الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي - رحمه الله تعالى - : " فإذا بارز مسلم مشركا أو مشرك مسلما على ألا يقاتله غيره وفى بذلك له ، فإن ولى عنه المسلم أو جرحه فأثخنه ، فلهم أن يحملوا عليه ويقتلوه : لأن قتالهما قد انقضى ولا أمان له عليهم إلا أن يكون شرط أنه آمن حتى يرجع إلى مخرجه من الصف فلا يكون لهم قتله ، ولهم دفعه واستنقاذ المسلم منه ، فإن امتنع وعرض دونه ليقاتلهم قاتلوه : لأنه نقض أمان نفسه . أعان حمزة وعلي على عتبة بعد أن لم يكن في عبيدة قتال ولم يكن لعتبة أمان يكفون به عنه ، ولو أعان المشركون صاحبهم كان حقا على المسلمين أن يعينوا صاحبهم ويقتلوا من أعان عليه ولا يقتلون المبارز ما لم يكن استنجدهم " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : وهذا صحيح ، وإذا بارز مسلم مشركا إما داعيا أو مجيبا ، فهذا على ضربين :

                                                                                                                                            أحدهما : أن لا يكون للمشرك المبارز شرط ، فيجوز للمسلمين أن يقاتلوه مع [ ص: 253 ] المبارز منهم ويقتلوه : لأنه على أصل الإباحة ، وإن اختص بالمبارزة الواحد ، قال الشافعي : اللهم إلا أن العادة جارية أن من بارز لا يعرض له حتى يعود إلى صفه ، فيحمل على ما جرت به العادة ، وتصير العادة كالشرط .

                                                                                                                                            والضرب الثاني : أن يكون له شرط فضربان :

                                                                                                                                            أحدهما : أن يشترط أن لا يقاتله غير من برز إليه ، فيجب الوفاء بشرطه : لقول الله تعالى : أوفوا بالعقود [ المائدة : ا ] . وقول النبي - صلى الله عليه وسلم - : المسلمون عند شروطهم : فلا يجوز أن يقاتل المشرك ما كان المسلم على قتاله ، فإذا انقضى القتال بينهما إما بأن ولى المسلم أو جرح فكفه عن القتال ، أو ولى المشرك أو جرح فكف عن القتال كان لنا أن نقاتل المشرك ونقتله : لأن أمانه كان مشروطا بمدة المقاتلة فانقضى بزوال المقاتلة : ولأن شيبة بن ربيعة لما أثخن عبيدة بن الحارث يوم بدر ولم يبق فيه قتال ، مال علي بن أبي طالب ، وحمزة بن عبد المطلب على شيبة حتى أجازا عليه .

                                                                                                                                            والضرب الثاني : أن يستظهر في إشراط الأمان لنفسه أن يكون آمنا حتى يرجع إلى صفه ، فيحمل على شرطه ، ولا يجوز أن يقاتل بعد انقضاء المبارزة ، حتى يرجع إلى صفه ، وفاء بالشرط إلا أن يكون من المشرك إحدى ثلاث خصال ، يبطل بها أمانه :

                                                                                                                                            إحداهن : أن يولي عنه المسلم ، فيتبعه ، فيبطل أمانه ، ويجوز لنا أن نقاتله ونقتله : لأن المبارزة قد انقضت ، وأمانه منا مستحق عند أماننا منه ، فإذا لم نأمنه لم نؤمنه .

                                                                                                                                            والخصلة الثانية : أن يظهر المشرك على المسلم ، ويعزم على قتله ، فيجب علينا أن نستنقذ منه المسلم لما يلزم من حراسة نفسه ، فإن قدر على استنقاذه منه بغير قتله لم يجز أن يقتل ، وإن لم يقدر على استنقاذه منه إلا بقتله جاز لنا أن نقتله : لأنه لا أمان على قتل مسلم .

                                                                                                                                            والخصلة الثالثة : أن يستنجد المشرك أصحابه من المشركين في معونته على المسلم ، يبطل أمانه : لأنه كان مشروطا بالمبارزة ، وقد زال حكمها بالاستنجاد ، فإن أعانوه من غير أن يستنجدهم نظر ، فإن نهاهم عن معونته فلم ينتهوا كان على أمانه ، وكان لنا قتال من أعانه دونه ، وإن لم ينههم كان إمساكه عنهم رضا منه بمعونتهم له ، فصار كاستنجاده لهم في نقض أمانه وجواز قتاله وقتله

                                                                                                                                            .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية