مسألة : قال  الشافعي      : " فإن قذف نفرا بكلمة واحدة ، كان لكل واحد منهم حده " .  
قال  الماوردي      :  قذف الواحد للجماعة   ضربان :  
أحدهما : أن يفرد كل واحد منهم بالقذف فيقذفه بكلمة مفردة ، فلا تتداخل حدودهم ، ويحد لكل واحد منهم حدا مفردا .  
 [ ص: 257 ] والضرب الثاني : يجمعهم في القذف بكلمة واحدة فيقول : زنيتم ، أو أنتم زناة . ففيه قولان :  
أحدهما : - وبه قال في القديم - أنه تتداخل حدودهم ، ويحد لجميعهم حدا واحدا ، اعتبارا بكلمة القذف أنها واحدة .  
والقول الثاني : - وبه قال في الجديد - أن حدودهم لا تتداخل ، ويحد لكل واحد منهم حدا منفردا اعتبارا بهم .  
وقال  أبو حنيفة      : تتداخل حدود جماعتهم ، ويحد لجميعهم حدا واحدا ، سواء جمعهم في القذف بكلمة واحدة أو أفردهم وقذف كل واحد منهم بكلمة مفردة : احتجاجا بقول الله تعالى :  والذين يرمون المحصنات      [ النور : 4 ] ، الآية فجعل لكل المحصنات حدا واحدا .  
وبما روي أن  هلال بن أمية   قذف امرأته  بشريك بن السمحاء   فقال له النبي صلى الله عليه وسلم :  البينة وحدا ، أو حد في ظهرك  فقذف اثنين أوجب عليه حدا .  
ولأن  عمر بن الخطاب   رضي الله عنه حد الثلاثة الذين شهدوا على  المغيرة   بالزنا حدا واحدا ، وقد صاروا قذفة له وللمرأة     .  
ولأن فعل الزنا أغلظ من القذف به ، ثم كان الزنا إذا تكرر في جماعة تداخلت حدود ، فكان القذف به أولى أن تتداخل حدوده .  
وتحريره قياسا : أنها حدود من جنس واحد فوجب أن تتداخل كالزنا ، ولأنه لما تداخل القذف إذا تكرر في واحد وجب أن يتداخل إذا تكرر في جماعة ، ولأنها حدود تتداخل في الزنا ، فوجب أن تتداخل في القذف كالمتكرر في الشخص الواحد .  
ودليلنا هو أن القذف موجب للحد في الأجانب واللعان في الزوجات ، فلما لم يتداخل اللعان في الزوجات وأفرد كل واحد منهن بلعان لم تتداخل الحدود في الأجانب ، وانفرد كل واحد منهم بحد .  
وتحريره قياسا : أنه أحد موجبي القذف ، فوجب أن لا يتداخل في حقوق الجماعة كاللعان ، ولأنه لو حقق قذفه الجماعة ببينة أو إقرار لزم كل واحد منهم حد كامل وجب إذا تحقق قذفه أن يحد لكل واحد منهم حدا كاملا : لأن حد القذف مقابل كحد الزنا عليهم .  
ويتحرر منه قياسان : أحدهما : أنه أحد حالتي القذف ، فوجب أن لا يتداخل موجبه كما لو تحقق .  
والثاني : أن كل مقذوف لو تحقق قذفه ، لم يتداخل الحد عليه وجب إذا لم يتحقق      [ ص: 258 ] أن لا يتداخل له ، كقذف الواحد لواحد ، ولأن هذا مبني على أصلنا في حد القذف من حقوق الآدميين على ما سندل عليه من بعد . فنقول عند ثبوته : إن كل حق لآدمي إذا لم يتداخل في وجوبه للواحد على الجماعة لم يتداخل في وجوبه للجماعة على الواحد كالقصاص ، وفيه احتراز من آجال الديون : لأنها تتداخل في حق الواحد والجماعة .  
فأما الجواب عن الآية : فهو أنها دليلنا : لأنه أوجب للجماعة على الجماعة ثمانين جلدة ، فلما كان المراد بها كل واحد من القاذفين ، دل على أن المراد بها كل واحد من المقذوفين .  
وأما الجواب عن حديث  هلال بن أمية   ، فمن ثلاثة أوجه :  
أحدها : أن قوله : "  حد في ظهرك     " إشارة إلى الحبس ولا يمتنع أن يجب فيه حدان .  
والثاني : أنه أوجب الحد لمن طالب به ، ولم يخص  شريك بن السحماء   مطالبا فيوجب له الحد .  
والثالث : ما حكي أن  شريك بن السحماء   كان يهوديا ولا حد في  قذف اليهودي      .  
وأما الجواب عن حديث  عمر   في حده الشهود على  المغيرة   فمن ثلاثة أوجه :  
أحدها : أنهم لم يعينوا المزني بها ، فيجب الحد بقذفها .  
والثاني : أنها لم تطالب به فيحدون لها .  
والثالث : أنه فعل واحد فلم يجب في القذف به إلا حد واحد على أحد القولين .  
وأما الجواب عن قياسهم على حد الزنا : فهو أنه حد من حقوق الله تعالى الموضوعة على المساهلة ، وإدرائها بالشبهة ، وحد القذف من حقوق الآدميين التي تدخلها المضايقة والمشاحنة ، ولا تدرأ بالشبهة ، فكان افتراقها في التغليظ موجبا لافتراقها في التداخل .  
وأما الجواب عن اعتبار تكرار القذف للجماعة بتكراره في الواحد ، فهو فساد ، موضوعه من وجهين :  
أحدهما : أنه لما تداخل لعانه إذا تكرر في الزوجة الواحدة ، ولم يتداخل إذا تكرر في الزوجات ، كذلك القذف .  
والثاني : أنه لما كان تكرار الوطء في النكاح الفاسد يوجب تداخل المهر في المنكوحة الواحدة ، ولا يوجب تدخله في مهور الجماعة ، لم يجز أن يعتبر ما تكرر في الواحد بما تكرر في الجماعة .  
 [ ص: 259 ] 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					