الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( وهي ) مندوبة للحديث وتجب في عقد مكروه وفاسد بحر . وفيما إذا غره البائع يسيرا نهر بحثا فلو فاحشا له الرد كما سيجيء وحكمها أنها ( فسخ في حق المتعاقدين فيما هو من موجبات ) بفتح الجيم أي أحكام ( العقد ) أما لو وجب بشرط زائد كانت بيعا جديدا في حقهما أيضا كأن شرى بدينه المؤجل عينا ثم تقايلا لم يعد الأجل فيصير دينه حالا كأنه باعه منه ، ولو رده بخيار بقضاء عاد الأجل ; لأنه فسخ ولو كان به كفيل [ ص: 125 ] لم تعد الكفالة فيهما خالية ثم ذكر لكونها فسخا فروعا ( ف ) الأول أنها ( تبطل بعد ولادة المبيعة ) لتعذر الفسخ بالزيادة المنفصلة بعد القبض حقا للشرع لا قبله مطلقا ابن مالك ( و ) الثاني ( تصح بمثل الثمن الأول وبالسكوت عنه ) ويرد مثل المشروط ولو المقبوض أجود أو أردأ [ ص: 126 ] ولو تقايلا وقد كسدت رد الكاسد ( إلا إذا باع المتولي أو الوصي للوقف أو للصغير شيئا بأكثر من قيمته أو اشتريا شيئا بأقل منها للوقف أو للصغير ) لم تجز إقالته ، ولو بمثل الثمن الأول وكذا المأذون كما مر ( وإن ) وصلية ( شرط غير جنسه أو أكثر منه أو ) أجله وكذا في ( الأقل ) إلا مع تعيبه فتكون فسخا بالأقل لو بقدر العيب لا أزيد ولا أنقص قيل إلا بقدر ما يتغابن الناس فيه .

التالي السابق


( قوله : للحديث ) هو قوله صلى الله عليه وسلم { من أقال مسلما بيعته أقال الله عثرته } أخرجه أبو داود وزاد ابن ماجه " يوم القيامة " ورواه ابن حبان في صحيحه والحاكم وقال على شرط الشيخين وعند البيهقي { من أقال نادما } فتح ( قوله : وتجب في عقد مكروه وفاسد ) لوجوب رفع كل منهما على المتعاقدين صونا لهما عن المحظور ، ولا يكون إلا بالإقالة كما في النهاية وتبعه غيره قال في الفتح : وهو مصرح بوجوب التفاسخ في العقود المكروهة السابقة وهو حق ; لأن رفع المعصية واجب بقدر الإمكان ا هـ . وظاهر كلام النهاية أن ذلك إقالة حقيقة ، ومقتضاه أنه يترتب عليه أحكام البيع الآتية وأورد عليه أن الفاسد يجب فسخه على كل منهما بدون رضا الآخر ، وكذا للقاضي فسخه بلا رضاهما ، والإقالة يشترط لها الرضا اللهم إلا أن يراد بالإقالة مطلق الفسخ كما أفاده محشي مسكين

قلت : وإليه يشير كلام الفتح المذكور ، وهو الظاهر ; لأن المقصود منه رفع العقد كأنه لم يكن رفعا للمعصية ، والإقالة تحقق العقد من بعض الأوجه فلا بد أن يكون الفسخ في حق المتعاقدين وحق غيرهما والله سبحانه أعلم . ( قوله : وفيما إذا غره البائع يسيرا إلخ ) أصل البحث لصاحب البحر وضمن الشارح غره معنى غبنه والمعنى إذا غره غابنا له غبنا يسيرا : أي فإذا طلب منه المشتري الإقالة وجبت عليه رفعا للمعصية تأمل . ( قوله : كما سيجيء ) أي في آخر الباب الآتي . ( قوله : وحكمها أنها فسخ إلخ ) الظاهر أنه أراد بالفسخ الانفساخ ; لأن حكم العقد الأثر الثابت به كالملك في البيع ، وأما الفسخ بمعنى الرفع فهو حقيقتها . ( قوله : فسخ في حق المتعاقدين ) هذا إذا كانت قبل القبض بالإجماع ، وأما بعده فكذلك عند الإمام إلا إذا تعذر ، بأن ولدت المبيعة فتبطل . قال أبو يوسف هي بيع إلا إذا تعذر بأن وقعت قبل القبض في منقول ، فتكون فسخا إلا إذا تعذر أيضا بأن ولدت المبيعة والإقالة قبل القبض فتبطل ، وقال محمد : هي فسخ إن كانت بالثمن الأول أو بأقل ، ولو بأكثر أو بجنس آخر فبيع ، والخلاف مقيد بما إذا كانت بلفظ الإقالة كما يأتي نهر ، والصحيح قول الإمام كما في تصحيح العلامة قاسم . ( قوله : فيما هو من موجبات العقد ) قيد به الزيلعي وتبعه أكثر الشراح وفيه شيء فإن الكلام فيما هو من موجبات العقد لا فيما هو ثابت بشرط زائد ; إذ الأصل عدمه فقولهم فسخ أي لما أوجبه عقد البيع ، فهو على إطلاقه تدبر رملي على المنح . ( قوله : أي أحكام العقد ) أي ما ثبت بنفس العقد من غير شرط بحر . ( قوله : بشرط زائد ) الأولى أن يقول بأمر زائد ، وذلك كحلول الدين فإنه لا ينفسخ بالإقالة ليعود الأجل ; لأن حلوله إنما كان برضا من هو عليه حيث ارتضاه ثمنا فقد أسقطه فلا يعود بعد ط . ( قوله : كأنه باعه منه ) أي كأن المشتري باع العين من البائع ; لأنه لما سقط الدين سقط الأجل ، وصارت المقالة بعد ذلك كأنه باع المبيع من بائعه فيثب له عليه دين جديد تأمل . ( قوله : ولو رده بخيار ) أي خيار عيب وعبارة البحر بعيب . ( قوله : لأنه فسخ ) فإن الرد بخيار العيب إذا كان بالقضاء [ ص: 125 ] يكون فسخا ولذا يثبت للبائع رده على بائعه بخلاف ما إذا كان بالتراضي فإنه بيع جديد .

( قوله : لم تعد الكفالة فيهما ) أي في الإقالة والرد بعيب بقضاء ا هـ . ح . فتحصل أن الأجل والكفالة في البيع بما عليه لا يعودان بعد الإقالة وفي الرد بقضاء في العيب يعود الأجل ، ولا تعود الكفالة ا هـ . ط . قلت : ومقتضى هذا أنه لو كان الرد بالرضا لا تعود الكفالة بالأولى ، وذكر الرملي في كتاب الكفالة أنه ذكر في التتارخانية عن المحيط ، عدم عودها سواء كان الرد بقضاء أو رضا وعن المبسوط أنه إن كان بالقضاء تعود وإلا فلا .

ثم قال الرملي والحاصل : أن فيها خلافا بينهم . ( قوله : لا قبله مطلقا ) أي متصلة أو منفصلة قال في الفتح : والحاصل أن الزيادة متصلة كانت كالسمن أو منفصلة كالولد والأرش والعقر إذا كانت قبل القبض لا تمنع الفسخ والدفع ، وإن كانت بعد القبض متصلة ، فكذلك عنده ، وإن كانت منفصلة بطلت الإقالة لتعذر الفسخ معها ا هـ . ومثله في ابن مالك على المجمع لكن قدمنا عن الخلاصة أن ما يمنع الرد بالعيب يمنع ، الإقالة ، وقدمنا أيضا أن الرد بالعيب يمتنع في المتصلة الغير المتولدة مطلقا ، وفي المنفصلة المتولدة لو بعد القبض فقط ويوافقه ما في الخامس والعشرين من جامع الفصولين : أن الرد بالعيب يمتنع لو الزيادة متصلة لم تتولد اتفاقا كصبغ وبناء ، والمتصلة المتولدة كولد وثمر وأرش وعقر تمنع الرد وكذا تمنع الفسخ بسائر أسباب الفسخ ، والمنفصلة التي لم تتولد ككسب وغلة لا تمنع الرد والفسخ بسائر أسبابه ا هـ . [ تنبيه ]

قال في الحاوي : تقايلا البيع في الثوب بعدما قطعه المشتري وخاطه قميصا أو في الحديد ، بعدما اتخذه سيفا لا تصح الإقالة كمن اشترى غزلا فنسجه أو حنطة فطحنها ، وهذا إذا تقايلا على أن يكون الثوب للبائع ، والخياطة للمشتري يعني يقال للمشتري : افتق الخياطة وسلم الثوب لما فيه من ضرر المشتري فلو رضي بكون الخياطة للبائع بأن يسلم الثوب إليه كذلك يقول تصح ا هـ .

وفي حاشية الخير الرملي على الفصولين : وقد سئلت في مبيع استغله المشتري هل تصح الإقالة فيه فأجبت بقولي : نعم وتطيب الغلة له والغلة اسم للزيادة المنفصلة كأجرة الدار وكسب العبد ، فلا يخالف ما في الخلاصة من قوله رجل باع آخر كرما فسلمه إليه فأكل نزله يعني ثمرته سنة ثم تقايلا ، لا تصح وكذا إذا هلكت الزيادة المتصلة أو المنفصلة أو استهلكها الأجنبي ا هـ . ( قوله : وتصح بمثل الثمن الأول ) حتى لو كان الثمن عشرة دنانير ، فدفع إليه دراهم ثم تقايلا وقد رخصت الدنانير رجع بالدنانير لا بما دفع ، وكذا لو رد بعيب وكذا في الأجرة لو فسخت ولو عقد بدراهم فكسدت ثم تقايلا رد الكاسد كذا في الفتح نهر .

( قوله : وبالسكوت عنه ) المراد أن الواجب هو الثمن الأول سواء سماه أو لا ، قال في الفتح : والأصل في لزوم الثمن ، أن الإقالة فسخ في حق المتعاقدين ، وحقيقة الفسخ ليس إلا رفع الأول كأن لم يكن فيثبت الحال الأول ، وثبوته برجوع عين الثمن إلى مالكه كأن لم يدخل في الوجود غيره وهذا يستلزم تعين الأول ، ونفي غيره من الزيادة والنقص وخلاف الجنس ا هـ . ( قوله : ويرد مثل المشروط إلخ ) ذكر هذا هنا غير مناسب ; لأنه ليس من فروع كونها فسخا بل من فروع كونها بيعا ; ولذا ذكره الزيلعي وغيره في [ ص: 126 ] محترزات قوله فيما هو من موجبات العقد فقال : وكذا لو قبض أردأ من الثمن الأول أو أجود منه يجب رد مثل المشروط في البيع الأول كأنه باعه من البائع بمثل الثمن الأول ، وقال الفقيه أبو جعفر : عليه رد مثل المقبوض ; لأنه لو وجب عليه رد مثل المشروط للزمه زيادة ضرر بسبب تبرعه ، ولو كان الفسخ بخيار رؤية أو شرط أو بعيب بقضاء يجب رد المقبوض إجماعا ; لأنه فسخ من كل وجه ا هـ . ومثله في المنح فافهم . ( قوله : ولو تقايلا إلخ ) قدمناه آنفا عن النهر . ( قوله : لم تجز إقالته ) مراعاة للوقف والصغير منح وينبغي أن تجوز على نفسه في مسألة البيع كما قدمناه .

( قوله : وإن شرط غير جنسه ) متعلق بما قبل الاستثناء فكان ينبغي تقديمه عليه ا هـ . ح ( قوله : أو أكثر منه ) أي من الثمن الأول أو من الجنس . ( قوله : أو أجله ) بأن كان الثمن حالا فأجله المشتري عند الإقالة فإن التأجيل يبطل وتصح الإقالة ، وإن تقايلا ثم أجله ينبغي أن لا يصح الأجل ، عند أبي حنيفة فإن الشرط اللاحق بعد العقد يلتحق بأصل العقد عنده ، كذا في القنية بحر لكن تقدم في البيع الفاسد أنه لا يصح البيع إلى قدوم الحاج ، والحصاد والدياس ، ولو باع مطلقا ثم أجل إليها صح التأجيل ، وقدمنا أيضا تصحيح عدم التحاق الشرط الفاسد . ( قوله : إلا مع تعيبه ) أي تعيب المبيع عند المشتري فإنها تصح بالأقل ، وصار المحطوط بإزاء نقصان العيب قهستاني . ( قوله : لا أزيد ولا أنقص ) فلو كان أزيد أو أنقص ، هل يرجع بكل الثمن أو ينقص بقدر العيب ، ويرجع بما بقي فليراجع ط .

قلت : الظاهر الثاني ; لأن الإقالة عند التعيب جائزة بالأقل ، والمراد نفي الزيادة والنقصان عن مقدار العيب ، فصار الباقي بمنزلة أصل الثمن فتلغوا الزيادة والنقصان فقط ويرجع بما بقي والله أعلم . [ تنبيه ]

علم من كلامهم أنه لو زال العيب فأقال على أقل من الأول لا يلزم إلا الأول بقي أو زال بعد الإقالة هل يرجع المشتري على البائع بنقصان العيب الذي أسقطه من الثمن الأول ، مقتضى كونها فسخا في حقهما أنه يرجع ، ونظيره ما قدمناه في أوائل باب خيار العيب لو صالحه عن العيب ثم زال رجع البائع ، تأمل وفي التتارخانية تعيبت الجارية بيد المشتري بفعله أو بآفة سماوية وتقايلا ولم يعلم البائع بالعيب وقت الإقالة إن شاء أمضى الإقالة وإن شاء رد وإن علم به لا خيار له ا هـ .

قال الخير الرملي في حواشي المنح بعد نقله أقول : فلو تعذر الرد بهلاك المبيع هل يرجع بنقصان العيب بمقتضى جعلها بيعا جديدا أم لا ; لأنها فسخ في حقهما الظاهر الثاني ا هـ . وهذا يؤيد ما قلنا . ( قوله : قيل إلخ ) نقله في البحر عن البناية عن تاج الشريعة ، ولم يعبر عنه بقيل ، ولعل الشارح أشار إلى ضعفه لمخالفته إطلاق ما في الزيلعي ، والفتح من نفي زيادة والنقصان ، مع أن وجه هذا القول ظاهر ; لأن المراد بما يتغابن فيه ما يدخل تحت تقويم المقومين فلو كان المبيع ثوبا حدث فيه عيب ، بعضهم يقول بنقصه عشرة ، وبعضهم أحد عشر فهذا الدرهم يتغابن فيه ، نعم لو اتفق المقومون على شيء خاص تعين نفي الزيادة تأمل .




الخدمات العلمية