الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( ولو ) ( باع مطلقا عنها ) أي عن هذه الآجال ( ثم أجل الثمن ) الدين ، أما تأجيل المبيع أو الثمن العيني فمفسد ولو إلى معلوم شمني ( إليها صح ) التأجيل ( كما لو كفل إلى هذه الأوقات ) ; لأن الجهالة اليسيرة متحملة في الدين والكفالة لا الفاحشة ( أو أسقط ) المشتري ( الأجل ) في الصور المذكورة ( قبل حلوله ) وقبل فسخه ( و ) قبل ( الافتراق ) حتى لو تفرقا قبل الإسقاط تأكد الفساد ولا ينقلب جائزا اتفاقا . ابن كمال وابن ملك : كجهالة فاحشة [ ص: 83 ] كهبوب الريح ومجيء مطر فلا ينقلب جائزا وإن أبطل الأجل عيني

التالي السابق


( قوله ولو باع إلخ ) أفاد أن ما ذكر من الفساد بهذه الآجال إنما هو إذا ذكرت في أصل العقد ، بخلاف ما إذا ذكرت بعده كما لو ألحقا بعد العقد شرطا فاسدا ، ويأتي تصحيح أنه لا يلتحق ( قوله شمني ) ومثله في الفتح ( قوله صح التأجيل ) كذا جزم به في الهداية والملتقى وغيرهما ، وقدمنا تمام الكلام عليه أول البيوع عند قوله وصح بثمن حال ومؤجل إلى معلوم فراجعه ( قوله متحملة في الدين ) راجع إلى قوله ولو باع مطلقا إلخ ، يعني أن التأجيل بعد صحة العقد تأجيل دين من الديون فتتحمل فيه الجهالة اليسيرة بخلافه في صلب العقد ; لأن قبول هذه الآجال شرط فاسد والعقد يفسد به أفاده في الفتح ( قوله والكفالة ) فإنها تتحمل جهالة الأصل كالكفالة بما ذاب لك على فلان والذوب غير معلوم الوجود فتحل جهالة الوصف وهو الأجل بالأولى ، وتمامه في الفتح ( قوله لا الفاحشة ) كإلى هبوب الريح ونحوه كما يأتي . قال في النهر وهذا يشير إلى أن اليسيرة ما كانت في التقدم والتأخر ، والفاحشة ما كانت في الوجود كهبوب الريح كذا في العناية ا هـ .

[ تنبيه ] في الزاهدي : باعه بثمن نصفه نقد ونصفه إذا رجع من بلد كذا فهو فاسد ( قوله أو أسقط المشتري الأجل ) وجه الصحة أن الفساد كان للتنازع وقد ارتفع قبل تقرره ، وأفاد أن من له الحق يستبد بإسقاطه ; لأنه خالص حقه . وأما قول القدوري تراضيا على إسقاطه ; لأنه لو أسقطه بعد حلوله لا ينقلب جائزا منح : أي لو قال أبطلت التأجيل الذي شرطته في العقد لا يبطل ويبقى الفساد لتقرره بمضي الأجل ، وليس المراد إسقاط الأجل الماضي فافهم ( قوله وقبل فسخه ) أي فسخ العقد . أما لو فسخه للفساد ثم أسقط الأجل لا يعود العقد صحيحا لارتفاعه بالفسخ ( قوله وقبل الافتراق ) هذا في الأجل المجهول جهالة متفاحشة كما يأتي فلا محل لذكره هنا ، ولذا اعترضه الرملي بأن إطباق المتون على عدم ذكره صريح في عدم اشتراطه ، وقول الزيلعي : لو أسقط المشتري الأجل قبل أخذ الناس في الحصاد والدياس وقبل قدوم الحاج جاز البيع ، صريح بانقلابه جائزا ولو بعد أيام ، ولو شرطنا قبل الافتراق لما صح قوله قبل أخذ الناس إلخ ، وإذا تتبعت كلامهم جميعا وجدته كذلك ا هـ ملخصا ( قوله ابن كمال وابن ملك ) أقول : عزاه ابن كمال إلى شرح الطحاوي ، وعزاه ابن الملك إلى الحقائق عن شرح الطحاوي وهو غير صحيح ، فإن الذي رأيته في الحقائق وهو شرح المنظومة النسفية في باب ما اختص به زفر هكذا : اعلم أن البيع بأجل مجهول لا يجوز إجماعا سواء كانت الجهالة متقاربة كالحصاد والدياس مثلا أو متفاوتة كهبوب الريح وقدوم واحد من سفره ، فإن أبطل المشتري الأجل المجهول المتقارب قبل محله وقبل فسخ العقد بالفساد انقلب البيع جائزا عندنا . وعند زفر لا ينقلب ، ولو مضت المدة قبل [ ص: 83 ] إبطال الأجل تأكد الفساد ولا ينقلب جائزا إجماعا ، وإن أبطل المشتري الأجل المجهول المتفاوت قبل التفرق ونقد الثمن انقلب جائزا عندنا . وعند زفر لا ينقلب جائزا ، ولو تفرقا قبل الإبطال تأكد الفساد ولا ينقلب جائزا إجماعا من شرح الطحاوي في أول السلم . قلت : ذكر أبو حنيفة الأجل المجهول مطلقا ، وقد بينت أن إسقاط كل واحد مؤقت بوقت على حدة . ا هـ ما في الحقائق ، وقدمنا مثله أول البيوع عن البحر عن السراج ، ورأيته منقولا أيضا عن البدائع . وحاصله أن اعتبار إبطال الأجل قبل التفرق إنما هو في الأجل المجهول المتفاوت ، أي المجهول جهالة متفاحشة لا في المجهول المتقارب فإنهم لم يذكروه فيه .

والظاهر أن ابن كمال تابع ابن ملك وأن نسخة الحقائق التي نقل منها ابن ملك فيها سقط وتبعه أيضا المصنف والشارح ، وهذا من جملة المواضع التي لم أر من نبه عليها ، ولله تعالى الحمد . [ تنبيه ] قول الحقائق : الثمن غير شرط في المجلس لما في التاسع والثلاثين من جامع الفصولين : أبطل المشتري الأجل الفاسد ونقد الثمن في المجلس أو بعده جاز البيع عندنا استحسانا . وقال زفر والشافعي : لم يجز ، وتمامه فيه ( قوله فلا ينقلب جائزا ، وإن أبطل الأجل ) هذا يوهم أن المراد وإن أبطل الأجل قبل الافتراق ، وليس كذلك ، لما علمت من صريح النقول أنه ينقلب جائزا ، ولأن العيني لم يذكر قوله قبل الافتراق ، فتعين أن المراد إن أبطله قبل حلوله .




الخدمات العلمية