الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      آ . (3) قوله : أم يقولون : هي المنقطعة ، والإضراب انتقال لا إبطال .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله : بل هو الحق إضراب ثان . ولو قيل بأنه إضراب إبطال لنفس " افتراه " وحده لكان صوابا ، وعلى هذا يقال : كل ما في القرآن إضراب فهو انتقال إلا هذا ، فإنه يجوز أن يكون إبطالا ; لأنه إبطال لقولهم أي : ليس هو كما قالوا مفترى بل هو الحق . وفي كلام الزمخشري ما يرشد إلى هذا فإنه قال : " والضمير في " فيه " راجع إلى مضمون الجملة . كأنه قيل : لا ريب في ذلك ، أي : في كونه من رب العالمين . ويشهد لوجاهته قوله : أم يقولون افتراه ; لأن قولهم " هذا مفترى " إنكار لأن يكون من رب العالمين ، وكذلك قوله : بل [ ص: 79 ] هو الحق من ربك وما فيه تقرير أنه من عند الله . وهذا أسلوب صحيح محكم " .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله : " من ربك " حال من " الحق " والعامل فيه محذوف على القاعدة ، وهو العامل في " لتنذر " أيضا ، ويجوز أن يكون العامل في " لتنذر " غيره أي : أنزله لتنذر .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله : قوما ما أتاهم الظاهر أن المفعول الثاني للإنذار محذوف . و " قوما " هو الأول ; إذ التقدير : لتنذر قوما العقاب ، و " ما أتاهم " جملة منفية في محل نصب صفة لـ " قوما " يريد : الذين في الفترة بين عيسى ومحمد عليهما السلام . وجعله الزمخشري كقوله : لتنذر قوما ما أنذر آباؤهم فعلى هذا يكون " من نذير " هو فاعل " أتاهم " و " من " مزيدة فيه . و " من قبلك " صفة لنذير . ويجوز أن تتعلق " من قبلك " بـ " أتاهم " .

                                                                                                                                                                                                                                      وجوز الشيخ أن تكون " ما " موصولة في الموضعين ، والتقدير : لتنذر قوما العقاب الذي أتاهم من نذير من قبلك . و " من نذير " متعلق بـ " أتاهم " أي : أتاهم على لسان نذير من قبلك ، وكذلك لتنذر قوما ما أنذر آباؤهم أي : العقاب الذي أنذره آباؤهم . فـ " ما " مفعولة في الموضعين ، و " لتنذر " يتعدى إلى اثنين . قال تعالى : فقل أنذرتكم صاعقة . وهذا القول جار على ظواهر القرآن . قال تعالى : وإن من أمة إلا خلا فيها نذير ، أن تقولوا ما جاءنا من [ ص: 80 ] بشير ولا نذير فقد جاءكم بشير ونذير . قلت : وهذا الذي قاله ظاهر .

                                                                                                                                                                                                                                      ويظهر أن في الآية الأخرى وجها آخر : وهو أن تكون " ما " مصدرية تقديره : لتنذر قوما إنذارا مثل إنذار آبائهم ; لأن الرسل كلهم متفقون على كلمة الحق .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية