الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( والجنون ) هو اختلاف القوة التي بها إدراك الكليات تلويح ، وبه علم تعريف العقل أنه القوة المذكورة ، ومعدنه القلب وشعاعه في الدماغ درر ( وهو لا يختلف بهما ) لاتحاد سببه ، بخلاف ما مر ، وقيل يختلف عيني [ ص: 10 ] ومقداره فوق يوم وليلة ، ولا بد من معاودته عند المشتري في الأصح ، وإلا فلا رد إلا في ثلاث : زنا الجارية ، والتولد من الزنا ، والولادة فتح .

قلت : لكن في البزازية الولادة ليست بعيب إلا أن توجب نقصانا وعليه الفتوى ، واعتمده في النهر . وفيه : الحبل عيب في بنات آدم لا في البهائم والجذام والبرص والعمى والعور والحول والصمم والخرس والقروح والأمراض عيوب ، وكذا الأدر وهو انتفاخ الأنثيين والعنين والخصي عيب ، وإن اشترى على أنه خصي فوجده فحلا [ ص: 11 ] فلا خيار له جوهرة

التالي السابق


( قوله تلويح ) قال في البحر : وفي التلويح : الجنون اختلال القوة المميزة بين الأشياء الحسنة والقبيحة المدركة للعواقب انتهى . والأخصر اختلال القوة التي بها إدراك الكليات . ا هـ وأشار بقوله والأخصر إلى أن المؤدى واحد ، فما عزاه الشارح إلى التلويح نقل بالمعنى فافهم . ( قوله ومعدنه القلب إلخ ) سئل علي رضي الله عنه عن معدن العقل ، فقال : القلب ، وإشراقه إلى الدماغ ، وهو خلاف ما ذكره الحكماء ، وقوله علي أعلى عند العلماء من بشرح بدء الأمالي للقاري ( قوله وهو لا يختلف بهما ) فلو جن في الصغر في يد البائع ثم عاوده في يد المشتري في الصغر أو في الكبر يرده ; لأنه عين الأول لأن سبب الجنون في حال الصغر والكبر متحد ، وهو فساد الباطن : أي باطن الدماغ .

وهذا معنى قول محمد رحمه الله تعالى : والجنون عيب أبدا ، لا ما قيل إن معناه أنه لا تشترط المعاودة للجنون في يد المشتري فيرد بمجرد وجوده عند البائع فإنه غلط ; لأن الله تعالى قادر على إزالته بإزالة سببه ، وإن كان قلما يزول ، فإذا لم يعاوده جاز كون البيع صدر بعد الإزالة ، فلا يرد بلا تحقق قيام العيب فلا بد من المعاودة ، وهذا هو الصحيح ، وهو المذكور في الأصل والجامع الكبير ، واختاره الإسبيجابي فتح ( قوله وقيل يختلف ) فيكون مثل ما مر من الإباق [ ص: 10 ] ونحوه فلا بد من تكرره في الصغر أو في الكبر وهذا قول ثالث ( قوله ومقداره فوق يوم وليلة ) جزم به الزيلعي وقيل هو عيب ولو ساعة ، وقيل المطبق نهر ، والمطبق بفتح الباء بحر ، ومر تعريفه في الصوم ( قوله في الأصح ) قد علمت أن مقابله غلط ( قوله إلا في ثلاث إلخ ) فيه أن الكلام في معاودة الجنون وهذه ليست منه ، وهي مستثناة من اشتراط المعاودة مطلقا . وعبارة البحر : الأصل أن المعاودة عند المشتري بعد الوجود عند البائع شرط للرد إلا في مسائل إلخ ( قوله والتولد من الزنا ) بأن يكون الرقيق متولدا من الزنا ، لكن هذا مما لا تمكن معاودته ط ( قوله والولادة ) قال في الفتح : إذا ولدت الجارية عند البائع لا من البائع أو عند آخر فإنها ترد على رواية كتاب المضاربة وهو الصحيح وإن لم تلد ثانيا عند المشتري ; لأن الولادة عيب لازم ; لأن الضعف الذي حصل بالولادة لا يزول أبدا ، وعليه الفتوى .

وفي رواية كتاب البيوع لا ترد . ا هـ وقوله لا من البائع ; لأنها لو ولدت منه صارت أم ولده فلا يصح بيعها . قال في الشرنبلالية : وقوله وإن لم تلد ليس المراد ما يوهم الرد بعد ولادتها عند المشتري لامتناعه بتعيبها عنده بالولادة ثانيا مع العيب السابق بها . ا هـ .

قلت : هذا مسلم إن حصل بالولادة الثانية عيب زائد على الأول فتأمل . ( قوله فتح ) صوابه بحر ; لأنه في الفتح لم يذكر إلا الأخيرة ( قوله واعتمده في النهر ) حيث قال : وعندي أن رواية البيوع أوجه ; لأن الله تعالى قادر على إزالة الضعف الحاصل بالولادة . ثم رأيت في البزازية عن النهاية : الولادة ليست بعيب إلا أن توجب نقصانا وعليه الفتوى . ا هـ وهذا هو الذي ينبغي أن يعول عليه . ا هـ كلام النهر .

أقول : الذي رأيته في نسختين من البزازية ، وكذا في غيرها نقلا عنها ما نصه : اشتراها وقبضها ثم ظهر ولادتها عند البائع لا من البائع وهو لا يعلم ، في رواية المضاربة عيب مطلقا ; لأن التكسر الحاصل بالولادة لا يزول أبدا وعليه الفتوى . وفي رواية إن نقصتها الولادة عيب ، وفي البهائم ليست بعيب إلا أن توجب نقصانا وعليه الفتوى . ا هـ فقوله . وفي البهائم كأنه وقع في نسخة صاحب النهر ، وفي النهاية فظنه تصحيحا للرواية الثانية في مسألة الجارية ، وهو تصحيف من الكاتب بنى عليه ما زعمه وليس كذلك ، فلم يكن في المسألة اختلاف تصحيح ، بل التصحيح الثاني لولادة البهيمة فافهم .

( قوله الحبل عيب إلخ ) نص على هذا التفصيل في كافي الحاكم فصار الحبل في حكم الولادة على ما عرفته ، وعلله في السراج بأن الجارية تراد للوطء والتزويج ، والحبل يمنع من ذلك ، وأما في البهائم فهو زيادة فيها ( قوله وكذا الأدر ) بفتح الهمزة والدال مع القصر ، أما ممدود الهمزة فهو من به الأدر وفعله كفرح والاسم الأدرة بالضم ، وقوله الأنثيين غير شرط بل انتفاخ أحدهما كاف فيما يظهر ط ( قوله والعنين ) الظاهر أن الياء زائدة من النساخ والأصل والعنن بنونين فيكون قوله والخصي بكسر ففتح وعبارة الخانية والعنة عيب وكذا الخصي والأدرة ( قوله عيب ) مصدر يصدق بالمتعدد وغيره فلا ينافي جعله خبرا عن شيئين ، وعلى [ ص: 11 ] كون النسخة العنين والخصي بالتشديد فيهما يكون التقدير ذوا عيب ( قوله فلا خيار له ) ; لأن الخصاء عند الإمام في العبد عيب فكأنه شرط العيب فبان سليما . وقال الثاني : الخصي أفضل لرغبة الناس فيه فيخير بزازية ، وجزم في الفتح بقول الثاني ، ومقتضاه جريان الخلاف أيضا فيما لو شرى الجارية على أنها مغنية ; لأن الغناء عيب شرعا كالخصاء كما قدمناه قبيل خيار الرؤية




الخدمات العلمية