مسألة : قال  الشافعي      : " ولا أعلم أحدا من المشركين لم تبلغه الدعوة إلا أن يكون خلف الذين يقاتلوه أمة من المشركين خلف الترك والخزر لم تبلغهم الدعوة ، فلا يقاتلون حتى يدعوا إلى الإيمان ، فإن قتل منهم أحد قبل ذلك فعلى من قتله الدية " .  
قال  الماوردي      : وهذا صحيح ، والكفارة ضربان :  
أحدهما :  من بلغتهم دعوة الإسلام   ، وهم من نعرفهم اليوم  كالروم   والترك   ،  والهند   ، ومن في أقطار الأرض من الكفار ، ودعوة الإسلام أن يبلغهم أن الله تعالى بعث  محمدا   بالحجاز   نبيا أرسله إلى كافة الخلق بمعجزة دلت على صدقه يدعوهم إلى توحيده وتصديق رسوله ، وطاعته في العمل بما يأمره به وينهاهم عنه ، وأنه يقاتل من خالفه حتى يؤمن به أو يعطي الجزية إن كان كتابيا ، فإن لم يفعل أحد هذين ، أو كان غير كتابي فلم يؤمن استباح قتله ، فهذه صفة دعوة الإسلام ، فإذا كانوا ممن قد بلغتهم هذه الدعوة ، لم يجب أن يدعوا إليها ثانية إلا على وجه الاستظهار ، والإنذار وجاز أن      [ ص: 213 ] يبدأ بقتالهم زحفا ومصافة ، وجاز أن يبدأ به غرة وبياتا : قد شن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الغارة على  بني المصطلق   وهم غارون في نعمهم  بالمريسيع      : فقتل المقاتلة ، وسبى الذرية ، وقال حين سار إلى فتح  مكة      :  اللهم اطو خبرنا عنهم : حتى لا يعلموا بنا إلا فجأة     : لما قدمه من استدعائهم ، فلم يعلموا به حتى نزل عليهم .  
والضرب الثاني : من الكفار  من لم تبلغهم دعوة الإسلام   ، قال  الشافعي      : " ولا أعلم أحدا اليوم من المشركين ، من لم تبلغه الدعوة إلا أن يكن خلف الذين يقاتلوه أمة من المشركين خلف  الترك   والخزر لم تبلغهم الدعوة " .  
وهذا وإن كان بعيدا في وقت  الشافعي   ، فهو الآن أبعد : لأن الإسلام في زيادة تحقيقا لقول الله تعالى :  ليظهره على الدين كله      [ التوبة : 33 ] . فإن جاز أن يكون الآن قوم لم تبلغهم الدعوة لم يجز الابتداء بقتالهم إلا بعد إظهار الدعوة لهم واستدعائهم بها إلى الإسلام ، ودماؤهم قبل ذلك محقونة ، وأموالهم محظورة ، قال الله تعالى :  وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا      [ الإسراء : 15 ] . وقال الله تعالى :  رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل      [ النساء : 165 ] . وعلى هذا كانت سيرة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في المشركين .  
روى  سليمان بن بريدة   عن أبيه قال : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا بعث أميرا على جيش ، أو سرية وأمره بتقوى الله تعالى في خاصة نفسه ومن معه من المسلمين وقال :  إذا لقيت عدوك من المشركين فادعهم إلى الإسلام ، فإن أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم ، وإن أبوا فادعهم إلى إعطاء الجزية ، فإن أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم ، وإن أبوا فاستعن بالله وقاتلهم     .  
				
						
						
