الباب الثاني في
nindex.php?page=treesubj&link=20759_18626إعجاز القرآن واعتراف مشركي قريش بإعجازه ، وأنه لا يشبه شيئا من كلام البشر ، ومن أسلم لذلك
قال الله سبحانه وتعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=88قل لئن اجتمعت الإنس والجن [الإسراء - 88] منهم
العرب العاربة وأرباب البيان وتفانوا على أن يأتوا بمثل هذا القرآن من بلاغته وحسن نظمه وقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=88لا يأتون بمثله [الإسراء : 88] جواب قسم محذوف
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=88ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا [الإسراء : 88] معينا على الإتيان بمثله ، ولم يدرج الملائكة في الفريقين مع عجزهم أيضا عنه ، لأنهما هما المتحديان ، ومن ثم تعجبت الجن من حسن نظمه وبلاغته البالغة أقصى درجاتها ، فقالوا :
nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=1إنا سمعنا قرآنا عجبا nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=2يهدي إلى الرشد فآمنا به [الجن : 1- 2]
وقال النبي صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=654598«ما من الأنبياء نبي إلا أعطي من الآيات ما مثله آمن عليه البشر ، وإنما كان الذي أوتيته وحيا أوحاه الله- عز وجل- فأرجو أن أكون أكثرهم تابعا» رواه الشيخان .
قال
الحافظ- رحمه الله- قوله :
nindex.php?page=hadith&LINKID=654598«ما من الأنبياء نبي إلا أعطي» هذا دال على أن
nindex.php?page=treesubj&link=28752النبي صلى الله عليه وسلم لا بد له من معجزة تقتضي إيمان من شاهدها بصدقه ، ولا يضره من أصر على المعاندة قال
nindex.php?page=showalam&ids=13441ابن قرقول : «من» الأولى بيانية والثانية زائدة ، و«ما» موصولة أو نكرة موصوفة ، ووقعت مفعولا ثانيا «لأعطي» و«مثله» مبتدأ آمن خبره ، والجملة صفة للنكرة صلة الموصول والراجع إلى الموصول ضمير المجرور في «عليه» أي مغلوبا عليه في التحدي والمباراة ، والمراد بالآيات المعجزات ، وموقع المثل هنا موقعه في قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=23فأتوا بسورة من مثله [البقرة - 23] أي مما يبين عليه صفته في البيان وعلو الطبقة في حسن النظم ، والمثل يطلق ويراد به عين الشيء وما يساويه ، والمعنى إن كل نبي من الأنبياء قد أعطاه الله تعالى من المعجزات الدالة على نبوته الشيء الذي من صفته ، أنه إذا شوهد اضطر الشاهد إلى الإيمان به .
وتحريره : إن كل نبي اختص بما يثبت دعواه من خوارق العادات حسب زمانه ، فإذا انقطع زمانه انقطعت تلك المعجزة فكانت تلقف ما صنعوا
nindex.php?page=treesubj&link=31942كقلب العصا ثعبانا في زمن موسى فخص كل نبي بما أثبت به دعواه من خوارق العادات المناسبة لحال قومه ، وإخراج اليد بيضاء وإنما كان كذلك ، لأنه الغالب في زمانه السحر ، إذ كان ماشيا عند فرعون فأتاهم بما هو فوقه فاضطرهم إلى الإيمان به ولم يقع ذلك لغيره ، وفي زمن
عيسى الطب ، فجاءهم بما هو أعلى منه من إبراء الأكمه والأبرص بما ليس في قدرة بشر وهو إحياء الميت ، وأما النبي صلى الله عليه وسلم فأرسله في
العرب العرباء أصل الفصاحة والبلاغة وتأليف الكلام على أعلى طبقاتها ومحاسن بدايتها باسم القرآن فأعجزهم عن الإتيان بأقصر سورة منه وقوله «آمن» وقع في رواية حكاها ابن قرقول
[ ص: 413 ]
«أومن» بضم الهمزة ثم واو وقوله «عليه» هنا بمعنى اللام أو الباء الموحدة والنكتة في التعبير بها تضمنها معنى الغلبة ، أي يؤمن بذلك مغلوبا عليه بحيث لا يستطيع دفعه عن نفسه لكنه قد يجحد فيعاند ، كما قال الله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=14وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما [النمل - 14] وقال
الطيبي : المجرور في «عليه» حال ، أي مقلوبا عليه في التحدي ، وموقع المثل موقعه من قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=23فأتوا بسورة من مثله [البقرة - 23] أي من صفته من البيان وعلو الطبقة في البلاغة ، وقوله : «وإنما كان الذي أوتيته وحيا» إلخ ، معناه معظم الذي أوتيته وإلا فقد أوتي من المعجزات ما لا ينحصر والمراد به القرآن وقد تقدم أنه المعجزة الباقية على وجه الدوام إلى يوم القيامة لبلوغه أعلى طبقات البلاغة وأقصى غايات الإعجاز ، فلا يتأتى لأحد أن يأتي بأقصر سورة منه لجزالة تركيبه ، وفخامة ترتيبه الخارج عن طوق البشر ، وليس المراد حصر معجزاته فيه ولا أنه لم يؤت من المعجزات ما أوتي من تقدمه ، المراد به المعجزة العظمى التي اختصه بها دون غيره ، لأن كل نبي أعطي معجزة خاصة به لم يعطها بعينها غيره تحدى بها قومه ، ولذلك رتب على قوله : «وأرجو أن أكون أكثرهم تابعا يوم القيامة» يريد لاضطرار الناس إلى الإيمان به إلى يوم القيامة وذكر ذلك على وجه الرجاء لعدم العلم بما في الأقدار السابقة وقيل المعنى أن معجزات الأنبياء انقرضت بانقراض أعمارهم ، فلم يشاهدها إلا من حضرها
nindex.php?page=treesubj&link=25036_25029ومعجزة القرآن مستمرة إلى يوم القيامة ، وخرق العادة في أسلوبه وبلاغته وإخباره بالمغيبات ، فلا يمر عصر من الأعصار إلا ويظهر فيه شيء مما أخبر أنه سيكون يدل على صحة دعواه ، ولهذا قال
nindex.php?page=hadith&LINKID=654598«وأرجو أن أكون أكثرهم تابعا يوم القيامة» .
قال
الحافظ : هذا أقوى المحتملات وتكميله في الذي بعده .
وقيل : المعنى أن المعجزات الماضية كانت حسية تشاهد بالأبصار
nindex.php?page=treesubj&link=31845كناقة صالح nindex.php?page=treesubj&link=31942وعصا موسى ، ومعجزة القرآن تشاهد بالبصيرة مرة فيكون من يتبعه لأجلها أكثر ، لأن الذي يشاهد بعين الرأس ينقرض بانقراض مشاهده ، والذي يشاهد بعين العقل يشاهده كل من جاء بعد الأول مستمرا ، قال
الحافظ- رحمه الله تعالى- : ويمكن نظم هذه الأقوال كلها في كلام واحد ، فإن محصلها لا ينافي بعضه بعضا ، رتب صلى الله عليه وسلم قوله :
nindex.php?page=hadith&LINKID=654598«فأرجو أن أكون أكثرهم تابعا يوم القيامة» على ما تقدم من معجزة القرآن المستمرة لكثرة فائدته وعموم نفعه ، لاشتماله على الدعوة والحجة والإخبار بما سيكون فعم نفعه من حضر ومن غاب ومن وجد ومن سيوجد ، فحسن ترتيب الرجوى المذكورة على ذلك وهذه الرجوى قد تحققت فيه فإنه أكثر الأنبياء تابعا ولا خلاف بين الفقهاء أن
nindex.php?page=treesubj&link=34237_25029_20759_18626كتاب الله- عز وجل- معجز لم يقدر أحد على معارضته مع تحديهم بذلك قال تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=6وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله [التوبة : 6] فلولا
[ ص: 414 ]
أن سماعه حجة عليه لم يقف أمره على سماعه ولا يكون حجة وإلا فهو معجزة .
الْبَابُ الثَّانِي فِي
nindex.php?page=treesubj&link=20759_18626إِعْجَازِ الْقُرْآنِ وَاعْتِرَافِ مُشْرِكِي قُرَيْشٍ بِإِعْجَازِهِ ، وَأَنَّهُ لَا يُشْبِهُ شَيْئًا مِنْ كَلَامِ الْبَشَرِ ، وَمَنْ أَسْلَمَ لِذَلِكَ
قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=88قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنْسُ وَالْجِنُّ [الْإِسْرَاءُ - 88] مِنْهُمُ
الْعَرَبُ الْعَارِبَةُ وَأَرْبَابُ الْبَيَانِ وَتَفَانَوْا عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ بَلَاغَتِهِ وَحُسْنِ نَظْمِهِ وَقَوْلُهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=88لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ [الْإِسْرَاءُ : 88] جَوَابُ قَسَمٍ مَحْذُوفٍ
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=88وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا [الْإِسْرَاءُ : 88] مُعِينًا عَلَى الْإِتْيَانِ بِمِثْلِهِ ، وَلَمْ يُدْرِجِ الْمَلَائِكَةَ فِي الْفَرِيقَيْنِ مَعَ عَجْزِهِمْ أَيْضًا عَنْهُ ، لِأَنَّهُمَا هُمَا الْمُتَحَدَّيَانِ ، وَمِنْ ثَمَّ تَعَجَّبَتِ الْجِنُّ مِنْ حُسْنِ نَظْمِهِ وَبَلَاغَتِهِ الْبَالِغَةِ أَقْصَى دَرَجَاتِهَا ، فَقَالُوا :
nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=1إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=2يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ [الْجِنُّ : 1- 2]
وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=654598«مَا مِنَ الْأَنْبِيَاءِ نَبِيٌّ إِلَّا أُعْطِيَ مِنَ الْآيَاتِ مَا مِثْلُهُ آمَنَ عَلَيْهِ الْبَشَرُ ، وَإِنَّمَا كَانَ الَّذِي أُوتِيتُهُ وَحْيًا أَوْحَاهُ اللَّهُ- عَزَّ وَجَلَّ- فَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَكْثَرَهُمْ تَابِعًا» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ .
قَالَ
الْحَافِظُ- رَحِمَهُ اللَّهُ- قَوْلُهُ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=654598«مَا مِنَ الْأَنْبِيَاءِ نَبِيٌّ إِلَّا أُعْطِيَ» هَذَا دَالٌّ عَلَى أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=28752النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ مُعْجِزَةٍ تَقْتَضِي إِيمَانَ مَنْ شَاهَدَهَا بِصِدْقِهِ ، وَلَا يَضُرُّهُ مَنْ أَصَرَّ عَلَى الْمُعَانَدَةِ قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13441ابْنُ قُرْقُولٍ : «مِنْ» الْأُولَى بَيَانِيَّةٌ وَالثَّانِيَةُ زَائِدَةٌ ، وَ«مَا» مَوْصُولَةٌ أَوْ نَكِرَةٌ مَوْصُوفَةٌ ، وَوَقَعَتْ مَفْعُولًا ثَانِيًا «لِأُعْطِيَ» وَ«مِثْلُهُ» مُبْتَدَأٌ آمَنَ خَبَرُهُ ، وَالْجُمْلَةُ صِفَةٌ لِلنَّكِرَةِ صِلَةُ الْمَوْصُولِ وَالرَّاجِعُ إِلَى الْمَوْصُولِ ضَمِيرُ الْمَجْرُورِ فِي «عَلَيْهِ» أَيْ مَغْلُوبًا عَلَيْهِ فِي التَّحَدِّي وَالْمُبَارَاةِ ، وَالْمُرَادُ بِالْآيَاتِ الْمُعْجِزَاتُ ، وَمَوْقِعُ الْمَثَلِ هُنَا مَوْقِعُهُ فِي قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=23فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ [الْبَقَرَةُ - 23] أَيْ مِمَّا يُبَيِّنُ عَلَيْهِ صِفَتَهُ فِي الْبَيَانِ وَعُلُوِّ الطَّبَقَةِ فِي حُسْنِ النَّظْمِ ، وَالْمَثَلُ يُطْلَقُ وَيُرَادُ بِهِ عَيْنُ الشَّيْءِ وَمَا يُسَاوِيهِ ، وَالْمَعْنَى إِنَّ كُلَّ نَبِيٍّ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ قَدْ أَعْطَاهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنَ الْمُعْجِزَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى نُبُوَّتِهِ الشَّيْءَ الَّذِي مِنْ صِفَتِهِ ، أَنَّهُ إِذَا شُوهِدَ اضْطَرَّ الشَّاهِدُ إِلَى الْإِيمَانِ بِهِ .
وَتَحْرِيرُهُ : إِنَّ كُلَّ نَبِيٍّ اخْتَصَّ بِمَا يُثْبِتُ دَعْوَاهُ مِنْ خَوَارِقِ الْعَادَاتِ حَسَبَ زَمَانِهِ ، فَإِذَا انْقَطَعَ زَمَانُهُ انْقَطَعَتْ تِلْكَ الْمُعْجِزَةُ فَكَانَتْ تَلْقَفُ مَا صَنَعُوا
nindex.php?page=treesubj&link=31942كَقَلْبِ الْعَصَا ثُعْبَانًا فِي زَمَنِ مُوسَى فَخُصَّ كُلُّ نَبِيٍّ بِمَا أَثْبَتَ بِهِ دَعَوَاهُ مِنْ خَوَارِقِ الْعَادَاتِ الْمُنَاسِبَةِ لِحَالِ قَوْمِهِ ، وَإِخْرَاجِ الْيَدِ بَيْضَاءَ وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ ، لِأَنَّهُ الْغَالِبُ فِي زَمَانِهِ السِّحْرُ ، إِذْ كَانَ مَاشِيًا عِنْدَ فِرْعَوْنَ فَأَتَاهُمْ بِمَا هُوَ فَوْقَهُ فَاضْطَرَّهُمْ إِلَى الْإِيمَانِ بِهِ وَلَمْ يَقَعْ ذَلِكَ لِغَيْرِهِ ، وَفِي زَمَنِ
عِيسَى الطِّبُّ ، فَجَاءَهُمْ بِمَا هُوَ أَعْلَى مِنْهُ مِنْ إِبْرَاءِ الْأَكْمَهِ وَالْأَبْرَصِ بِمَا لَيْسَ فِي قُدْرَةِ بَشَرٍ وَهُوَ إِحْيَاءُ الْمَيِّتِ ، وَأَمَّا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَرْسَلَهُ فِي
الْعَرَبِ الْعَرْبَاءِ أَصْلِ الْفَصَاحَةِ وَالْبَلَاغَةِ وَتَأْلِيفِ الْكَلَامِ عَلَى أَعْلَى طَبَقَاتِهَا وَمَحَاسِنِ بِدَايَتِهَا بِاسْمِ الْقُرْآنِ فَأَعْجَزَهُمْ عَنِ الْإِتْيَانِ بِأَقْصَرِ سُورَةٍ مِنْهُ وَقَوْلُهُ «آمَنَ» وَقَعَ فِي رِوَايَةٍ حَكَاهَا ابْنُ قُرْقُولٍ
[ ص: 413 ]
«أُومِنُ» بِضَمِّ الْهَمْزَةِ ثُمَّ وَاوٍ وَقَوْلُهُ «عَلَيْهِ» هُنَا بِمَعْنَى اللَّامِ أَوِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَالنُّكْتَةُ فِي التَّعْبِيرِ بِهَا تَضَمُّنُهَا مَعْنَى الْغَلَبَةِ ، أَيْ يُؤْمِنُ بِذَلِكَ مَغْلُوبًا عَلَيْهِ بِحَيْثُ لَا يَسْتَطِيعُ دَفْعَهُ عَنْ نَفْسِهِ لَكِنَّهُ قَدْ يَجْحَدُ فَيُعَانِدُ ، كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=14وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا [النَّمْلُ - 14] وَقَالَ
الطِّيبِيُّ : الْمَجْرُورُ فِي «عَلَيْهِ» حَالٌ ، أَيْ مَقْلُوبًا عَلَيْهِ فِي التَّحَدِّي ، وَمَوْقِعُ الْمَثَلِ مَوْقِعُهُ مِنْ قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=23فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ [الْبَقَرَةُ - 23] أَيْ مِنْ صِفَتِهِ مِنَ الْبَيَانِ وَعُلُوِّ الطَّبَقَةِ فِي الْبَلَاغَةِ ، وَقَوْلُهُ : «وَإِنَّمَا كَانَ الَّذِي أُوتِيتُهُ وَحْيًا» إِلَخْ ، مَعْنَاهُ مُعْظَمُ الَّذِي أُوتِيتُهُ وَإِلَّا فَقَدْ أُوتِيَ مِنَ الْمُعْجِزَاتِ مَا لَا يَنْحَصِرُ وَالْمُرَادُ بِهِ الْقُرْآنُ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ الْمُعْجِزَةُ الْبَاقِيَةُ عَلَى وَجْهِ الدَّوَامِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لِبُلُوغِهِ أَعْلَى طَبَقَاتِ الْبَلَاغَةِ وَأَقْصَى غَايَاتِ الْإِعْجَازِ ، فَلَا يَتَأَتَّى لِأَحَدٍ أَنْ يَأْتِيَ بِأَقْصَرِ سُورَةٍ مِنْهُ لِجَزَالَةِ تَرْكِيبِهِ ، وَفَخَامَةِ تَرْتِيبِهِ الْخَارِجِ عَنْ طَوْقِ الْبَشَرِ ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ حَصْرَ مُعْجِزَاتِهِ فِيهِ وَلَا أَنَّهُ لَمْ يُؤْتَ مِنَ الْمُعْجِزَاتِ مَا أُوتِيَ مَنْ تَقَدَّمَهُ ، الْمُرَادُ بِهِ الْمُعْجِزَةُ الْعُظْمَى الَّتِي اخْتَصَّهُ بِهَا دُونَ غَيْرِهِ ، لِأَنَّ كُلَّ نَبِيٍّ أُعْطِيَ مُعْجِزَةً خَاصَّةً بِهِ لَمْ يُعْطَهَا بِعَيْنِهَا غَيْرُهُ تَحَدَّى بِهَا قَوْمَهُ ، وَلِذَلِكَ رَتَّبَ عَلَى قَوْلِهِ : «وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَكْثَرَهُمْ تَابِعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ» يُرِيدُ لِاضْطِرَارِ النَّاسِ إِلَى الْإِيمَانِ بِهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَذَكَرَ ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ الرَّجَاءِ لِعَدَمِ الْعِلْمِ بِمَا فِي الْأَقْدَارِ السَّابِقَةِ وَقِيلَ الْمَعْنَى أَنَّ مُعْجِزَاتِ الْأَنْبِيَاءِ انْقَرَضَتْ بِانْقِرَاضِ أَعْمَارِهِمْ ، فَلَمْ يُشَاهِدْهَا إِلَّا مَنْ حَضَرَهَا
nindex.php?page=treesubj&link=25036_25029وَمُعْجِزَةُ الْقُرْآنِ مُسْتَمِرَّةٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ، وَخَرْقُ الْعَادَةِ فِي أُسْلُوبِهِ وَبَلَاغَتِهِ وَإِخْبَارِهِ بِالْمُغَيَّبَاتِ ، فَلَا يَمُرُّ عَصْرٌ مِنَ الْأَعْصَارِ إِلَّا وَيَظْهَرُ فِيهِ شَيْءٌ مِمَّا أَخْبَرَ أَنَّهُ سَيَكُونُ يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ دَعْوَاهُ ، وَلِهَذَا قَالَ
nindex.php?page=hadith&LINKID=654598«وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَكْثَرَهُمْ تَابِعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ» .
قَالَ
الْحَافِظُ : هَذَا أَقْوَى الْمُحْتَمَلَاتِ وَتَكْمِيلُهُ فِي الَّذِي بَعْدَهُ .
وَقِيلَ : الْمَعْنَى أَنَّ الْمُعْجِزَاتِ الْمَاضِيَةَ كَانَتْ حِسِّيَّةً تُشَاهَدُ بِالْأَبْصَارِ
nindex.php?page=treesubj&link=31845كَنَاقَةِ صَالِحٍ nindex.php?page=treesubj&link=31942وَعَصَا مُوسَى ، وَمُعْجِزَةُ الْقُرْآنِ تُشَاهَدُ بِالْبَصِيرَةِ مَرَّةً فَيَكُونُ مَنْ يَتْبَعُهُ لِأَجْلِهَا أَكْثَرَ ، لِأَنَّ الَّذِي يُشَاهَدُ بِعَيْنِ الرَّأْسِ يَنْقَرِضُ بِانْقِرَاضِ مُشَاهِدِهِ ، وَالَّذِي يُشَاهَدُ بِعَيْنِ الْعَقْلِ يُشَاهِدُهُ كُلٌّ مَنْ جَاءَ بَعْدَ الْأَوَّلِ مُسْتَمِرًّا ، قَالَ
الْحَافِظُ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- : وَيُمْكِنُ نَظْمُ هَذِهِ الْأَقْوَالِ كُلِّهَا فِي كَلَامٍ وَاحِدٍ ، فَإِنَّ مُحَصِّلَهَا لَا يُنَافِي بَعْضُهُ بَعْضًا ، رَتَّبَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْلَهُ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=654598«فَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَكْثَرَهُمْ تَابِعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ» عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ مُعْجِزَةِ الْقُرْآنِ الْمُسْتَمِرَّةِ لِكَثْرَةِ فَائِدَتِهِ وَعُمُومِ نَفْعِهِ ، لِاشْتِمَالِهِ عَلَى الدَّعْوَةِ وَالْحُجَّةِ وَالْإِخْبَارِ بِمَا سَيَكُونُ فَعَمَّ نَفْعُهُ مَنْ حَضَرَ وَمَنْ غَابَ وَمَنْ وُجِدَ وَمَنْ سَيُوجَدُ ، فَحَسُنَ تَرْتِيبُ الرَّجْوَى الْمَذْكُورَةِ عَلَى ذَلِكَ وَهَذِهِ الرَّجْوَى قَدْ تَحَقَّقَتْ فِيهِ فَإِنَّهُ أَكْثَرُ الْأَنْبِيَاءِ تَابِعًا وَلَا خِلَافَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=34237_25029_20759_18626كِتَابَ اللَّهِ- عَزَّ وَجَلَّ- مُعْجِزٌ لَمْ يَقْدِرْ أَحَدٌ عَلَى مُعَارَضَتِهِ مَعَ تَحَدِّيهِمْ بِذَلِكَ قَالَ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=6وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ [التَّوْبَةُ : 6] فَلَوْلَا
[ ص: 414 ]
أَنَّ سَمَاعَهُ حُجَّةٌ عَلَيْهِ لَمْ يَقِفْ أَمْرُهُ عَلَى سَمَاعِهِ وَلَا يَكُونُ حُجَّةً وَإِلَّا فَهُوَ مُعْجِزَةٌ .