الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( ولو كان ما يدعي على الغائب شرطا ) لما يدعيه على الحاضر كما إذا ادعى مولاه أنه علق عتقه بتطليق زوجة زيد وبرهن على التطليق بغيبة زيد [ ص: 412 ] ( لا ) يقبل [ ص: 413 ] في الأصح ( إذا كان فيه إبطال حق الغائب ) فلو لم يكن كما إذا علق طلاق امرأته بدخول زيد الدار يقبل لعدم ضرر الغائب . ومن حيل إثبات العتق على الغائب أن يدعي المشهود عليه أن الشاهد عبد فلان فبرهن المدعي أن مالكه الغائب أعتقه تقبل ومن حيل الطلاق حيلة الكفالة بمهرها معلقة بطلاقها ودعوى كفالته بنفقة العدة معلقة بالطلاق ومن أراد أن لا يزني فحيلته ما في دعوى البزازية .

ادعى عليها أن زوجها الغائب طلقها وانقضت عدتها وتزوجها فأقرت بزوجية الغائب وأنكرت طلاقه [ ص: 414 ] فبرهن عليها بالطلاق يقضي عليها أنها زوجة الحاضر ولا يحتاج إلى إعادة البينة إذا حضر الغائب .

التالي السابق


( قوله : لا يقبل ) ; لأن الشرط ليس بأصل بالنسبة إلى المشروط بخلاف السبب ، فإن قضى فقد قضى على الغائب ابتداء قهستاني ط . [ ص: 413 ]

قلت : والمتبادر من إطلاقهم أنه لا يقبل في حق الحاضر ولا في حق الغائب ، ويؤيده ما في البحر عن جامع الفصولين علق طلاقها بتزوج عليها فبرهنت أنه تزوج عليها فلانة الغائبة عن المجلس هل تسمع حال الغيبة فيه روايتان ، والأصح أنها لا تقبل في حق الحاضرة والغائبة ، فلا طلاق ولا نكاح ا هـ لكن نقل عنه عقبه فرعا آخر وهو ادعت عليه أنه كفل بمهرها عن زوجها لو طلقها ثلاثا وأنه طلقها ثلاثا ، فأقر المدعى عليه بالكفالة ، وأنكر العلم بوقوع الثلاث فبرهنت به ، يحكم لها بالمهر على الحاضر لا بالفرقة على الغائب ا هـ والظاهر أنه خلاف الأصح بقرينة قوله ، والأصح أنها لا تقبل إلخ .

( قوله : في الأصح ) مقابله ما حكاه في الفتح عن بعض المتأخرين كفخر الإسلام والأوزجندي أنهم أفتوا فيه بانتصاب الحاضر خصما أي فالشرط عندهم كالسبب ، ويقابله أيضا ما ذكرناه آنفا من قبولها في حق الحاضر لا الغائب .

( قوله : يقبل لعدم ضرر الغائب ) وذكر في الفتح أنه ليس في هذا قضاء على الغائب بشيء إذ ليس فيه إبطال حق له ا هـ : أي لأن دخول الغائب الدار لا يترتب عليه حكم لكن قال ط : لو كان الغائب علق طلاق امرأته بدخوله الدار ، فالظاهر أنه في حكم الأول للزوم الضرر ا هـ .

( قوله : ومن حيل إثبات العتق إلخ ) هي من جملة الصور التسع والعشرين المارة .

( قوله : ومن حيل الطلاق إلخ ) الأولى إسقاطه لقول البحر ، وأما حيل إثبات طلاق الغائب فكلها على الضعيف من أن الشرط كالسبب ، قال في جامع الفصولين ومع هذا لو حكم بالحرمة نفذ لاختلاف المشايخ ا هـ .

قلت : يعني إذا كان الحاكم مجتهدا ، أما المقلد فلا يصح حكمه بالضعيف كما ذكرناه سابقا ، نعم نقل في البحر بعد هذا عن الخلاصة الطريق في إثبات الرمضانية أن يعلق وكالة بدخوله فيتنازعان في دخوله فيشهد الشهود فيقضي بالوكالة وبدخوله ا هـ قال في البحر وعليه فإثبات طلاق معلق بدخول شهر حيلة فيه ، ولو كان الزوج غائبا ; لأن هذا ليس من قبيل الشرط ; لأنه لا بد أن يكون فعل الغائب ، وكذا إثبات ملك أو وقف أو نكاح ، فيعلق وكالة بملك فلان ذلك الشيء ، أو بوقفية كذا أو بكون فلانة زوجة فلان ، ويدعي الوكيل فيقول الخصم وكالتك معلقة بما لم يوجد ، فيقول الوكيل بل هي منجزة لتعلقها بكائن ، وبرهن على الملك ونحوه ولا يعلق بفعل الغائب كأن نكح إن وقف إن طلق إن ملك هذا ما ظهر لي ا هـ ملخصا .

قلت : وفيه نظر ; لأن المانع إثبات الضرر بالغائب قال في الفتح : الأصل أن ما كان شرطا لثبوت الحق للحاضر من غير إبطال حق للغائب قبلت البينة فيه ; إذ ليس فيه قضاء على الغائب وما تضمن إبطالا عليه لا تقبل ا هـ فعلم أن المناط إبطال حق الغائب سواء كان الشرط فعله أو لا ، فلا فرق بين كون الشرط إن نكح أو إن كانت منكوحته فتفريع هذه المسائل على ما في الخلاصة غير ظاهر ; إذ ما فيها ليس فيه حكم على غائب أصلا بخلاف هذه المسائل ، فإن فيها الحكم على الغائب ابتداء بما يتضرر به ولو ملكا ، فإنه قد يلزمه منه ضرر واضع اليد المدعي أنه ملكه وغير ذلك فتدبر .

( قوله : ومن أراد أن لا يزني إلخ ) إن كانت هذه الحيلة صدقا فلا وجه لتسميتها حيلة ، ولا لقوله ومن أراد أن لا يزني وصنيعه يوهم أن ذلك سائغ كذبا وليس كذلك ، بل مثله من أكبر الكبائر ط فالصواب إسقاط هذه [ ص: 414 ] العبارة والاقتصار على عبارة البزازية كما فعل في البحر على أن في صحة هذا الفرع كلاما نذكره عقبه .

( قوله : فبرهن عليها بالطلاق ) أي وبأنه تزوجها بعد العدة كما هو ظاهر .

( قوله : يقضي عليها أنها زوجة الحاضر ) أي ويقضي على الغائب بالطلاق كما يدل عليه ما بعده .

قلت : لكن تقدم أن القضاء على الغائب إنما يصح إذا كان سببا لما يقضى على الحاضر لا محالة ، ولا شك أن طلاق الغائب ليس كذلك ; لأن التزوج قد يكون بدون طلاق كما لو لم تكن زوجة أحد ، وانظر ما قدمناه عند قوله سببا لا محالة يظهر لك حقيقة الأمر .

( قوله : ولا يحتاج إلخ ) قال الخير الرملي وفي جامع الفصولين خلافه




الخدمات العلمية