[ ص: 25 ] جماع أبواب سيرته -صلى الله عليه وسلم- في الهدايا والعطايا والإقطاعات 
الباب الأول في سيرته -صلى الله عليه وسلم- في الهدية 
وفيه أنواع : 
الأول : في أمره صلى الله عليه وسلم بالتهادي :  
روى  إبراهيم الحربي  وأبو بكر أحمد بن أبي عاصم  في (كتاب الأموال) عن  أبي هريرة-  رضي الله عنه قال- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : الهدية تذهب وحر الصدر .  
الثاني : في قبوله صلى الله عليه وسلم الهدية ولو قلت وإثابته عليها  
روى  الإمام أحمد   والبخاري   وأبو داود   والترمذي  عن  عائشة   -رضي الله عنها- قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل الهدية ويثيب عليها . 
وروى  الإمام أحمد   والترمذي  وصححه ابن سعد  عن أنس -رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «لو أهدي إلي كراع لقبلت ولو دعيت عليه لأجبت» وفي لفظ «إذا دعيت إلى ذراع» وفي لفظ «إلى كراع لأجبت» ورواه  البخاري  عن  أبي هريرة .  
وروى  الإمام أحمد   والطبراني  برجال الصحيح وابن سعد  عن  عبد الله بن بسر  رضي الله عنه قال : كانت أمي وفي لفظ «أختي» تبعثني بالهدية إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وفي لفظ : بالشيء فيقبلها مني . 
وروى  الطبراني  عنه قال : بعثتني أمي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بقطف من عنب فأكلته ، فقالت أمي : هل أتاك عبد الله بقطف ؟ قال : لا ، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رآني قال : «غدر غدر» . 
ورواه تمام بن محمد الرازي  بلفظ : «بقطف من العنب ، فناولت منه فأكلته قبل أن أبلغه إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فلما جئته مسح على رأسي ، وقال : «يا غدر!» . 
 [ ص: 26 ] وروى  الإمام أحمد  عن عبد الله بن سرجس   -رضي الله تعالى عنه- قال : كانت أختي ربما تبعثني بالشيء إلى النبي صلى الله عليه وسلم تطرقه إياه فيقبله مني . 
وروى  الإمام أحمد   والبزار  عن  ابن عباس   -رضي الله تعالى عنهما- أن أعرابيا أهدى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم هدية فأثابه عليها ، قال ، أرضيت ؟ قال : لا ، فزاده ، قال : أرضيت ؟ قال : لا ، فزاده ، قال : أرضيت ؟ قال : نعم . 
وروى  أبو يعلى  برجال الصحيح وأبو بكر أحمد بن عمر بن أبي عاصم  بسند صحيح عن  ابن عمر   -رضي الله تعالى عنه- أن رجلا كان يلقب حمارا ، وكان يهدي لرسول الله صلى الله عليه وسلم العكة من السمن ، والعكة من العسل ، فإذا جاء صاحبها يتقاضاه جاء به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فيقول : يا رسول الله ، أعط هذا ثمن متاعه فما يزيد رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن يتبسم ، أو يأمر به فيعطى . 
وروى  الطبراني  عن  أم سلمة   والإمام أحمد  برجال الصحيح  وأبو يعلى   والبزار  عن  عائشة   -رضي الله تعالى عنها- قالت أم سنبلة :  أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بهدية وقالت  عائشة :  أهدت أم سنبلة  لرسول الله صلى الله عليه وسلم لبنا فلم تجده ، فقلت لها : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد نهانا أن نأكل من طعام الأعراب ، فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر  معه ، فقال : «ما هذا معك يا أم سنبلة»  فقالت : لبنا أهديته لك يا رسول الله ، فقال : «اسكبي أم سنبلة»  فسكبت ، فنادى عائشة ، فناولها فشربت فقال : «اسكبي أم سنبلة»  فسكبت فناولته رسول الله صلى الله عليه وسلم فشرب ، فقالت عائشة : فشرب رسول الله صلى الله عليه وسلم من لبن أسلم ، ثم قالت : قد كنت حدثت أنك قد نهيت عن طعام الأعراب ، فقال : يا  عائشة ،  هم ليسوا بأعراب ، هم أهل باديتنا ، ونحن أهل حاضرتهم ، وإذا دعوا أجابوا ، فليسوا بأعراب . 
زاد  الطبراني :  وأعطاها كذا وكذا واديا وزودا ، فاشترى عبد الله بن حسن الوادي  منهم . 
وروى  الطبراني  برجال الصحيح عن عياض بن عبد الله ،  عن أبيه -رضي الله تعالى عنه- قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أهدى له رجل عكة من عسل ، فقبلها وقال : احم شعبي ، فحماه ، وكتب له كتابا . 
 [ ص: 27 ] وروى  عبد الرزاق  عن  زيد بن أسلم  مرسلا قال : لقي النبي صلى الله عليه وسلم امرأة تخرج من عند  عائشة ،  ومعها شيء تحمله ، فقال لها : طعاما هذا ؟ قالت : أهديت لعائشة ، فأبت أن تقبله ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم «ألا قبلته منها مرة واحدة ؟ » قالت : يا رسول الله ، إنها محتاجة وإنها كانت أحوج إليه مني ، قال : «فهلا قبلته منها وأعطيتها خيرا» . 
وروى  الإمام أحمد   وابن حبان  عن  أنس   -رضي الله تعالى عنه- أن رجلا من أهل البادية كان اسمه زاهر ،  وكان يهدي للنبي صلى الله عليه وسلم الهدية من البادية ، فيجهزه رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يخرج ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إن زاهرا  باديتنا ونحن حاضروه» . 
وروى  ابن أبي شيبة ،  عن  الربيع بنت معوذ   -رضي الله تعالى عنها- قالت : أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بقناع من رطب وآخر من زغب فأكل منها ، وأعطاني ملء كفي حليا أو ذهبا ، وقال : تحلي به . 
وروى  الطبراني  بسند ضعيف عن  ابن عباس   -رضي الله تعالى عنهما- أن الحجاج بن علاط السلمي  أهدى لرسول الله صلى الله عليه وسلم سيفه ذا الفقار ، ودحية  أهدى له بغلة شهباء . 
وروى  أبو يعلى  عن  أبي بكر الصديق   -رضي الله تعالى عنه- قال : نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم منزلا فبعث له امرأة مع ابن لها بشاة ، فحلب ثم قال : انطلق به إلى أمك ، فشربت حتى رويت ، ثم جاء بشاة أخرى فحلب ثم شرب . 
الثالث : في قبوله صلى الله عليه وسلم جرة من جماعة من ملوك أهل الكتاب  
وروى  الإمام أحمد   والترمذي  وحسنه عن  علي   -رضي الله تعالى عنه- قال أهدى كسرى  لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقبل منه ، وأهدى له قيصر فقبل منه ، وأهدت له الملوك فقبل منهم . 
وروى  ابن أبي شيبة   والإمام أحمد  عن  أنس   -رضي الله تعالى عنه- قال أهدى كسرى  لرسول الله صلى الله عليه وسلم جرة من من ، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يعطي أصحابه منها قطعة قطعة ، وأعطى جابرا قطعة ثم عاد فأعطاه قطعة أخرى ، فقال : يا رسول الله لقد أعطيتني ، فقال : هذا لبنات عبد الله ، يعني أخواته . 
 [ ص: 28 ] وروى  أحمد   ومسلم  عن  البراء بن عازب  قال : أهدى البدر لرسول الله صلى الله عليه وسلم حلة من سندس ، وكان ينهى عن الحرير ، فعجب الناس منها ، فقال : والذي نفسي بيده ، إن مناديل سعد بن معاذ في الجنة أحسن من هذا . 
وروى الحارث بن أبي أسامة   والبزار   والطبراني   وابن خزيمة  وإبراهيم الحربي  وأبو بكر أحمد بن عمر بن أبي شيبة  بسند صحيح عن بريدة   -رضي الله تعالى عنه- قال : أهدى أمير القبط إلى النبي صلى الله عليه وسلم جاريتين أختين ، وبغلة ، فكان يركب البغلة بالمدينة ،  واتخذ إحدى الجاريتين لنفسه ، فولدت له إبراهيم ،  ووهب الأخرى  لحسان بن ثابت ،  فولدت له محمدا .  
وروى  البزار  عن  أنس   -رضي الله تعالى عنه- أن ملك ذي يزن أهدى لرسول الله صلى الله عليه وسلم جرة من من فقبلها . 
وروى  الطبراني  برجال ثقات عن  عائشة   -رضي الله تعالى عنها- قالت : أهدى المقوقس  ملك القبط إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مكحلة عيدان شامية ومرآة ومشطا . 
وروى  البزار  عن  ابن عباس   -رضي الله تعالى عنهما- قال : أهدى المقوقس  لرسول الله صلى الله عليه وسلم قدح قوارير . 
وروى أبو الحسن بن الضحاك  عن  ابن عمر   -رضي الله تعالى عنهما- قال : كساني رسول الله صلى الله عليه وسلم حلة من حلة السيراء ، أهداها له فيروز . 
وروى  البخاري  عن  أبي حميد الساعدي   -رضي الله تعالى عنه- قال غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم تبوك وأهدى ملك أيلة للنبي صلى الله عليه وسلم بغلة بيضاء ، وكساه بردا ، وكتب له ببحرهم . 
ورواه  مسلم  بلفظ : جاء رسول صاحب أيلة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بكتاب ، وأهدى له بغلة بيضاء ، فكتب له رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأهدى له بردا . 
وروى  إبراهيم الحربي  في كتاب هدي الأموال عن  علي   -رضي الله تعالى عنه- قال : أهدى يوحنا بن رؤبة  إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بغلة بيضاء . 
وروى  أبو داود  عن  أنس   -رضي الله  [ ص: 29 ] عنه- أن ملك الروم أهدى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم جبة من سندس ، كما تقدم في رواية  أحمد   ومسلم :  وشيقة ، فليحرر . 
الرابع : في رده صلى الله عليه وسلم الهدية لأمير ، وسيرته في هدية الأمراء ، وعدم قبوله الصدقة 
وروى الإمامان  الشافعي   وأحمد  والشيخان عن الصعب بن جثامة   -رضي الله تعالى عنه- أنه أهدى لرسول الله صلى الله عليه وسلم حمارا وحشيا وهو بالأبواء ، أو بودان فرده عليه ، فلما رأى ما في وجهه ، وفي رواية : ما في وجهي من الكراهة ، قال : «ليس بنا رد عليك» وفي رواية «إنا لم نرده إليك إلا أنا حرم» . 
وروى  الإمام أحمد  عن  عائشة   -رضي الله تعالى عنه- أنه قد أهدي لرسول الله صلى الله عليه وسلم وشيقة ظبي فردها ، ولم يأكلها .  
وروى الشيخان عن  أبي حميد الساعدي   -رضي الله تعالى عنه- قال : استعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا من الأزد يقال له : ابن اللتبية ، فلما قدم ، قال : هذا لكم ، وهذا أهدي إلي ، قال : فهلا جلس في بيت أبيه أو بيت أمه ، فينظر أيهدى إليه أم لا ؟ والذي نفسي بيده ، لا يأخذ منه شيئا إلا جاء به يوم القيامة يحمله على رقبته ، إن كان بعيرا له رغاء ، أو بقرة لها خوار ، أو شاة تيعر ، ثم رفع يديه حتى رأينا عفرة إبطيه : اللهم هل بلغت . ثلاثا . 
وروى ابن سعد  عن  أبي هريرة   -رضي الله تعالى عنه- وعون بن عبد الله عن حبيب بن عبيد الرجي ،  ورشيد بن مالك ،  قالوا : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتي بطعام أو غيره ، قال : صدقة أم هدية ؟ فإن قيل : من صدقة صرفها إلى أهل الصدقة ، أو قال : كلوا ولم يأكل ، وإن قيل : هدية أمر بها ، فوضعت ثم أهدى أهل الصدقة منها  . ولفظ  أبي هريرة :  قبل الهدية ولم يقبل الصدقة . 
وتقدمت قصة  سلمان  في أوائل الكتاب . 
				
						
						
