الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل :

                                                                                                                                            فإذا ثبت جواز القتال ، فوجوبه معتبر بما أراده الطالب ، وذلك ينقسم ثلاثة أقسام :

                                                                                                                                            أحدها : أن يريد مال المطلوب دون دمه وحريمه ، فهذا القتال مباح ، والمطلوب مخير بين قتال الطالب وبين الاستسلام وتسليم ماله ، ولا يجب عليه أن يمنع منه .

                                                                                                                                            والقسم الثاني : أن يريد الطالب حريم المطلوب لإتيان الفاحشة ، فواجب على المطلوب أن يقاتل عنها ويمنع .

                                                                                                                                            والقسم الثالث : أن يريد الطالب نفس المطلوب ، ففي وجوب قتاله ودفعه عن نفسه وجهان :

                                                                                                                                            [ ص: 141 ] أحدهما : يجب عليه أن يقاتل عنها ويدفع : لقوله تعالى : ولا تقتلوا أنفسكم [ النساء : 29 ]

                                                                                                                                            وقوله : ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة [ البقرة : 195 ] .

                                                                                                                                            كما يجب على المضطر من الجوع إحياء نفسه بأكل ما وجده من الطعام .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : وهو قول أبي إسحاق المروزي : لا يجب عليه القتال والدفع ، ويكون مخيرا بينه وبين الاستسلام ، طلبا لثواب الشهادة : لقوله تعالى : لئن بسطت إلي يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك [ المائدة : 28 ] .

                                                                                                                                            ولأن عثمان بن عفان رضي الله عنه حين أريدت نفسه منع عنه عبيده ، فكفهم ، وقال لهم : من أغمد سيفه فهو حر .

                                                                                                                                            وأتى رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ، أرأيت لو أن رجلا انغمس في العدو حتى قتل صابرا محتسبا ، أيحجزه عن الجنة شيء ؟ فقال : لا ، إلا الدين . فانغمس في العدو حتى قتل ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يراه ولا يمنعه .

                                                                                                                                            فأما المضطر جوعا إذا وجد طعاما وهو يخاف التلف .

                                                                                                                                            فإن كان مالكا للطعام أو لم يكن مالكا له ، وكان قادرا على ثمنه ، فواجب عليه إحياء نفسه بأكله وجها واحدا ، بخلاف من أريد دمه في أحد الوجهين : لأن في القتل شهادة يرجو بها الثواب ، وليس في ترك الأكل شهادة يثاب عليها .

                                                                                                                                            وإن كان الطعام لغيره وهو غير قادر على ثمنه ، ففي وجوب إحياء نفسه بأكله وجهان .

                                                                                                                                            وهكذا لو وجد ميتة كان في وجوب أكلها وجهان :

                                                                                                                                            أحدهما : يجب تغليبا لإحياء النفس .

                                                                                                                                            والثاني وهو قول أبي إسحاق المروزي : يكون مخيرا فيه ، ولا يجب عليه لتنزيه نفسه عن نجاسة الميتة ، وإبراء ذمته من التزام ذنب لا يعذر عليه .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية