الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي - رحمه الله تعالى - : " وما كانوا يدينون به فلا يجوز حكمنا عليهم بإبطاله ، وما أحدثوا مما ليس بجائز في دينهم وله حكم عندنا أمضي عليهم ، قال : ولا يكشفون عن شيء مما استحلوه مما لم يكن ضررا على مسلم أو معاهد أو مستأمن غيرهم "

                                                                                                                                            قال الماوردي : وجملة ما يفعله أهل الذمة في بلادنا من عقد وأحكام ينقسم أربعة أقسام :

                                                                                                                                            [ ص: 387 ] أحدها : ما كان جائزا في شرعهم وشرعنا ، فهم مقرون عليه في دينهم إذا ترافعوا إلينا فيه .

                                                                                                                                            والقسم الثاني : ما كان باطلا في شرعهم وشرعنا ، فهم ممنوعون منه إذا ظهر لنا : لأنهم أقروا في دارنا على مقتضى شرعهم .

                                                                                                                                            والقسم الثالث : ما كان جائزا في شرعنا باطلا في شرعهم ، فيقرون عليه لأنهم فيه على حق ، وفيما عداه باطل .

                                                                                                                                            والقسم الرابع : ما كان باطلا في شرعنا جائزا في شرعهم ، فإن تحاكموا فيه إلينا أبطلناه ، وإن لم يتحاكموا فيه إلينا تركناه إن أخفوه ، فإن أظهروه لنا فهو ضربان :

                                                                                                                                            أحدهما : أن لا يتعلق بالمنكرات الظاهرة ، كالمناكح الفاسدة والبيوع الباطلة ، فيقرون عليهما ، ولا يمنعون منها .

                                                                                                                                            والضرب الثاني : أن يكون من المنكرات الظاهرة ، كالتظاهر بنكاح ذوات المحارم ، والمجاهرة بابتياع الخمور ، والخنازير ، فيمنعون ، ويعزرون عليها : لأن دار الإسلام تمنع من المجاهرة بالمنكرات .

                                                                                                                                            وفي نسخ عقودهـم عليهم ، وإن لم يتحاكموا فيها إلينا وجهان :

                                                                                                                                            أحدهما : تفسخ عليهم : لأن المجاهرة ظهور منكر منهم .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : أنها لا تفسخ عليهم ، ويتركون في عقدها على ما يرونه في دينهم : لأن تجاهرهم بالكفر الذي يقرون عليه أعظم .

                                                                                                                                            فأما ما تعلق بأفعالهم من دخول ضرر على مسلم أو معاهد من غيرهم ، فيمنعون منه ، وإن كانوا يعتقدونه دينا : لأنهم يعتقدون إباحة دماء من خالفهم ، وأموالهم ، ولا يقرون على استباحتها فكذا كل مضرة .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية