مسألة : قال  الشافعي      - رحمه الله تعالى - : "  وعلى من بعده من الخلفاء إنفاذه      " .  
قال  الماوردي      : وهذا صحيح . إذا اجتهد الإمام في الهدنة حتى عقدها ثم مات أو خلع لزم من بعده من الأئمة إمضاؤها إلى انقضاء مدتها ، ولم يكن له فسخها ، وإن استغنى المسلمون عنها لقول الله تعالى :  فأتموا إليهم عهدهم إلى مدتهم      [ التوبة : 4 ] ، ولما روي  أن نصارى  نجران   أتوا  علي بن أبي طالب      - عليه السلام - في ولايته ، وقالوا له : إن الكتاب بيدك ، وإن الشفاعة إليك ، وإن  عمر   أجلانا من أرضنا ، فردنا إليها ، فقال : إن  عمر   كان رشيد الأمر ، وإني لا أغير أمرا فعله     .  
ولأن ما نفذ بالاجتهاد ولم يجز أن يفسخ بالاجتهاد كالأحكام ، فإن كان عقد الهدنة فاسدا ، فإن كان فسادها من طريق الاجتهاد لم تفسخ لنفوذ الحكم بإمضائها ، وإن كان فسادها من نص أو إجماع فسخت .  
ولم يجز الإقدام على حربهم إلا بعد إعلامهم بفساد الهدنة ، وقد تظاهر يهود  خيبر   بكتاب نسبوه إلى  علي      - عليه السلام - أنه كتبه لهم في وضع الجزية عنهم ، ولم ينقله أحد من الرواة عنه ، فلم يجز قبول قولهم فيه ، ولو كان صحيحا لجاز أن يكون لسبب اقتضاه الوقت ، ثم سقط : لأنه لا يستجيز أن يعاملهم بما يعدل فيه عن كتاب الله تعالى ، وقوله :  حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون      [ التوبة : 29 ] ولذلك لم يعمل عليه الفقهاء ، وأوجبوها عليهم كغيرهم من  اليهود      .  
وتفرد  أبو علي بن أبي هريرة   بإسقاطها عنهم : لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عاملهم على      [ ص: 370 ] نخيل  خيبر   حين فتحها ، وهذا خطأ : لأن المعاملة لا تقتضي سقوط الجزية .  
وينبغي  للإمام إذا هادن قوما أن يكتب عقد الهدنة في كتاب يشهد فيه المسلمون   ، ليشمل به الأئمة بعده ، ويجوز أن يقول فيه : لكم ذمة الله وذمة رسوله وذمتي ، وكذا في الأمان : لكم أمان الله وأمان رسوله وأماني ، وحرم بعض الفقهاء ذلك ، وكرهه آخرون : لأنه ربما خفرت الذمة ، فأفضى ذلك إلى أن تخفر ذمة الله وذمة رسوله ، وهذا خطأ : لأن معناه : أن لكم ما أوجبه الله ورسوله من الوفاء بالذمة والأمان ، فلم ينسب إليهما ما تخفر به ذمتهما .  
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					