الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        [ ص: 343 ] 24 - باب وقعة أحد

                                                                                        4260 \ 1 - قال إسحاق : أخبرنا وهب بن جرير بن حازم ، حدثنا أبي ، قال : سمعت محمد بن إسحاق يقول : حدثني يحيى بن عباد ، عن أبيه ، عن عبد الله بن الزبير ، عن الزبير رضي الله عنه ، قال : والله ، إني لأنظر يومئذ إلى خدم النساء مشمرات يسعين حين انهزم القوم ، وما أرى دون أخذهن شيئا ، وإنا لنحسبهم قتلى ما يرجع إلينا منهم أحد ، ولقد أصيب أصحاب اللواء ، وصبروا عنده حتى صار إلى عبد له حبشي يقال له : صواب ، ثم قتل صواب فطرح اللواء ، فما يقربه أحد من خلق الله تعالى حتى وثبت إليه عمرة بنت علقمة الحارثية ، فرفعته لهم ، وثاب إليه الناس .

                                                                                        قال الزبير رضي الله عنه : فوالله ، إنا لكذلك قد علوناهم وظهرنا عليهم ، إذ خالفت الرماة عن أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأقبلوا إلى العسكر حين رأوه مختلا قد أجهضناهم عنه ، فرغبوا إلى الغنائم وتركوا عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعلوا يأخذون الأمتعة ، فأتتنا الخيل من خلفنا فحطمتنا ، وكر الناس منهزمين ، فصرخ صارخ يرون أنه الشيطان : ألا إن محمدا قد قتل ، فأعظم الناس ، وركب بعضهم بعضا ، فصاروا أثلاثا : ثلثا [ ص: 344 ] جريحا ، وثلثا مقتولا ، وثلثا منهزما ، قد بلغت الحرب ، وقد كانت الرماة اختلفوا فيما بينهم ، فقالت طائفة رأوا الناس وقعوا في الغنائم : وقد هزم الله تعالى المشركين ، وأخذ المسلمون الغنائم ، فماذا تنتظرون ؟ وقالت طائفة : قد تقدم إليكم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ونهاكم أن تفارقوا مكانكم ، إن كانت عليه أو له ، فتنازعوا في ذلك ، ثم إن الطائفة الأولى من الرماة أبت إلا أن تلحق بالعسكر ، فتفرق القوم ، وتركوا مكانهم ، فعند ذلك حملت خيل المشركين
                                                                                        .

                                                                                        هذا إسناد صحيح ، له شاهد في الصحيح من حديث البراء رضي الله عنه .

                                                                                        [ ص: 345 ] [ ص: 346 ] [ ص: 347 ]

                                                                                        4260 \ 2 - وبهذا الإسناد إلى الزبير رضي الله عنه قال : والله إن النعاس ليغشاني إذ سمعت ابن قشير يقولها ، وما أسمعها منه إلا كالحلم ، ثم قرأ : إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان إنما استزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا ولقد عفا الله عنهم إن الله غفور حليم .

                                                                                        قال : والذين تولوا عند جولة الناس عثمان بن عفان ، وسعيد بن عثمان الزرقي ، وأخوه عقبة بن عثمان ، حتى بلغوا جبلا بناحية المدينة يقال له : الحاجب ببطن الأعوص ، فأقاموا به ثلاثا ، فزعموا أنهم لما رجعوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : لقد ذهبتم فيها عريضة .

                                                                                        ثم قال : يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين كفروا يعني : المنافقين ، وقالوا لإخوانهم إذا ضربوا في الأرض أو كانوا غزى لو كانوا عندنا ما ماتوا وما قتلوا ليجعل الله ذلك حسرة في قلوبهم الآية ، قال : ابتغاء وتحسرا ، وذلك لا يغني عنهم شيئا .

                                                                                        ثم كانت القصة فيما يأمر به نبيه صلى الله عليه وسلم ويعهد إليه ، حتى انتهى إلى قوله : أولما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها يعني : يوم بدر ، فيمن قتلوا وأسروا ، قلتم أنى هذا قل هو من عند أنفسكم التي كانت من الرماة ، قال : فقال : وما أصابكم يوم التقى الجمعان فبإذن الله وليعلم المؤمنين يقول : علانية [ ص: 348 ] أمرهم ويظهر أمرهم ، وليعلم الذين نافقوا فيكون أمرهم علانية ، ويعني عبد الله بن أبي ومن معه ممن رجع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين سار إلى عدوه ، وقيل لهم تعالوا قاتلوا في سبيل الله أو ادفعوا قالوا لو نعلم قتالا لاتبعناكم وذلك لقولهم حين قال لهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم سائرون إلى أحد حين انصرفوا عنهم : أتخذلوننا وتسلموننا لعدونا ، فقالوا : ما نرى أن يكون قتالا ، لو نرى أن يكون قتالا لاتبعناكم ، يقول الله عز وجل : هم للكفر يومئذ أقرب منهم للإيمان يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم والله أعلم بما يكتمون الذين قالوا لإخوانهم من ذوي أرحامهم ، ولم يعن تعالى إخوانهم في الدين لو أطاعونا ما قتلوا ، قال الله عز وجل : قل فادرؤوا عن أنفسكم الموت إن كنتم صادقين
                                                                                        .

                                                                                        قال إسحاق : هكذا حدثنا به وهب ، وأظن بعض التفسير من ابن إسحاق ، يعني قوله كذا يعني كذا .

                                                                                        قلت : بل انتهى حديث الزبير رضي الله عنه إلى قوله تبارك وتعالى : غفور حليم ، ومن قوله : قال : والذين تولوا إلى آخر الحديث من حديث ابن إسحاق بغير إسناد .

                                                                                        [ ص: 349 ]

                                                                                        4260 \ 3 - أخبرنا يحيى بن آدم ، حدثنا ابن أبي زائدة ، عن محمد بن إسحاق ، عن يحيى بن عباد ، عن أبيه ، عن عبد الله بن الزبير ، عن أبيه رضي الله عنه ، قال : لقد رأيتني مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد حين اشتد علينا الخوف وأرسل علينا النوم ، فما منا أحد إلا وذقنه - أو قال : ذقنه - في صدره ، فوالله ، إني لأسمع كالحلم قول معتب بن قشير لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا هاهنا ، فحفظتها ، فأنزل الله عز وجل في ذلك : ثم أنـزل عليكم من بعد الغم أمنة نعاسا إلى قوله : ما قتلنا ها هنا لقول معتب بن قشير ، قال : لو كنتم في بيوتكم حتى بلغ : والله عليم بذات الصدور .

                                                                                        [ ص: 350 ]

                                                                                        4260 \ 4 - أخبرنا وهب ، حدثنا أبي ، قال : سمعت محمد بن إسحاق يقول : حدثني يحيى بن عباد ، عن أبيه ، عن عبد الله بن الزبير ، عن الزبير بن العوام رضي الله عنه ، قال : خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مصعدين في أحد ... فذكر الحديث .

                                                                                        قال : ثم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب يأتي المهراس ، فأتاه بماء في درقته ، فأتى به رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأراد أن يشرب منه ، فوجد له ريحا فعافه ، فغسل به وجهه صلى الله عليه وسلم من الدماء التي أصابته ، وهو يقول : اشتد غضب الله على من أدمى وجه رسول الله ، وكان الذي أدماه يومئذ عتبة بن أبي وقاص
                                                                                        .

                                                                                        [ ص: 351 ]

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        الخدمات العلمية