فصل :
وإذ قد مضت الدعوى في قتل العمد . فالحالة الثانية في الدعوى في قتل الخطأ ، فينبغي ؛ لاختلافهما في التغليظ والتخفيف . فإن قال : شبه العمد ، سأله عن صفته كما يسأله عن صفة العمد المحض : لأنه قد يشتبه عليه محض الخطأ بالعمد وشبه العمد ، ثم يعمل على صفته دون دعواه . للحاكم أن يسأل المدعي عن الخطأ هل كان محضا أو شبه العمد
فإن كان ما وصفه شبه العمد ، غلظت فيه الدية بعد القسامة . وإن كان ما وصفه خطأ محضا خففت فيه الدية بعد القسامة ، فلم يمنع مخالفة صفته لدعواه من جواز القسامة . ولا يختلف قول الشافعي وأصحابه فيه : لأن الوجوب في الدية في الحالين على العاقلة . وإنما اختلفوا في زيادتها في دعواه بالتغليظ ونقصانها في صفتها بالتخفيف ، فصار في الصفة كالمبدئ في بعض الدعوى
ولا يمنع ذلك من جواز القسامة ، وإن كان قد ادعى قتل خطأ محض فقد اختلف أصحابنا ، على وجهين : هل يلزم الحاكم أن يسأل عن صفة الخطأ أم لا ؟
أحدهما : لا يلزمه السؤال عن صفة الخطأ : لأن الخطأ أقل أحوال القتل ، وإنما يلزم [ ص: 36 ] أن يسأل عن العمد وعن شبه العمد : لجواز أن يكون خطأ محضا ، ولم يلزم ذلك في الخطأ المحض .
والوجه الثاني : وهو أصح ، يلزم الحاكم أن يسأله عن صفة الخطأ : لأنه قد يجوز أن يشتبه عليه القتل المضمون بما ليس بمضمون .
ولأنه قد يسقط في بئر حفرها المدعى عليه في ملكه ، فلا يكون ضامنا لقتله . فإذا سأله عن صفته لم يخل ما وصفه من أربعة أحوال :
أحدها : أن يكون خطأ مضمونا ، فتوافق صفته دعواه ، فيحكم له بالقسامة .
والثاني : أن يصفه بما لا يكون قتلا مضمونا ، فلا قسامة له ، والمدعى عليه بريء من الدعوى .
والثالث : أن يصفه بما يكون عمد الخطأ ، فيقسم على دعواه في الخطأ المحض دون عمد الخطأ : لأن الدعوى أقل من الصفة ، فصار كالمبتدئ بها من زيادة الصفة .
والرابع : أن يصفه بما يكون عمدا محضا .
فالصفة أغلظ من الدعوى في أربعة أحكام :
أحدها : استحقاق القود في العمد وسقوطه في الخطأ .
والثاني : تغليظ الدية في العمد وتخفيفها في الخطأ .
والثالث : تعجيلها في العمد وتأجيلها في الخطأ .
والرابع : استحقاقها على الجاني في العمد ، وعلى العاقلة في الخطأ . فإن لم تكن له عاقلة تتحمل عنه دية الخطأ نظر ، فإن كان الجاني هو المحتمل لدية الخطأ أقسم على الدعوى دون الصفة ، ويحكم له بدية الخطأ دون العمد .
فإن كانت له عاقلة تتحمل عنه دية الخطأ نظر ، فإن رجع عن الدعوى إلى الصفة ، لم يكن له أن يقسم على الدعوى ولا على الصفة : لأن المطالبة في الدعوى متوجهة إلى العاقلة ، وفي الصفة متوجهة إلى الجاني ، فصار في الدعوى أبرأ للجاني وفي الصفة أبرأ للعاقلة ، فلم يكن له أن يقسم على واحد منهما . وإن لم يرجع عن الدعوى إلى الصفة ، أقسم على الدعوى دون الصفة ، وحكم له بدية الخطأ دون العمد .