الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      آ. (60) قوله : يذكرهم : في هذه الجملة [وجوه] أحدها: أن "سمع" هنا تتعدى لاثنين لأنها متعلقة بعين، فيكون "فتى" مفعولا أول، و "يذكرهم" هذه الجملة في محل نصب مفعولا ثانيا، ألا ترى أنك لو قلت: "سمعت زيدا" وسكت لم يكن كلاما بخلاف سمعت قراءته وحديثه. والثاني: أنها في محل نصب أيضا صفة لإبراهيم، قال الزمخشري: "فإن قلت: ما حكم الفعلين بعد "سمعنا" وما الفرق بينهما؟ قلت: هما صفتان لـ "فتى"; إلا أن الأول وهو "يذكرهم" لا بد منه لـ "سمع"; لأنك لا تقول: سمعت زيدا، وتسكت، حتى تذكر شيئا مما يسمع، وأما الثاني فليس كذلك".

                                                                                                                                                                                                                                      قلت: هذا الذي قاله لا يتعين; لما عرفت أن "سمع" إن تعلقت بما يسمع نحو "سمعت مقالة بكر" فلا خلاف أنها تتعدى لواحد، وإن تعلقت بما لا يسمع فلا يكتفى به أيضا بلا خلاف; بل لا بد من ذكر شيء يسمع فلو قلت: "سمعت زيدا" وسكت، أو "سمعت زيدا يركب" لم يجز. فإن قلت: سمعته يقرأ صح. وجرى في ذلك خلاف بين النحاة، فأبو علي يجعلها متعدية لاثنين ولا يتمشى عليه قول الزمخشري، وغيره يجعلها متعدية لواحد، ويجعل الجملة بعد المعرفة حالا، وبعد النكرة صفة، وهذا أراد الزمخشري.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: "إبراهيم" في رفع " إبراهيم " أوجه أحدها: أنه مرفوع على ما لم يسم فاعله أي: قال له هذا اللفظ، ولذلك قال أبو البقاء: "فالمراد الاسم لا المسمى" وفي هذه المسألة خلاف بين النحويين: أعني تسلط القول على المفرد الذي لا يؤدي معنى جملة، ولا هو مقتطع من جملة، ولا هو مصدر لـ "قال"، ولا هو صفة لمصدره نحو: قلت زيدا، أي: قلت هذا اللفظ، [ ص: 176 ] فاختاره جماعة كالزجاجي والزمخشري وابن خروف وابن مالك، ومنعه آخرون. وممن اختار رفع " إبراهيم " على ما ذكرت الزمخشري وابن عطية. أما إذا كان المفرد مؤديا معنى جملة كقولهم: قلت خطبة وشعرا وقصيدة، أو اقتطع من جملة كقوله:


                                                                                                                                                                                                                                      3354 - إذا ذقت فاها قلت طعم مدامة معتقة مما يجيء به التجر



                                                                                                                                                                                                                                      أو كان مصدرا نحو: قلت قولا، أو صفة له نحو: قلت حقا أو باطلا، فإنه يتسلط عليه. كذا قالوا: وفي قولهم "المفرد المقتطع من الجملة" نظر لأن هذا لم يتسلط عليه القول، إنما يتسلط على الجملة المشتملة عليه.

                                                                                                                                                                                                                                      الثاني: أنه خبر مبتدأ مضمر أي: يقال له: هذا إبراهيم، أو هو إبراهيم. الثالث: أنه مبتدأ محذوف الخبر أي: يقال له: إبراهيم فاعل ذلك. الرابع: أنه منادى وحرف النداء محذوف أي: يا إبراهيم، وعلى الأوجه الثلاثة فهو مقتطع من جملة، وتلك الجملة محكية بيقال. وقد تقدم تقرير هذا في البقرة عند "وقولوا حطة" رفعا ونصبا. وفي الأعراف عند قوله "قالوا معذرة" رفعا ونصبا.

                                                                                                                                                                                                                                      والجملة من "يقال له" يحتمل أن تكون مفعولا آخر نحو قولك: "ظننت [ ص: 177 ] زيدا كاتبا شاعرا" وأن تكون صفة على رأي الزمخشري ومن تابعه، وأن تكون حالا من "فتى". وجاز ذلك لتخصصها بالوصف.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية