الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      آ . (37) قوله : بالتي تقربكم : صفة للأموال والأولاد ; لأن جمع التكسير غير العاقل يعامل معاملة المؤنثة الواحدة . وقال الفراء والزجاج : إنه حذف من الأول لدلالة الثاني عليه . قالا : والتقدير [ ص: 193 ] وما أموالكم بالتي تقربكم عندنا زلفى ، ولا أولادكم بالتي تقربكم . وهذا لا حاجة إليه أيضا . ونقل عن الفراء ما تقدم : من أن " التي " صفة للأموال والأولاد معا . وهو الصحيح . وجعل الزمخشري " التي " صفة لموصوف محذوف . قال : " ويجوز أن تكون هي التقوى وهي المقربة عند الله زلفى وحدها أي : ليست أموالكم وأولادكم بتلك الموصوفة عند الله بالتقريب " . وقال الشيخ : " ولا حاجة إلى هذا الموصوف " قلت : والحاجة إليه بالنسبة إلى المعنى الذي ذكره داعية .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله : " زلفى " مصدر من معنى الأول ، إذ التقدير : تقربكم قربى . وقرأ الضحاك " زلفا " بفتح اللام وتنوين الكلمة على أنها جمع زلفى نحو : قربة وقرب . جمع المصدر لاختلاف أنواعه .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله : إلا من آمن فيه أوجه ، أحدها : أنه استثناء منقطع فهو منصوب المحل . الثاني : أنه في محل جر بدلا من الضمير في " أموالكم " . قاله الزجاج . وغلطه النحاس : بأنه بدل من ضمير المخاطب . قال : " ولو جاز هذا لجاز " رأيتك زيدا " . وقول أبي إسحاق هذا هو قول الفراء " . انتهى .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 194 ] قال الشيخ : " ومذهب الأخفش والكوفيين أنه يجوز البدل من ضمير المخاطبة والمتكلم ; إلا أن البدل في الآية لا يصح ; ألا ترى أنه لا يصح تفريغ الفعل الواقع صلة لما بعد " إلا " لو قلت : " ما زيد بالذي يضرب إلا خالدا " لم يجز . وتخيل الزجاج أن الصلة - وإن كانت من حيث المعنى منفية - أنه يجوز البدل ، وليس بجائز ، إلا أن يصح التفريغ له " . قلت : ومنعه قولك : " ما زيد بالذي يضرب إلا خالدا " فيه نظر ، لأن النفي إذا كان منسحبا على الجملة أعطي حكم ما لو باشر ذلك الشيء . ألا ترى أن النفي في قولك " ما ظننت أحدا يفعل ذلك إلا زيد " سوغ البدل في " زيد " من ضمير " يفعل " وإن لم يكن النفي متسلطا عليه . قالوا : ولكنه لما كان في حيز النفي صح فيه ذلك ، فهذا مثله .

                                                                                                                                                                                                                                      والزمخشري أيضا تبع الزجاج والفراء في ذلك من حيث المعنى ، إلا أنه لم يجعله بدلا بل منصوبا على أصل الاستثناء ، فقال : " إلا من آمن استثناء من " كم " في تقربكم . والمعنى : أن الأموال لا تقرب أحدا إلا المؤمن الذي ينفقها في سبيل الله . والأولاد لا تقرب أحدا إلا من علمهم الخير ، وفقههم في الدين ، ورشحهم للصلاح " .

                                                                                                                                                                                                                                      ورد عليه الشيخ بنحو ما تقدم فقال : " لا يجوز : ما زيد بالذي يخرج إلا أخوه ، وما زيد بالذي يضرب إلا عمرا " . والجواب عنه ما تقدم ، وأيضا فالزمخشري لم يجعله بدلا بل استثناء صريحا ، ولا يشترط في الاستثناء التفريغ اللفظي بل الإسناد المعنوي ، ألا ترى أنك تقول : " قام [ ص: 195 ] القوم إلا زيدا " ولو فرغته لفظا لامتنع ; لأنه مثبت . وهذا الذي ذكره الزمخشري هو الوجه الثالث في المسألة .

                                                                                                                                                                                                                                      الرابع : أن " من آمن " في محل رفع على الابتداء . والخبر قوله : فأولئك لهم جزاء الضعف . وقال الفراء : " هو في موضع رفع تقديره : ما هو المقرب إلا من آمن " وهذا لا طائل تحته . وعجبت من الفراء كيف يقوله ؟

                                                                                                                                                                                                                                      وقرأ العامة : " جزاء الضعف " مضافا على أنه مصدر مضاف لمفعوله ، أي : أن يجازيهم الضعف . وقدره الزمخشري مبنيا للمفعول أي : يجزون الضعف . ورده الشيخ : بأن الصحيح منعه . وقرأ قتادة برفعهما على إبدال الضعف من " جزاء " . وعنه أيضا وعن يعقوب بنصب " جزاء " على الحال . والعامل فيها الاستقرار ، وهذه كقوله : فله جزاء الحسنى فيمن قرأ بنصب " جزاء " في الكهف .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله : " في الغرفات " قرأ حمزة " الغرفة " بالتوحيد على إرادة الجنس ولعدم اللبس ; لأنه معلوم أن لكل أحد غرفة تخصه . وقد أجمع على التوحيد في قوله : يجزون الغرفة ولأن لفظ الواحد أخف فوضع موضع الجمع مع [ ص: 196 ] أمن اللبس . والباقون " الغرفات " جمع سلامة . وقد أجمع على الجمع في قوله : لنبوئنهم من الجنة غرفا والرسم محتمل للقراءتين . وقرأ الحسن بضم راء " غرفات " على الإتباع . وبعضهم يفتحها . وقد تقدم تحقيق ذلك أول البقرة . وقرأ ابن وثاب " الغرفة " بضم الراء والتوحيد .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية