الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              السابع عشر : في بعض فتاويه صلى الله عليه وسلم في العتق ، وما يتعلق به

                                                                                                                                                                                                                              روى ابن ماجه والبيهقي عن أبي ذر- رضي الله تعالى عنه- قال : قلت : يا رسول الله ، أي الرقاب أفضل ؟ قال : أنفسها عند أهلها وأغلاها ثمنا ، ولفظ الإمام أحمد والشيخان والنسائي وابن حبان : أفضل الأعمال إيمان بالله تعالى ، وجهاد في سبيل الله تعالى ، قيل : فأي الرقاب أفضل ؟ قال : أنفسها عند أهلها وأغلاها ثمنا قيل : فإن لم أجد ؟ قال : تعين صانعا أو تصنع لأخرق ، قال : فإن لم أستطع ؟ قال : كف أذاك عن الناس من الشر فإنها صدقة تصدق بها على نفسك .

                                                                                                                                                                                                                              قوله : أنفسها عند العلماء : النفيس الجيد من كل شيء المرغوب فيه وحقيقة الشيء الذي يتنافس فيه الناس . يعين صانعا أي ذو أتباع من فقر أو عيال ، والخرق ضد الرفق يقال : رجل أخرق إذا لم يتقن ما يحاول فعله والصانع بصاد مهملة فنون ، وهو المشهور وروي : ضائعا بالعجمة أي ذا ضياع من فقر وعيال ونحو ذلك .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الشيخان عن أبي ذر- رضي الله تعالى عنه- قال : قلت : يا رسول الله ، أي الأعمال أفضل ؟ قال : إيمان بالله ، وجهاد في سبيل الله ، قلت : فأي الرقاب أفضل ؟ قال : أنفسها عند أهلها ، وأكثرها ثمنا قال : فإن لم أفعل ؟ قال : تعين صانعا ، أو تصنع لأخرق ، قال : قلت : يا رسول الله أرأيت إن ضعفت عن بعض العمل ، قال : تكف أذاك عن الناس .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الإمام أحمد عن البراء- رضي الله تعالى عنه- قال : جاء أعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ، علمني عملا يدخلني الجنة ، فقال : لئن كنت أقصرت الخطبة لقد أعرضت المسألة ، أعتق النسمة وفك الرقبة ، قال : يا رسول الله ، أوليستا بواحدة ؟ قال : «لا ، إن عتق النسمة تفرد بعتقها ، وفك الرقبة أن تعين على عتقها» .

                                                                                                                                                                                                                              وروى مسلم عن معاوية بن الحكم السلمي- رضي الله تعالى عنه- قال : بينا أنا أصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ عطس رجل من القوم ، فقلت : يرحمك الله ، فرماني القوم بأبصارهم ، فقلت : واثكل أمياه ، ما شأنكم تنظرون إلي فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم فلما رأيتهم يصمتونني ، لكني سكت فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فبأبي هو وأمي ما رأيت معلما قبله ولا بعده أحسن تعليما منه فوالله ما نهرني ولا ضربني ، ولا شتمني ، قال : «إن هذه الصلاة لا [ ص: 289 ] يصلح فيها شيء من كلام الناس ، إنما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الشيخان عن ميمونة- رضي الله تعالى عنها- أنها أعتقت وليدة ولم تستأذن النبي صلى الله عليه وسلم فلما كان يومها الذي يدور عليها فيه ، قالت : أشعرت يا رسول الله صلى الله عليه وسلم أني أعتقت وليدتي ؟ قال : أوفعلت ؟ قالت : نعم ، قال أما لو إنك أعطيتها أخوالك كان أعظم لأجرك .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الإمام أحمد وأبو داود عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما- قال : جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ، كم أعفو عن الخادم ؟ فصمت ، ثم أعاد عليه الكلام فصمت ، فلما كان في الثالثة قال : «اعف عنه في كل يوم سبعين مرة» .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الإمام أحمد وأبو داود والبيهقي عن عمر- رضي الله تعالى عنهما- والبيهقي عن ميمونة بنت سعد مولاة رسول الله صلى الله عليه وسلم [ . . . . . . ] .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الطبراني والإمام أحمد عن سعد بن عبادة- رضي الله تعالى عنه- أنه أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : إن أمي ماتت وعليها نذر لم تقضه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «اقضه عنها» .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الإمام الشافعي والشيخان عن عائشة - رضي الله تعالى عنها- أنها أرادت أن تشتري بريرة فتعتقها فقال أهلها : نبيعكها على أن ولاءها لنا ، فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : «لا يمنعك ذلك ، فإنما الولاء لمن أعتق» .

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية