فصل : وإذا كان الله تعالى قد منع رسوله بهذه الآية من رد النساء إذا أسلمن دون الرجال ، وأوجب لأزواجهن مهورهن ، فقد اختلف العلماء ، وأصحابنا معهم : هل  اشترط في عقد هدنته رد من أسلم من الرجال والنساء   أو جعله مقصورا على الرجال دون النساء ؟ على ثلاثة أقاويل :  
أحدها : إنه خرج في شرطه أن يرد من أسلم من الرجال دون النساء : لأنه لا يجوز أن يشترط لهم ما لا يجوز ، ولكن سألوه لما أسلم من نسائهم من أسلم أن      [ ص: 359 ] يجريهن في الرد مجرى الرجال : ليمن عليهن بردهن : لظنهم أن ردهن جائز ، فأنزل الله تعالى على رسوله - صلى الله عليه وسلم - المنع من ردهن : ليكون حجة لرسوله - صلى الله عليه وسلم - من الامتناع ، وإن كان ممتنعا منه ، وجعل رد المهر على الأزواج توكيدا لعقد الهدنة .  
والقول الثاني : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أطلق في شرط العقد رد من أسلم : ولم يصرح بذكر النساء في رد ولا منع ، فكان ظاهر العموم من الشرط اشتماله عليهن مع الرجال ، وإن كان تخصيصه محتملا في دين الله تعالى خروجهن من عمومه ، وكذلك كان مراد رسوله - صلى الله عليه وسلم - .  
وتمسكت  قريش   بظاهر العموم في رد النساء ، فأظهر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خروجهن من العموم بما نزلت عليه من الاستثناء .  
والقول الثالث : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صرح بردهن في شرط هدنته كما صرح بذكر الرجال حتى منعه الله تعالى من ردهن بهذه الآية ، فعلى هذا اختلف أصحابنا في وجه اشتراطه لردهن على ثلاثة أوجه :  
أحدها : أنه كان ذلك منه على وجه السهو ، ولولا سهوه عنه ، لما أقدم عليه ، وقد يسهو كغيره من أمته لكن لا يقره الله تعالى على خطأ ، فيكون مساويا لهم في السهو مباينا لهم في الإقرار ، فنزلت الآية عليه استدراكا لسهوه .  
والوجه الثاني : أنه فعله مع علمه بحظره لكن دعته الضرورة إليه لمصلحة وقته في حسم القتال : لأنه كان في ألف وأربعمائة من أصحابه ، وكان المشركون نحو أربعة آلاف ، وقد يفعل في الاضطرار ما لا يجوز أن يفعل في الاختيار ، فلما زالت ضرورته منع منه .  
والوجه الثالث : أنه قد كان مباحا في صدر الإسلام أن تقر المسلمة على نكاح كافر ، ولذلك أقر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ابنته  زينب  على نكاح  أبي العاص بن الربيع   ، وكان على كفره إلى أن انتزعها منه حتى أسلم ، ثم ردها عليه ، فلذلك شرط رد من أسلم من نسائهم عليهم ثم حرم الله تعالى ذلك ، ونسخه ، فامتنع منه وأبطل شرطه فيه .  
فإن قيل : فمذهبكم أنه لا يجوز أن ينسخ السنة إلا السنة ، والقرآن إلا القرآن فكيف نسخ السنة هاهنا بالقرآن .  
قيل : أما نسخ القرآن بالسنة ، فلا يختلف مذهبنا أنه لا يجوز ، وأما  نسخ السنة بالقرآن   ، فقد اختلف أصحابنا فيه على وجهين :  
أحدهما : وهو مذهب  ابن سريج   أنه يجوز أن تنسخ السنة بالقرآن فعلى هذا سقط السؤال .  
 [ ص: 360 ] والوجه الثاني : وهو الظاهر من مذهب  الشافعي   ، وهو قول جمهور أصحابه أنه لا يجوز نسخ السنة بالقرآن ، كما لا يجوز نسخ القرآن بالسنة ، فعلى هذا ، عن هذا النسخ جوابان :  
أحدهما : أنه قد كان مستباحا بعموم ما نزل من القرآن في إباحة النكاح ، ثم نسخ ذلك بتخصيص العموم ، فكان نسخ القرآن بقرآن .  
والجواب الثاني : أنه قد كان مستباحا بالسنة ثم نسخته السنة بما روي من إبطال الشرط في هدنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .  
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					