مسألة : قال  الشافعي      : " ولا نعلم النبي - صلى الله عليه وسلم - صالح أحدا على أقل من دينار ، فمن أعطى منهم دينارا غنيا كان أو فقيرا في كل سنة قبل منه ولم يزد عليه ، ولم يقبل منه أقل من دينار من غني ولا فقير ، فإن زادوا قبل منهم " .  
قال  الماوردي      : اختلف الفقهاء في  أقل الجزية وأكثرها   ، فذهب  الشافعي   إلى أن أقلها مقدر بدينار لا يجوز الاقتصار على أقل منه من غني ولا فقير ، وأكثرها غير مقدر ، وهو موكل إلى اجتهاد الإمام .  
فإن لم يجيبوا إلى الزيادة على الدينار من غني ولا فقير وجب على الإمام إجابتهم إليه ، وإن طبقوا أنفسهم بالغنى والتوسط ، والذي عاقدهم عليه .  
وقال  أبو حنيفة      : هي مقدرة الأقل والأكثر بحسب طبقاتهم ، فيؤخذ من الغني ثمانية وأربعون درهما مصارفة اثنا عشر دينارا ، ومن المتوسط أربعة وعشرون درهما ، ومن الفقير المعتمل اثنا عشر درهما .  
وقال  سفيان الثوري      : لا يتقدر أقلها ، ولا أكثرها ، وهي موكولة إلى اجتهاد الإمام في أقلها وأكثرها ، فإن رأى الاقتصار على أقل من دينار جاز ، وإن رأى الزيادة على الأربعة فعل .  
وقد حكي عن  مالك   كلا المذهبين من قول  أبي حنيفة   ، وقول  سفيان      .  
واستدل  أبو حنيفة   على تقدير أقلها وأكثرها  بأن  عمر بن الخطاب      - رضي الله عنه - ضرب الجزية على أهل الذمة فيما فتحه من سواد  العراق   ، على الفقير المعتمل اثنا عشر درهما ، وعلى المتوسط أربعة وعشرون درهما ، وعلى الغني ثمانية وأربعون درهما  عن رأي شاور فيه الصحابة ، فصار إجماعا ، ولأنه مال يتعين وجوبه بالحول ، فوجب أن يختلف بزيادة المال كالزكاة ، ولأن المأخوذ بالشرك صار جزية وخراجا ، فلما اختلف الخراج باختلاف المال وجب أن تختلف الجزية باختلاف المال .  
واستدل  الثوري   بأن قال : الهدنة لما كانت موكولة إلى اجتهاد الإمام ، ولم يتقدر أقلها وأكثرها وجب أن تكون الجزية بمثابتها لا يتقدر أقلها وأكثرها .  
ودليلنا ما رواه  أبو وائل شقيق بن سلمة   ، عن  مسروق   ،  عن  معاذ بن جبل   أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمره حين بعثه إلى  اليمن   أن يأخذ من كل حالم دينارا ، وعدله من المعافر  ،      [ ص: 300 ] ومعلوم أنهم كانوا على اختلاف في الغنى والتوسط فسوى بينهم ، ولم يفاضل .  
وروي أن رسول  الله - صلى الله عليه وسلم - صالح  أكيدر دومة   على نصارى  أيلة   ، وهم ثلاثمائة رجل على ثلاثمائة دينار  ، فجعلها معتبرة بعددهم ، وليس يعتبرها بيسارهم وإعسارهم .  
ولأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أخذ جزية نصراني  بمكة   يقال له  أبو موهب   دينارا  ، ولم يذكر يساره ولا إعساره ، فدل على استواء الحالين .  
وروى  عمرو بن شعيب   ، عن أبيه ، عن جده ،  أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر بأخذ الجزية من  أهل الكتاب      - من كل حالم دينارا  ، ولم يفضل فدل على التساوي .  
ومن القياس أن كل من حقن دمه بالجزية جاز أن يتقدر بالدينار - كالمقل ، ولأن كل ما جاز أن يتقدر به جزية المقل جاز أن يتقدر به جزية المكثر كالأربعة ، ولأن حرمة دمهما واحدة ، فوجب أن تكون جزيتهما واحدة .  
فأما الجواب عما فعله  عمر   ، فهذا أنه قدره عليهم عن مراضاة بينه وبينهم لا ينكر مثلها إذا فعلوه .  
وقياسهم على الزكاة منتقض بزكاة الفطر التي لا تزيد زيادة المال ، ثم المعنى في الزكاة وجوبها في عين المال ، فجاز أن تختلف بقلته وكثرته ، والجزية في الذمة عن حقن الدم كالأجرة ، فلم تختلف بزيادة المال وكثرته كالإجارة .  
وأما الجواب عن جمعهم بين الجزية والخراج ، فهو أن الخراج عند  الشافعي   أجرة عن أرض ذات منفعة ، فجاز أن يختلف باختلاف المنافع ، والجزية عوض عن حقن الدم والإقرار على الكفر ، وذلك غير مختلف باختلاف المال ، فلم يتفاضل بتفاضل المال .  
وأما الجواب عن استدلال  سفيان الثوري   بالهدنة ، فهو أن الهدنة لما جاز أن تكون موقوفة على رأي الإمام في عقدها بمال وغير مال جاز عقدها على رأي الإمام في قدر المال ، والجزية لا تقف على رأيه في عقدها بغير مال ، فلم تقف على رأيه في تقدير المال .  
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					