الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : فإذا ثبت وجود الحدود فيها نظر ، فإن لم يكن في دار الحرب من يستحق إقامتها أخرت إلى دار الإسلام حتى يقيمها الإمام ، وإن كان في دار الحرب من يقيمها وهو الإمام ، أو من ولاه الإمام إقامتها من ولاة الثغور والأقاليم ، نظر ، فإن كان له عذر يمنعه من إقامتها لتشاغله بتدبير الحرب ، أو لحاجته إلى قتال المحدود أخر حده إلى دار الإسلام ، وإن لم يكن له عذر قدم حده في دار الحرب ، وليس ما ذكره المزني عن الشافعي من اختلاف جوابه فيه محمولا على اختلاف قولين ، وإنما هو على ما ذكرناه من اختلاف حالين .

                                                                                                                                            وقال أبو حنيفة : لا تجوز إقامة الحدود في دار الحرب ، وعلى الإمام تأخيرها احتجاجا بما روي أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - كتب إلى أمراء الأجناد أن لا يقيموا الحدود في دار الشرك حتى يعودوا إلى دار الإسلام ، ولا يؤمن أن يتداخله من الأنفة والحمية ما يبعثه على الردة اعتصاما بأهل الحرب ، ودليلنا قول النبي - صلى الله عليه وسلم - : فإنه من يبد لنا صفحته نقم حد الله عليه ، ولم يفرق ، ولأن لله تعالى عليهم حقوقا من عبادات ، وحدود في معاص ، فإذا لم تمنع دار الشرك من استيفاء حقوقه لم تمنع من [ ص: 211 ] إقامة حدوده .

                                                                                                                                            فأما الجواب عن خبر عمر إن صح فهو أنه أمر بذلك لئلا يقع التشاغل بإقامها عن تدبير الحرب وجهاد العدو .

                                                                                                                                            وقوله : إنه ربما بعثته الحمية على الردة ، فلو كان لهذا المعنى لا تقام عليهم الحدود لما أقيمت على أهل الثغور ، ولما استوفيت منهم الحقوق ، ولأفضى إلى تعطيل الحدود ، وإسقاط الحقوق ، وهذا مدفوع .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية