الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              الثاني والعشرون : في بعض فتاويه صلى الله عليه وسلم في الصيد والذبائح .

                                                                                                                                                                                                                              روى الشيخان والنسائي عن عدي بن حاتم- رضي الله تعالى عنه- قال : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت : إنا قوم نصيد بهذه الكلاب ، فقال : إذا أرسلت كلبك المعلم ، فقتل فكل ، وإذا أكل فلا تأكل ، فإنما أمسك على نفسه ، فقلت : أرسل كلبي فأجد معه كلبا آخر ، قال : فلا تأكل ، فإنما سميت على كلبك ، ولم تسم على كلب آخر .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الإمام أحمد والدارقطني عنه أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم قال : أرمي بسهمي فأصيب ، فلا أقدر عليه إلا بعد يوم أو يومين ، فقال : إذا قدرت عليه ، وليس فيه أثر ولا خدش إلا رميتك ، فكل ، وإن وجدت فيه أثر غير رميتك فلا تأكله ، أو قال : لا تطعمه ، فإنك لا تدري أنت فعلته أو غيرك ، وإذا أرسلت كلبك ، فأخذ ، فأدركته فذكه ، وإن وجدته قد أخذ ، ولم يأكل شيئا منه فكله ، وإن وجدته قد قتله ، فأكل منه فلا تأكل منه شيئا أو قال : لا تأكله ، فإنما أمسك على نفسه .

                                                                                                                                                                                                                              قال عدي : فإني أرسل كلابي ، وأذكر اسم الله ، فتختلط بكلاب غيري ، فيأخذن الصيد فيقتلنه ، قال : لا تأكله ، فإنك لا تدري أكلابك قتلته ، أو كلاب غيرك ؟ .


                                                                                                                                                                                                                              وروى البخاري عن أبي ثعلبة الخشني - رضي الله تعالى عنه- قال : قلت : يا رسول الله إنا بأرض قوم من أهل الكتاب ، أفنأكل في آنيتهم ؟ وبأرض صيد أصيد بقوسي وبكلبي الذي ليس بمعلم ، وبكلبي المعلم ، فما يصلح لي ؟ قال : أما ما ذكرت من آنية أهل الكتاب ، فإن وجدتم غيرها ، فلا تأكلوا فيها ، وإن لم تجدوا فاغسلوها وكلوا فيها ، وما صدت بقوس [ ص: 307 ] فذكرت اسم الله فكل ، وما صدت بكلبك المعلم فذكرت اسم الله ، فكل وما صدت بكلبك غير معلم ، فأدركت ذكاته فكل .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الترمذي والنسائي وأبو داود عن عدي بن حاتم- رضي الله تعالى عنه- قال : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصيد فقال : إذا رميت سهمك فاذكر اسم الله- عز وجل- فإن وجدته قد قتل فكل إلا أن تجده قد وقع في ماء ، ولا تدري الماء قتله أو سهمك .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الإمام أحمد عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن أبا ثعلبة الخشيني أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ، إن لي كلابا مكلبة ، فأفتني في صيدها ، فقال : إن كانت لك كلاب مكلبة فكل مما أمسكت عليك ، فقال : يا رسول الله ، ذكي وغير ذكي ؟ قال : ذكي وغير ذكي ، قال : وإن أكل منه ؟ قال : وإن أكل منه ، قال : يا رسول الله ، أفتني في قوسي ، قال : كل ما أمسكت عليك قوسك ، قال : ذكي وغير ذكي ؟ قال : ذكي وغير ذكي ، قال : وإن تغيب عني ؟ قال : وإن تغيب عنك ما لم يصل يعني يتغير أو تجد فيه أثر غير سهمك ، قال : يا رسول الله ، أفتنا في آنية المجوس إذا اضطررنا إليها ، قال : إذا اضطررتم إليها فاغسلوها بالماء واطحنوا فيها .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الإمام أحمد وأبو داود عن أبي العشراء عن أبيه قال : قلت : يا رسول الله ، أما تكون الذكاة إلا في الحلق واللبة ؟ قال : لو طعنت في فخذها لأجزأ عنك .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الإمام أحمد والبيهقي وأبو داود عن أبي سعيد الخدري- رضي الله تعالى عنه- قال : سألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الجنين يكون في بطن أمه أنلقيه ، أم نأكله ؟ قال : كلوه إن شئتم فإن ذكاته ذكاة أمه .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الإمام الشافعي عن رافع بن خديج- رضي الله تعالى عنهما- قال : قلنا : يا رسول الله ، إنا ملاقو العدو غدا ، وليست معنا مدى أنذكي بالليط فقال النبي صلى الله عليه وسلم «ما أنهر الدم وذكر عليه اسم الله تعالى ، فكلوا إلا ما كان من سن أو ظفر ، فإن السن عظم من الإنسان والظفر هذا من مدى الحبش» .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الإمام أحمد وأبو داود عن عدي بن حاتم- رضي الله تعالى عنه- قال : قلت : يا رسول الله ، إن أحدنا أصاب صيدا ، وليس معه سكين أيذبح بالمروة وشقة العصا ؟ فقال : أمرر الدم بما شئت ؟ واذكر اسم الله .

                                                                                                                                                                                                                              وروي عن عائشة - رضي الله تعالى عنها- قالت : إن قوما قالوا : يا رسول الله ، إن قوما يأتون باللحم لا ندري أذكروا اسم الله عليها ، أم لم يذكروا ، أنأكل منها ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «سموا الله وكلوا» وكانوا حديثي عهد بكفر .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الدارقطني عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه- قال : سأل رجل [ ص: 308 ] رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ، أرأيت الرجل منا يذبح وينسى أن يسمي ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اسم الله على كل مسلم .

                                                                                                                                                                                                                              وروى أبو داود عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنه- قال : جاء اليهود إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا : إنا نأكل مما قتلنا ولا نأكل مما قتل الله ؟ فأنزل الله : ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه [الأنعام : 121] إلى آخر الآية .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الترمذي عن خزيمة بن جزء- رضي الله تعالى عنه- قال : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الضبع فقال : أويأكل الضبع أحد ؟ وسألته عن أكل الذئب ، فقال : أويأكل الذئب أحد فيه خير .

                                                                                                                                                                                                                              وروى ابن جرير عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما- قال : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر عن الضب ، فقال : لا أحله ولا أحرمه .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الإمام أحمد والطبراني في الكبير والحاكم والبيهقي عن أبي واقد أن رجلا قال : يا رسول الله ، إنا بأرض تصيبنا بها مخمصة فماذا يصلح لنا من الميتة ؟ قال : إذا لم تصطبحوا ، أو لم تغتبقوا ولم تحتفوا فشأنكم بها .

                                                                                                                                                                                                                              وروي عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما- قال : دخلت أنا ، وخالد بن الوليد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بيت ميمونة فأتي بضب محنوذ فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده عن الضب ، فقال خالد : أحرام الضب يا رسول الله ؟ قال : لا ، ولكن لم يكن بأرض قومي فأجدني أعافه .

                                                                                                                                                                                                                              قال خالد : فاجتررته فأكلته ورسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر إلي .


                                                                                                                                                                                                                              روي أيضا بلفظ أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : لا آمر به ولا أنهي عنه ، أو قال : لا أحله ولا أحرمه .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الترمذي وحسنه عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما- أن رجلا قال : يا رسول الله إني إذا أصبت اللحم انتشرت للنساء ، وأخذتني شهوتي ، فحرمت علي اللحم فأنزل الله تعالى يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين وكلوا مما رزقكم الله حلالا طيبا [المائدة : 87 ، 88] .

                                                                                                                                                                                                                              وروى مسلم عن أبي أيوب- رضي الله تعالى عنه- قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتي بطعام أكل منه ، وبعث بفضلة إلي وإنه بعث إلي يوما بفضلة لم يأكل منها ، لأن فيها ثوما .

                                                                                                                                                                                                                              فسألته : أحرام هو ؟ قال : «لا ولكني أكرهه من أجل ريحه» .


                                                                                                                                                                                                                              وروى الإمام أحمد عنه قال أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بقصعة فيها بصل فقال : كلوا وأبى أن يأكل ، وقال : إني لست كمثلكم . [ ص: 309 ]

                                                                                                                                                                                                                              وروى ابن ماجه عن سلمان- رضي الله تعالى عنه- قال : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن السمن والجبن والفراء فقال : الحلال ما أحل الله تعالى في كتابه ، والحرام ما حرم الله تعالى في كتابه ، وما سكت عنه فهو ما عفا عنه .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الإمام أحمد وأبو داود عن قبيصة بن هلب عن أبيه- رضي الله تعالى عنه- قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : وسأله رجل فقال : إن من الطعام طعاما أتحرج منه فقال : طعام لا يختلجن في نفسك شيء ضارعت فيه النصرانية .

                                                                                                                                                                                                                              المضارعة المشابهة والمقاربة ، وذلك أنه سأله على طعام النصارى ، فكأنه أراد أن لا يحركن في نفسك شك ، أن ما شبهت فيه النصارى حرام أو مكروه .

                                                                                                                                                                                                                              وروى البخاري والترمذي عن عقبة بن عامر- رضي الله تعالى عنه- قال : قلت للنبي صلى الله عليه وسلم : إنك تبعثنا فننزل بقوم لا يقروننا فما ترى فيه ؟ فقال لنا : إن نزلتم بقوم فأمر لكم بما ينبغي للضيف فاقبلوا فإن لم يفعلوا فخذوا منهم حق الضيف .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الترمذي عن عوف بن مالك الجشمي- رضي الله تعالى عنه- قال : قلت : يا رسول الله ، أرأيت إن مررت برجل ، فلم يقرني ولم يضفني ، ثم مر بي بعد ذلك أقريه أم أجزيه ؟ قال : بل أقره .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الإمامان مالك وأحمد عن رجل من ضمرة عن أبيه قال سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن العقيقة ، قال : لا أحب العقوق ، وكأنه كره الاسم ، وقال : من ولد له مولود فأحب أن ينسك عنه ، فليفعل .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الإمام أحمد وأبو داود عن ابن عمرو- رضي الله تعالى عنهما- قال : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن العقيقة ، فقال : لا يحب الله تعالى العقوق ، كأنه كره الاسم .

                                                                                                                                                                                                                              وقال : «من ولد له ولد فأحب أن ينسك عنه فلينسك عن الغلام شاتين مكافأتين ، وعن الجارية شاة» وسئل عن الفرع قال : «والفرع حق وأن تتركوه حتى يكون بكرا شغزبا ابن مخاض أو ابن لبون فتعطيه أرملة أو تحمل عليه في سبيل الله خير من أن تذبحه ، فيلزق لحمه بوبره ، وتكفئ إناءك وتوله ناقتك» .


                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية