الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 16 ] ( حدث عيب آخر عند المشتري ) بغير فعل البائع ، فلو به بعد القبض رجع بحصته من الثمن ووجب الأرش وأما قبله فله أخذه أو رده بكل الثمن مطلقا ، ولو برهن البائع على حدوثه والمشتري على قدمه فالقول للبائع والبينة للمشتري ، ولا يرد جبرا ماله حمل ومؤنة إلا في بلد العقد بحر .

[ ص: 17 ] ( رجع بنقصانه ) إلا فيما استثني ; ومنه ما لو شراه تولية أو خاطه لطفله زيلعي أو رضي به البائع جوهرة .

التالي السابق


( قوله حدث عيب آخر عند المشتري ) من ذلك ما إذا اشترى حديدا ليتخذ منه آلات النجارين وجعله في الكور ليجربه بالنار فوجد به عيبا ولا يصلح لتلك الآلات يرجع بالنقصان ولا يرده . ومنه أيضا بل الجلود أو الإبريسم فإنه عيب آخر يمنع الرد ، وتمامه في البحر ( قوله بغير فعل البائع ) ومثله الأجنبي فبقي كلام المصنف شاملا لما إذا كان بفعل المشتري أو بفعل المعقود عليه أو بآفة سماوية ، ففي هذه الثلاث لا يرده بالعيب القديم ، ; لأنه يلزم رده بعيبين ، وإنما يرجع بحصة العيب إلا إذا رضي البائع به ناقصا أفاده في البحر ( وقوله فلو به ) أي بفعل البائع ومثله الأجنبي ، وقوله بعد القبض يغني عنه قول المصنف عند المشتري لكنه صرح به ليقابله بقوله : وأما قبله فافهم ( قوله رجع بحصته ) أي حصة العيب الأول وامتنع الرد بحر ( وقوله ووجب الأرش ) أي أرش العيب الحادث بفعل البائع ، فحينئذ يرجع على البائع بشيئين : الأول حصة العيب الأول من الثمن والثاني أرش العيب الثاني ط ولو كان العيب الثاني بفعل أجنبي رجع بالأرش عليه ( قوله وأما قبله إلخ ) أي وأما إذا كان حدوث العيب الثاني بفعل البائع قبل القبض خير المشتري - سواء وجد به عيبا أو لا - بين أخذه أي مع طرح حصة النقصان من الثمن وبين رده وأخذ كل الثمن ، وكذا لو كان بآفة سماوية أو بفعل المعقود عليه فإنه يرده بكل الثمن أو يأخذه ويطرح عنه حصة جناية المعقود عليه ، وكذا لو كان بفعل أجنبي فإنه يخير .

ولكنه إن اختار الأخذ يرجع بالأرش على الجاني وإن كان بفعل المشتري لزمه بجميع الثمن ، وليس له أن يمسكه ويطلب النقصان أفاده في البحر ، وقوله ويطرح عنه حصة جناية المعقود عليه ظاهره أنه لا يطرح عنه شيء لو النقصان بآفة سماوية ثم رأيت في جامع الفصولين قال : ولو بآفة سماوية ، فإن كان النقصان قدرا يطرح عن المشتري حصته من الثمن وهو مخير في الباقي أخذه بحصته أو تركه ككون المبيع كيليا أو وزنيا أو عدديا متقاربا وفات بعض من القدر وإن كان النقصان وصفا لا يطرح عن المشتري شيء من الثمن وهو مخير أخذه بكل ثمنه أو تركه ، والوصف ما يدخل في المبيع بلا ذكر كشجر وبناء في الأرض وأطراف في الحيوان وجودة في الكيلي والوزني ، إذ الأوصاف لا قسط لها من الثمن إلا إذا ورد عليها الجناية أو القبض ، يعني إذا قبض ثم استحق شيء من الأوصاف يرجع بحصته من الثمن . ا هـ . ( قوله بكل الثمن ) متعلق بقوله أو رده ، ولا يصح تعلقه أيضا بقوله فله أخذه أفاده ح .

( قوله مطلقا ) أي سواء وجد به عيبا أو لا ح ومثله ما مر عن البحر ولا يخفى أن المراد العيب القديم وإلا فالكلام فيما إذا حدث به عيب ، وأشار إلى أن حدوثه قبل القبض بفعل كاف في التخيير بين الأخذ والرد سواء كان به عيب قديم أو لا فافهم . ( قوله فالقول للبائع ) لا يناسب قوله ولو برهن إلخ فكان المناسب أن يقول : أولا ولو ادعى البائع حدوثه إلخ أفادهح ( قوله إلا في بلد العقد ) الأولى أن يقول في موضع العقد ليشمل ما لو نقله إلى بيته في بلد العقد وأشار إلى أن تحميله بمنزلة حدوث عيب لما فيه من مؤنة الرد إلى موضع العقد ، لكن هذا العيب غير مانع ; لأن مؤنة الرد على المشتري [ ص: 17 ] فلا ضرر فيه على البائع ، وقدمنا الكلام على هذه المسألة أول باب خيار الرؤية ( قوله رجع بنقصانه ) بأن يقوم بلا عيب ثم مع العيب ; وينظر في التفاوت ، فإن كان مقدار عشر القيمة رجع بعشر الثمن ، وإن كان أقل أو أكثر فعلى هذا الطريق حتى ، لو اشتراه بعشرة وقيمته مائة وقد نقصه العيب عشرة رجع بعشر الثمن وهو درهم . قال البزازي وفي المقايضة إن كان النقصان عشر القيمة رجع بنقصان ما جعل ثمنا يعني ما دخل عليه الباء ولا بد أن يكون المقوم اثنين يخبران بلفظ الشهادة بحضرة البائع والمشتري ، والمقوم الأهل في كل حرفة ، ولو زال الحادث كان له رد المبيع مع النقصان ، وقيل لا ، وقيل لا إن كان بدل النقصان قائما رد وإلا لا ، وكذا في القنية ، والأول بالقواعد أليق نهر .

( قوله إلا فيما استثني ) أي من المسائل الست المتقدمة أول الباب ط ، وقد علمت ما فيها وكتبنا هناك مسائل أخر منها ما يأتي قريبا في كلام المصنف من مسألة البعير وغيرها . وفي فتح القدير : ثم الرجوع بالنقصان إذا لم يمتنع الرد بفعل مضمون من جهة المشتري . أما إذا كان بفعل من جهته كذلك كأن قتل المبيع أو باعه أو وهبه وسلمه أو أعتقه على مال أو كاتبه ثم اطلع على عيب فليس له الرجوع بالنقصان ، وكذا إذا قتل عند المشتري خطأ ; لأنه لما وصل البدل إليه صار كأنه ملكه من القاتل بالبدل ، فكان كما لو باعه ثم اطلع على عيب لم يكن له حق الرجوع ولو امتنع الرد بفعل غير مضمون له أن يرجع بالنقصان ولا يرد المبيع ( قوله ومنه ما لو شراه تولية ) هذه إحدى مسألتين ذكرهما في البحر بقوله يستثنى مسألتان : إحداهما بيع التولية لو باع شيئا تولية ثم حدث به عيب عند المشتري وبه عيب قديم لا رجوع ولا رد ; لأنه لو رجع صار الثمن الثاني أنقص من الأول ، وقضية التولية أن يكون مثل الأول . الثانية لو قبض المسلم فيه فوجد به عيبا كان عند المسلم إليه وحدث به عيب عند رب السلم . قال الإمام : يخير المسلم إليه إن شاء قبله معيبا بالعيب الحادث وإن شاء لم يقبل ، ولا شيء عليه من رأس المال ولا من نقصان العيب ; لأنه لو غرم نقصان العيب من رأس المال كان اعتياضا عن الجودة فيكون ربا . ا هـ ملخصا .

( قوله أو خاطه لطفله ) الأولى أن يقول أو قطعه لطفله ; لأن من اشترى ثوبا فقطعه لباسا لطفله وخاطه صار مملكا له بالقطع قبل الخياطة ، فإذا وجد به عيبا لا يرجع بنقصانه : أما لو كان الولد كبيرا يرجع بالعيب ; لأنه لا يصير ملكا له إلا بقبضه فإذا خاطه قبل القبض امتنع الرد بالخياطة فإذا حصل التمليك بعد ذلك بالتسليم لا يمتنع الرجوع بالنقصان بناء على ما سيأتي من أن كل موضع للبائع أخذه معيبا لا يرجع بإخراجه عن ملكه وإلا رجع ; ففي الأول أخرجه عن ملكه قبل امتناع الرد وفي الثاني بعده ، إذ ليس للبائع أخذه معيبا بعد الخياطة كما يأتي ، وتمامه في الزيلعي

وبما قررناه ظهر أن التقييد بالخياطة تبعا للهداية احترازي في الكبير اتفاقي في الصغير كما نبه عليه في البحر ( قوله أو رضي به البائع ) يعني أنه لو أراد الرجوع بنقصان العيب ورضي البائع بأخذه منه معيبا امتنع رجوع المشتري بالنقصان ، بل إما أن يمسكه بلا رجوع ، وإما أن يرده . [ ص: 18 ]

لا يقال : لا حاجة إلى هذه المسألة مع قول المتن وله الرد برضا البائع ; لأن ما في المتن لبيان أنه مخير بين الرجوع بالنقصان والرد برضا البائع ، وهذا لا يدل على أن رضا البائع بالرد يبطل اختيار المشتري الرجوع بالنقصان ، فلذا ذكر الشارح هذه المسألة في مبطلات الرجوع ، فلله دره بما حواه دره فافهم .




الخدمات العلمية