[ ص: 216 ] باب ما أحرزه المشركون من المسلمين  
قال  الشافعي      - رحمه الله - : " لا يملك المشركون ما أحرزوه على المسلمين بحال أباح الله لأهل دينه ملك أحرارهم ونسائهم وذراريهم وأموالهم ، فلا يساوون المسلمين في شيء من ذلك أبدا : قد أحرزوا ناقة النبي - صلى الله عليه وسلم - وأحرزتها منهم الأنصارية ، فلم يجعل لها النبي - عليه الصلاة والسلام - شيئا ، وجعلها على أصل ملكه فيها ، وأبق  لابن عمر   عبد وعار له فرس فأحرزهما المشركون ، ثم أحرزهما عليهم المسلمون فردا عليه ، وقال  أبو بكر الصديق   رضي الله عنه : مالكه أحق به قبل القسم وبعده ، ولا أعلم أحدا خالف في أن المشركين إذا أحرزوا عبدا لمسلم فأدركه وقد أوجف عليه قبل القسم أنه لمالكه بلا قيمة ، ثم اختلفوا بعدما وقع في المقاسم : فقال منهم قائل بقولنا ، وعلى الإمام أن يعوض من صار في سهمه من خمس الخمس ، وهو سهم النبي - صلى الله عليه وسلم - وهذا يوافق الكتاب والسنة والإجماع ، وقال غيرنا : هو أحق به بالقيمة - إن شاء - ولا يخلو من أن يكون مال مسلم فلا يغنم ، أو مال مشرك فيغنم ، فلا يكون لربه فيه حق ، ومن زعم أنهم لا يملكون الحر ، ولا المكاتب ، ولا أم الولد ، ولا المدبر ، ويملكون ما سواهم فإنما يتحكم " .  
قال  الماوردي      : إذا  أحرز المشركون أموال المسلمين بغارة ، أو سرقة   لم يملكوه ، سواء أدخلوه دار الحرب أو لم يدخلوه ، فإن باعوه على مسلم كان صاحبه أحق به من مشتريه بغير ثمن ، وإن غنمها المسلمون استرجعه صاحبه بغير بدل ، وسواء قبل القسمة وبعدها ، وعلى الإمام أن يعوض من حصل ذلك في سهمه بعد القسمة قيمته من سهم المصالح لما في نقص القسمة من لحوق المشقة ، فإن لم تلحق منه مشقة نقصها ولم يعوض .  
وقال  أبو حنيفة      : قد ملك المشركون ما أغار عليهم جماعتهم دون آحادهم من أموال المسلمين ، إذا أدخلوه دار الحرب ، فإن باعوه صح بيعه ، وكان لمالكه أن يأخذه من مشتريه بثمنه ، وإن غنمه المسلمون منهم استرجعه صاحبه قبل القسمة ، بغير عوض ولم يسترجعه بعد القسمة إلا بالقيمة احتجاجا بما روي  أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قيل له يوم فتح      [ ص: 217 ] مكة      : ألا تنزل دارك ؟ فقال : وهل ترك لنا  عقيل   من ربع  فلولا زوال ملكه عنها بغلبة  عقيل   عليها لاستبقاها على ملكه ونزلها .  
وروى  أبو يوسف   في سير  الأوزاعي   ، عن  الحسن بن عمارة   ، عن  الحكم بن عتيبة   ، عن  مقسم   ، عن  ابن عباس   ،  عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في عبد وبعير أحرزهما العدو ثم ظفر بهما فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لصاحبتهما : إن أصبتهما قبل القسمة ، فهما لك بغير شيء ، وإن وجدتهما قبل القسمة فهما لك بالقيمة     .  
قالوا : وهذا نص ولأن كل سبب ملك به المسلمون على المشركين ، جاز أن يملك به المشركون على المسلمين كالبيوع ، ولأن كل مال أخذ قهرا على وجه التدين ، ملكه أخذه كالمسلم من المشرك ، ودليلنا قول الله تعالى :  وأورثكم أرضهم وديارهم وأموالهم وأرضا لم تطئوها      [ الأحزاب : 27 ] . فامتن علينا بأن جعل أموالهم لنا ولو جعل أموالنا لهم لساويناهم وبطل فيه الامتنان .  
وروى  أبو قلابة   ، عن  أبي المهلب   ، عن  عمران بن الحصين   أن المشركين غاروا على سرح  المدينة   ، وأخذوا العضباء ناقة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وامرأة من  الأنصار   ، فانفلتت ذات ليلة من الوثاق ، فركبت ناقة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونجت من طلبهم حتى قدمتالمدينة   ، وكانت قد نذرت إن نجاها الله عليها أن تنحرها ، فأخبر بذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : بئس ما جازتها ،  لا نذر في معصية   ، ولا فيما لا يملك ابن آدم ، وأخذ ناقته منها  ، فلو ملكها المشركون بالغارة لملكتها الأنصارية بالأخذ ، ولما استجاز رسول الله - صلى الله عليه وسلم - استرجاعها ، ويدل عليه قول النبي - صلى الله عليه وسلم - :  لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه  ، فلما لم يحل بهذا الخبر ماله لمسلم ، كان أولى أن لا يحل ماله لمشرك ، ويتحرر من استدلال هذا الخبر قياسان :  
أحدهما : إنما منع الإسلام من غصبه ما لم يملك بغصبه كالمسلم مع المسلم .  
والثاني : أنه تغلب لا يملك به المسلم على المسلم ، فلم يملك به المشرك على المسلم كالسبي ، ولأن ما لم يملك على المسلم قبل القسمة لم يملك عليه بعد القسمة كالمدبر ، والمكاتب ، وأم الولد .  
فأما الجواب عن قوله :  وهل ترك لنا  عقيل   من ربع ؟  ، فرسول الله - صلى الله عليه وسلم - نشأ في دار  أبي طالب   حين كفله بعد موت  عبد المطلب   ، فورثها  عقيل   دون  علي   لكفر  عقيل   وإسلام  علي   ، وعندنا  لا يرث المسلم الكافر ، ولا الكافر المسلم   فباعها  عقيل   بميراثه لا بغصبه وحكى  ابن شهاب الزهري   قال :  أخبرنا  علي بن الحسين   أن  أبا طالب   ورثه ابناه  عقيل   وطالب   دون  علي   ، فلذلك تركنا حقنا من الشعب     .  
 [ ص: 218 ] وأما الجواب عن حديث  ابن عباس   فهو أن راويه  الحسن بن عمارة   وهو ضعيف كثير الوهم والغلط ، ثم لو صح لكان بدليلنا أشبه : لأنه جعله له قبل القسمة ولو زال ملكه عنه لما استحقه قبل القسمة ، وإن كان له أخذه بعد القسمة بالقيمة .  
فإن قيل : فقد أوجب القيمة بعد القسمة ، وأنتم لا توجبوها بعد القسمة ؟ قيل : نحن نوجبها بعد القسمة إذا تعذر نقض القسمة ، لكن من بيت المال من سهم المصالح لا على المال فصار الخبر دليلنا .  
وأما الجواب عن قياسهم على البيوع ، فهو جواز أن يملك بها المسلم على المسلم .  
وأما الجواب عن قياسهم على قهر المسلم المشرك فهو أنه قهر مباح ، وذلك محظور مع انتقاضه بالمدبر والمكاتب وأم الولد وبالسبي .  
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					