِي قَدِمَ فِيهَا
nindex.php?page=showalam&ids=3أَبُو هُرَيْرَةَ .
وَمِنْهَا : أَنَّهُ خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ؛ إِذِ الْغَالِبُ أَنَّ الْمُوَحِّدَ يَعْمَلُ الطَّاعَةَ ، وَيَجْتَنِبُ الْمَعْصِيَةَ .
وَمِنْهَا : أَنَّ الْمُرَادَ بِتَحْرِيمِهِ عَلَى النَّارِ تَحْرِيمُ خُلُودِهِ فِيهَا لَا أَصْلِ دُخُولَهَا .
وَمِنْهَا : أَنَّ الْمُرَادَ بِالنَّارِ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ لَا الطَّبَقَةُ الَّتِي أُفْرِدَتْ لِعُصَاةِ الْمُوَحِّدِينَ .
[ ص: 143 ] وَمِنْهَا : أَنَّ الْمُرَادَ بِتَحْرِيمِهِ عَلَى النَّارِ حُرْمَةُ جُمْلَتِهِ؛ لِأَنَّ (الْمُرَادَ) أَنَّ النَّارَ لَا تَأْكُلُ مَوْضِعَ السُّجُودِ مِنَ الْمُسْلِمِ ، كَمَا ثَبَتَ فِي حَدِيثِ الشَّفَاعَةِ أَنَّ ذَلِكَ مُحَرَّمٌ عَلَيْهَا ، وَكَذَا لِسَانُهُ النَّاطِقُ بِالتَّوْحِيدِ . وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ .
وَقَوْلُهُ : «إِذًا يَتَّكِلُوا» -بِتَشْدِيدِ الْمُثَنَّاةِ الْمَفْتُوحَةِ وَكَسْرِ الْكَافِ- وَهُوَ جَوَابٌ وَجَزَاءٌ ، أَيْ : إِنْ أَخْبَرْتَهُمْ يَتَّكِلُوا ،
وَلِلْأَصِيلِيِّ وَللِكُشْمِيهَنِيِّ «يَنْكُلُوا» بِإِسْكَانِ النُّونِ وَضَمِّ الْكَافِ ، أَيْ يَمْتَنِعُوا مِنَ الْعَمَلِ اعْتِمَادًا عَلَى مَا يَتَبَادَرُ مِنْ ظَاهِرِهِ .
وَرَوَى
nindex.php?page=showalam&ids=13863الْبَزَّارُ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ مِنْ حَدِيثِ
nindex.php?page=showalam&ids=44أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَذِنَ
nindex.php?page=showalam&ids=32لِمُعَاذٍ فِي التَّبْشِيرِ ، فَلَقِيَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=2عُمَرُ ، فَقَالَ : لَا تَعْجَلْ ، ثُمَّ دَخَلَ ، فَقَالَ : يَا نَبِيَّ اللَّهِ ، أَنْتَ أَفْضَلُ رَأْيًا ، إِنَّ النَّاسَ إِذَا سَمِعُوا ذَلِكَ اتَّكَلُوا عَلَيْهَا قَالَ : فَرَدَّهُ .
وَهَذَا مَعْدُودٌ مِنْ
nindex.php?page=treesubj&link=31216مُوَافَقَاتِ عُمَرَ -رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ- وَفِيهِ جَوَازُ
nindex.php?page=treesubj&link=22270الِاجْتِهَادِ بِحَضْرَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
وَاسْتَدَلَّ بَعْضُ مُتَكَلِّمِي الْأَشَاعِرَةِ مِنْ قَوْلِهِ «يَتَّكِلُوا» عَلَى أَنَّ لِلْعَبْدِ اخْتِيَارًا كَمَا سَبَقَ فِي عِلْمِ اللَّهِ .
وَقَوْلُهُ «تَأَثُّمًا» هُوَ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَتَشْدِيدِ الْمُثَلَّثَةِ الْمَضْمُومَةِ ، أَيْ : خَشْيَةَ الْوُقُوعِ فِي الْإِثْمِ الْحَاصِلِ فِي كِتْمَانِ الْعِلْمِ ، وَدَلَّ صُنْعُ مُعَاذٍ عَلَى أَنَّ النَّهْيَ فِي التَّبْشِيرِ كَانَ عَلَى التَّنْزِيهِ لَا عَلَى التَّحْرِيمِ ، وَإِلَّا لَمَا كَانَ يُخْبِرُ بِهِ أَصْلًا ، أَوْ عَرَفَ أَنَّ النَّهْيَ مُقَيَّدٌ بِالْإِشْكَالِ ، وَأَخْبَرَ بِهِ مَنْ لَا يَخْشَى عَلَيْهِ ذَلِكَ ، وَإِذَا زَالَ الْقَيْدُ زَالَ الْمُقَيَّدُ ، وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ؛ لِكَوْنِهِ أَخَّرَ ذَلِكَ إِلَى وَقْتِ مَوْتِهِ . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14961الْقَاضِي عِيَاضٌ : لَعَلَّ مُرَادَ
«مُعَاذٍ» لَمْ يَفْهَمِ النَّهْيَ ، لَكِنْ كُسِرَ عَزْمُهُ عَمَّا عُرِضَ لَهُ مِنْ تَبْشِيرِهِمْ .
قُلْتُ : وَالرِّوَايَةُ الْآتِيَةُ صَرِيحَةٌ فِي النَّهْيِ ، فَالْأَوْلَى مَا تَقَدَّمَ .
وَفِي الْحَدِيثِ جَوَازُ الْإِرْدَافِ ، وَإِثْبَاتُ
nindex.php?page=treesubj&link=30963تَوَاضُعِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَمَنْزِلَةُ
nindex.php?page=showalam&ids=32مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ مِنَ الْعِلْمِ؛ لِأَنَّهُ خَصَّهُ بِمَا ذُكِرَ ، وَفِيهِ جَوَازُ اسْتِفْسَارِ الطَّالِبِ عَمَّا تَرَدَّدَ فِيهِ ، وَاسْتِئْذَانُهُ فِي إِشَاعَةِ مَا يَعْلَمُ بِهِ وَحْدَهُ .
وَقَوْلُهُ «مَنْ لَقِيَ اللَّهَ» أَيْ : مَنْ لَقِيَ الْأَجَلَ الَّذِي قَدَّرَهُ اللَّهُ ، يَعْنِي الْمَوْتَ ، وَقَوْلُهُ : «لَا يُشْرِكُ بِهِ» اقْتَصَرَ عَلَى نَفْيِ الْإِشْرَاكِ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَدْعِي التَّوْحِيدَ بِالِاقْتِضَاءِ ، وَيَسْتَدْعِي إِثْبَاتَ الرِّسَالَةِ بِاللُّزُومِ؛ إِذْ مَنْ كَذَّبَ رَسُولَ اللَّهِ فَقَدْ كَذَّبَ اللَّهَ ، وَمَنْ كَذَّبَ اللَّهَ فَهُوَ مُشْرِكٌ . انْتَهَى .
السَّابِعُ : قَوْلُهُ : «لَا يَلْبَسُ» قَالَ الْحَافِظُ : قَالَ
ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ ، فِي الْحَدِيثِ : الْعُدُولُ عَمَّا لَا يَنْحَصِرُ إِلَى مَا يَنْحَصِرُ طَلَبًا لِلْإِيجَارِ؛ لِأَنَّ السَّائِلَ سَأَلَ عَمَّا يَلْبَسُ فَأُجِيبَ بِمَا لَا يَلْبَسُ؛ إِذِ الْأَصْلُ الْإِبَاحَةُ ، وَلَوْ عَدَّدَ لَهُ مَا يَلْبَسُ لَطَالَ ، بَلْ كَانَ لَا يُؤْمَنُ أَنْ يَتَمَسَّكَ بَعْضُ السَّامِعِينَ بِمَفْهُومِهِ فَيَظُنُّ اخْتِصَاصَهُ بِالْمُحْرِمِ .
[ ص: 144 ]