[ ص: 143 ] باب
nindex.php?page=treesubj&link=9537الخلاف في قتال أهل البغي
مسألة : قال
الشافعي رحمه الله : قال بعض الناس : إذا كانت الحرب قائمة استمتع بدوابهم وسلاحهم ، وإذا انقضت الحرب فذلك رد . قلت : أرأيت إن عارضك وإيانا معارض يستحل مال من يستحل دمه ؟ فقال : الدم أعظم ، فإذا حل الدم حل المال ، هل لك من حجة إلا أن هذا في أهل الحرب الذين ترق أحرارهم وتسبى نساؤهم وذراريهم ، والحكم في أهل القبلة خلافهم ، وقد يحل دم الزاني المحصن والقاتل ولا تحل أموالهما بجنايتهما ، والباغي أخف حالا منهما ، ويقال لهما : مباحا الدم مطلقا ، ولا يقال للباغي : مباح الدم ، وإنما يقال : يمنع من البغي إن قدر على منعه بالكلام ، أو كان غير ممتنع لا يقاتل لم يحل قتاله ، قال : إني إنما آخذ سلاحهم : لأنه أقوى لي وأوهن لهم ما كانوا مقاتلين . فقلت له : فإذا أخذت ماله وقتل فقد صار ملكه كطفل أو كبير لم يقاتلك قط ، أفتقوى بمال غائب غير باغ على باغ ؟ فقلت له : أرأيت لو وجدت لهم دنانير أو دراهم تقويك عليهم أتأخذها ؟ قال : لا ، قلت : فقد تركت ما هو أقوى لك عليهم من السلاح في بعض الحالات ، قال : فإن صاحبنا يزعم أنه لا يصلى على قتلى أهل البغي . قلت : ولم وهو يصلي على من قتله في حد يجب عليه قتله ، ولا يحل له تركه ؟ والباغي محرم قتله موليا وراجعا عن البغي ، ولو ترك الصلاة على أحدهما دون الآخر كان من لا يحل إلا قتله بترك الصلاة أولى . ( قال ) : كأنه ذهب إلى أن ذلك عقوبة لينكل بها غيره . قلت : وإن كان ذلك جائزا ، فاصلبه أو حرقه أو حز رأسه ، وابعث به فهو أشد في العقوبة . قال : لا أفعل به شيئا من هذا . قلت له : هل يبالي من يقاتلك على أنك كافر لا يصلى عليك وصلاتك لا تقربه إلى ربه ؟ وقلت له : أيمنع الباغي أن تجوز شهادته أو يناكح أو شيئا مما يجري لأهل الإسلام ؟ قال : لا . قلت : فكيف منعته الصلاة وحدها ؟ " .
قال
الماوردي : إذا
nindex.php?page=treesubj&link=26694ظفر أهل العدل بدواب أهل البغي وسلاحهم لم يجز أن
[ ص: 144 ] يملك عليهم ، ولا أن يستعان بها في قتالهم ، وتحبس عنهم مدة الحرب كما تحبس فيها أسراهم ، فإذا انقضت الحرب رد عليهم .
وقال
أبو حنيفة : يجوز أن يستعان على حربهم بدوابهم وسلاحهم : لقول الله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=9فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله [ الحجرات : 9 ] .
فكان الأمر بقتالهم على عمومه ، المشتمل على دوابهم وسلاحهم : ولأن كل طائفة جاز قتالها بغير سلاحها ودوابها ، جاز قتالها بسلاحها ودوابها كأهل الحرب .
ولأنه لما جاز حبسه عنهم إضعافا لهم جاز قتالهم به ، معونة عليهم : لأن كلا الأمرين كاف لهم .
ودليلنا : قول النبي صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=923215لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه . فكان على عمومه .
ولأن كل من لا يجوز أن ينتفع من ماله بغير الكراع والسلاح لم يجز أن ينتفع من ماله بالكراع والسلاح كأهل العدل .
ولأن كل ما لا يجوز أن ينتفع به من مال أهل العدل لم يجز أن ينتفع به من مال أهل البغي كسائر الأموال .
ولأن أهل البغي يملكون رقابها ومنافعها ، فلما لم تستبح بالبغي أن تملك عليهم رقابها لم يستبح أن تملك به منافعها .
فأما الآية : فلا دليل فيها : لأنها تضمنت الأمر بالقتال ، ولم تتضمن صفة القتال .
وأما قياسهم على أهل الحرب : فلأنه لما جاز أن يتملك عليهم رقابها ، جاز أن يتملك عليهم منافعها ، وأهل البغي بخلافهم .
وأما الجواب عن حبسها : فليس جواز حبسها مبيحا للانتفاع بها ، كما جاز حبس أهل البغي ، وإن لم يجز استخدامهم والانتفاع بهم .
[ ص: 143 ] بَابُ
nindex.php?page=treesubj&link=9537الْخِلَافِ فِي قِتَالِ أَهْلِ الْبَغْيِ
مَسْأَلَةٌ : قَالَ
الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ : قَالَ بَعْضُ النَّاسِ : إِذَا كَانَتِ الْحَرْبُ قَائِمَةً اسْتُمْتِعَ بِدَوَابِّهِمْ وَسِلَاحِهِمْ ، وَإِذَا انْقَضَتِ الْحَرْبُ فَذَلِكَ رَدٌّ . قُلْتُ : أَرَأَيْتَ إِنْ عَارَضَكَ وَإِيَّانَا مُعَارِضٌ يَسْتَحِلُّ مَالَ مَنْ يُسْتَحَلُّ دَمُهُ ؟ فَقَالَ : الدَّمُ أَعْظَمُ ، فَإِذَا حَلَّ الدَّمُ حَلَّ الْمَالُ ، هَلْ لَكَ مِنْ حُجَّةٍ إِلَّا أَنَّ هَذَا فِي أَهْلِ الْحَرْبِ الَّذِينَ تُرَقُّ أَحْرَارُهُمْ وَتُسْبَى نِسَاؤُهُمْ وَذَرَارِيُّهُمْ ، وَالْحُكْمُ فِي أَهْلِ الْقِبْلَةِ خِلَافُهُمْ ، وَقَدْ يَحِلُّ دَمُ الزَّانِي الْمُحْصَنِ وَالْقَاتِلِ وَلَا تَحِلُّ أَمْوَالُهُمَا بِجِنَايَتِهِمَا ، وَالْبَاغِي أَخَفُّ حَالًا مِنْهُمَا ، وَيُقَالُ لَهُمَا : مُبَاحَا الدَّمِ مُطْلَقًا ، وَلَا يُقَالُ لِلْبَاغِي : مُبَاحُ الدَّمِ ، وَإِنَّمَا يُقَالُ : يُمْنَعُ مِنَ الْبَغْيِ إِنْ قُدِرَ عَلَى مَنْعِهِ بِالْكَلَامِ ، أَوْ كَانَ غَيْرَ مُمْتَنِعٍ لَا يُقَاتِلُ لَمْ يَحِلَّ قِتَالُهُ ، قَالَ : إِنِّي إِنَّمَا آخُذُ سِلَاحَهُمْ : لِأَنَّهُ أَقْوَى لِي وَأَوْهَنُ لَهُمْ مَا كَانُوا مُقَاتِلِينَ . فَقُلْتُ لَهُ : فَإِذَا أَخَذْتُ مَالَهُ وَقُتِلَ فَقَدْ صَارَ مِلْكَهُ كَطِفْلٍ أَوْ كَبِيرٍ لَمْ يُقَاتِلْكَ قَطُّ ، أَفَتَقْوَى بِمَالِ غَائِبٍ غَيْرِ بَاغٍ عَلَى بَاغٍ ؟ فَقُلْتُ لَهُ : أَرَأَيْتَ لَوْ وَجَدْتَ لَهُمْ دَنَانِيرَ أَوْ دَرَاهِمَ تُقَوِّيكَ عَلَيْهِمْ أَتَأْخُذُهَا ؟ قَالَ : لَا ، قُلْتُ : فَقَدْ تَرَكْتُ مَا هُوَ أَقْوَى لَكَ عَلَيْهِمْ مِنَ السِّلَاحِ فِي بَعْضِ الْحَالَاتِ ، قَالَ : فَإِنَّ صَاحِبَنَا يَزْعُمُ أَنَّهُ لَا يُصَلَّى عَلَى قَتْلَى أَهْلِ الْبَغْيِ . قُلْتُ : وَلِمَ وَهُوَ يُصَلِّي عَلَى مَنْ قَتَلَهُ فِي حَدٍّ يَجِبُ عَلَيْهِ قَتْلُهُ ، وَلَا يَحِلُّ لَهُ تَرْكُهُ ؟ وَالْبَاغِي مُحَرَّمٌ قَتْلُهُ مُوَلِّيًا وَرَاجِعًا عَنِ الْبَغْيِ ، وَلَوْ تَرَكَ الصَّلَاةَ عَلَى أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ كَانَ مَنْ لَا يُحِلُّ إِلَّا قَتْلَهُ بِتَرْكِ الصَّلَاةِ أَوْلَى . ( قَالَ ) : كَأَنَّهُ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ ذَلِكَ عُقُوبَةٌ لِيَنْكُلَ بِهَا غَيْرُهُ . قُلْتُ : وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ جَائِزًا ، فَاصْلُبْهُ أَوْ حَرِّقْهُ أَوْ حُزَّ رَأْسَهُ ، وَابْعَثْ بِهِ فَهُوَ أَشَدُّ فِي الْعُقُوبَةِ . قَالَ : لَا أَفْعَلُ بِهِ شَيْئًا مِنْ هَذَا . قُلْتُ لَهُ : هَلْ يُبَالِي مَنْ يُقَاتِلُكَ عَلَى أَنَّكَ كَافِرٌ لَا يُصَلَّى عَلَيْكَ وَصَلَاتُكَ لَا تُقَرِّبُهُ إِلَى رَبِّهِ ؟ وَقُلْتُ لَهُ : أَيُمْنَعُ الْبَاغِي أَنْ تَجُوزَ شَهَادَتُهُ أَوْ يُنَاكِحَ أَوْ شَيْئًا مِمَّا يَجْرِي لِأَهْلِ الْإِسْلَامِ ؟ قَالَ : لَا . قُلْتُ : فَكَيْفَ مَنَعْتَهُ الصَّلَاةَ وَحْدَهَا ؟ " .
قَالَ
الْمَاوَرْدِيُّ : إِذَا
nindex.php?page=treesubj&link=26694ظَفِرَ أَهْلُ الْعَدْلِ بِدَوَابِّ أَهْلِ الْبَغْيِ وَسِلَاحِهِمْ لَمْ يَجُزْ أَنْ
[ ص: 144 ] يُمْلَكَ عَلَيْهِمْ ، وَلَا أَنْ يُسْتَعَانَ بِهَا فِي قِتَالِهِمْ ، وَتُحْبَسُ عَنْهُمْ مُدَّةَ الْحَرْبِ كَمَا تُحْبَسُ فِيهَا أَسْرَاهُمْ ، فَإِذَا انْقَضَتِ الْحَرْبُ رُدَّ عَلَيْهِمْ .
وَقَالَ
أَبُو حَنِيفَةَ : يَجُوزُ أَنْ يُسْتَعَانَ عَلَى حَرْبِهِمْ بِدَوَابِّهِمْ وَسِلَاحِهِمْ : لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=9فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ [ الْحُجُرَاتِ : 9 ] .
فَكَانَ الْأَمْرُ بِقِتَالِهِمْ عَلَى عُمُومِهِ ، الْمُشْتَمِلِ عَلَى دَوَابِّهِمْ وَسِلَاحِهِمْ : وَلِأَنَّ كُلَّ طَائِفَةٍ جَازَ قِتَالُهَا بِغَيْرِ سِلَاحِهَا وَدَوَابِّهَا ، جَازَ قِتَالُهَا بِسِلَاحِهَا وَدَوَابِّهَا كَأَهْلِ الْحَرْبِ .
وَلِأَنَّهُ لَمَّا جَازَ حَبْسُهُ عَنْهُمْ إِضْعَافًا لَهُمْ جَازَ قِتَالُهُمْ بِهِ ، مَعُونَةً عَلَيْهِمْ : لِأَنَّ كِلَا الْأَمْرَيْنِ كَافٍ لَهُمْ .
وَدَلِيلُنَا : قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=923215لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إِلَّا بِطِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ . فَكَانَ عَلَى عُمُومِهِ .
وَلِأَنَّ كُلَّ مَنْ لَا يَجُوزُ أَنْ يَنْتَفِعَ مِنْ مَالِهِ بِغَيْرِ الْكُرَاعِ وَالسِّلَاحِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَنْتَفِعَ مِنْ مَالِهِ بِالْكُرَاعِ وَالسِّلَاحِ كَأَهْلِ الْعَدْلِ .
وَلِأَنَّ كُلَّ مَا لَا يُجُوزُ أَنْ يَنْتَفِعَ بِهِ مَنْ مَالِ أَهْلِ الْعَدْلِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَنْتَفِعَ بِهِ مَنْ مَالِ أَهْلِ الْبَغْيِ كَسَائِرِ الْأَمْوَالِ .
وَلِأَنَّ أَهْلَ الْبَغْيِ يَمْلِكُونَ رِقَابَهَا وَمَنَافِعَهَا ، فَلَمَّا لَمْ تُسْتَبَحْ بِالْبَغْيِ أَنْ تُمْلَكَ عَلَيْهِمْ رِقَابُهَا لَمْ يُسْتَبَحْ أَنْ تُمْلَكَ بِهِ مَنَافِعُهَا .
فَأَمَّا الْآيَةُ : فَلَا دَلِيلَ فِيهَا : لِأَنَّهَا تَضَمَّنَتِ الْأَمْرَ بِالْقِتَالِ ، وَلَمْ تَتَضَمَّنْ صِفَةَ الْقِتَالِ .
وَأَمَّا قِيَاسُهُمْ عَلَى أَهْلِ الْحَرْبِ : فَلِأَنَّهُ لَمَّا جَازَ أَنْ يَتَمَلَّكَ عَلَيْهِمْ رِقَابَهَا ، جَازَ أَنْ يَتَمَلَّكَ عَلَيْهِمْ مَنَافِعَهَا ، وَأَهْلُ الْبَغْيِ بِخِلَافِهِمْ .
وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ حَبْسِهَا : فَلَيْسَ جَوَازُ حَبْسِهَا مُبِيحًا لِلِانْتِفَاعِ بِهَا ، كَمَا جَازَ حَبْسُ أَهْلِ الْبَغْيِ ، وَإِنْ لَمْ يَجُزِ اسْتِخْدَامُهُمْ وَالِانْتِفَاعُ بِهِمْ .