الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 264 ] آ. (27) قوله : وأذن : قرأ العامة بتشديد الذال بمعنى ناد. وقرأ الحسن وابن محيصن "آذن" بالمد والتخفيف بمعنى أعلم. ويبعده قوله: "في الناس" إذ كان ينبغي أن يتعدى بنفسه. وقرآ أيضا فيما نقله عنهما أبو الفتح "أذن" بالقصر وتخفيف الذال. وخرجها أبو الفتح وصاحب "اللوامح" على أنها عطف على "بوأنا" أي: واذكر [645/أ] إذ بوأنا وإذ أذن في الناس وهي تخريج واضح. وزاد صاحب "اللوامح" فقال: "فيصير في الكلام تقديم وتأخير ويصير "يأتوك" جزما على جواب الأمر الذي في "وطهر": ونسب ابن عطية أبا الفتح في هذه القراءة إلى التصحيف فقال - بعد أن حكى قراءة الحسن وابن محيصن "وآذن" بالمد- "وتصحف هذا على ابن جني فإنه حكى عنهما "وأذن" على فعل ماض. وأعرب على ذلك بأن جعله عطفا على "بوأنا" .

                                                                                                                                                                                                                                      قلت: ولم يتصحف فعله، بل حكى تلك القراءة أبو الفضل الرازي في "اللوامح" له عنهما، وذكرها أيضا ابن خالويه، ولكنه لم يطلع عليها فنسب من اطلع إلى التصحيف ولو تأنى أصاب أو كاد.

                                                                                                                                                                                                                                      وقرأ ابن أبي إسحاق "بالحج" بكسر الحاء حيث وقع كما قدمته عنه.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: "رجالا" نصب على الحال، وهو جمع راجل نحو: صاحب [ ص: 265 ] وصحاب وتاجر وتجار وقائم وقيام. وقرأ عكرمة والحسن وأبو مجلز "رجالا" بضم الراء وتشديد الجيم. وروي عنهم تخفيفها. وافقهم ابن أبي إسحاق على التخفيف وجعفر بن محمد ومجاهد على التشديد. ورويت عن ابن عباس بالألف. فالمخفف اسم جمع كظؤار، والمشدد جمع تكسير كصائم وصوام. وروي عن عكرمة أيضا "رجالى" كنعامى بألف التأنيث، وكذلك عن ابن عباس وعطاء، إلا أنهما شددا الجيم.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: "وعلى كل ضامر" نسق على "رجالا" فيكون حالا أي: مشاة وركبانا.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: "يأتين" النون ضمير "كل ضامر" حملا على المعنى; إذ المعنى: على ضوامر. و "يأتين" صفة لـ "ضامر". وأتى بضمير الجمع حملا على المعنى. وكان قد تقرر أول هذا التصنيف أن "كل" إذا أضيفت إلى نكرة لم يراع معناها، إلا في قليل كقوله:


                                                                                                                                                                                                                                      3383 - جادت عليه كل عين ثرة فتركن كل حديقة كالدرهم



                                                                                                                                                                                                                                      وهذه الآية ترده; فإن "كلا" فيها مضافة لنكرة وقد روعي معناها. وكان [ ص: 266 ] بعضهم أجاب عن بيت زهير بأنه إنما جاز ذلك لأنه في جملتين، فقلت: فهذه الآية جملة واحدة لأن "يأتين" صفة لـ "ضامر".

                                                                                                                                                                                                                                      وجوز الشيخ أن يكون الضمير يشمل رجالا وكل ضامر قال: "على معنى الجماعات والرفاق" قلت: فعلى هذا يجوز أن يقال عنده: الرجال يأتين. ولا ينفعه كونه اجتمع مع الرجال هنا كل ضامر فيقال: جاز ذلك لما اجتمع معه ما يجوز فيه ذلك; إذ يلزم منه تغليب غير العاقل على العاقل، وهو ممنوع.

                                                                                                                                                                                                                                      وقرأ ابن مسعود والضحاك وابن أبي عبلة "يأتون" تغليبا للعقلاء الذكور، وعلى هذا فيحتمل أن يكون قوله: "وعلى كل ضامر" حالا أيضا. ويكون "يأتون" مستأنفا يتعلق به "من كل فج" أي: يأتوك رجالا وركبانا ثم قال: يأتون من كل فج، وأن يتعلق بقوله: "يأتون" أي: يأتون على كل ضامر من كل فج، و "يأتون" مستأنف أيضا. ولا يجوز أن يكون صفة لـ "رجالا" ولـ "ضامر" لاختلاف الموصوف في الإعراب; لأن أحدهما منصوب والآخر مجرور. لو قلت "رأيت زيدا ومررت بعمرو العاقلين" على النعت لم يجز، بل على القطع. وقد جوز ذلك الزمخشري فقال: "وقرئ "يأتون" صفة للرجال والركبان" وهو مردود بما ذكرته.

                                                                                                                                                                                                                                      والضامر: المهزول، يقال:. . . . والعميق: البعيد سفلا. يقال: بئر عميق ومعيق، فيجوز أن يكون مقلوبا، لأنه أقل من الأول قال:

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 267 ]

                                                                                                                                                                                                                                      3384 - إذا الخيل جاءت من فجاج عميقة     يمد بها في السير أشعث شاحب



                                                                                                                                                                                                                                      يقال: عمق وعمق بكسر العين وضمها عمقا بفتح الفاء. قال الليث: عميق ومعيق، والعميق في الطريق أكثر". وقال الفراء: "عميق" لغة الحجاز، و "معيق" لغة تميم ". وأعمقت البئر وأمعقتها، وعمقت ومعقت عماقة ومعاقة وإعماقا وإمعاقا. قال رؤبة:


                                                                                                                                                                                                                                      3385 - وقاتم الأعماق خاوي المخترق      ... ... ... ...



                                                                                                                                                                                                                                      الأعماق هنا - بفتح الهمزة- جمع عمق، وعلى هذا فلا قلب في معيق لأنها لغة مستقلة، وهو ظاهر قول الليث أيضا. وقرأ ابن مسعود "فج معيق" بتقديم الميم. ويقال: غميق بالغين المعجمة أيضا.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية