الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      آ . (51) قوله : أن يكلمه الله : " أن " ومنصوبها اسم كان وليس " خبر " " ما " . وقال أبو البقاء : " أن والفعل في موضع رفع على الابتداء وما قبله الخبر ، أو فاعل بالجار لاعتماده على حرف النفي " وكأنه [وهم في التلاوة ، فزعم أن القرآن : وما لبشر أن يكلمه ] مع أنه يمكن الجواب عنه بتكلف . و " إلا وحيا " يجوز أن يكون مصدرا أي : إلا كلام وحي . وقال أبو البقاء : " استثناء منقطع ; لأن الوحي ليس من جنس الكلام " وفيه نظر لأن ظاهره أنه مفرغ ، والمفرغ لا يوصف بذلك . ويجوز أن يكون مصدرا في موضع الحال .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله : " أو يرسل " قرأ نافع " يرسل " برفع اللام ، وكذلك " فيوحي " فسكنت ياؤه . والباقون بنصبهما . فأما القراءة الأولى ففيها ثلاثة أوجه ، أحدها : أنه رفع على إضمار مبتدأ أي : أو هو يرسل . الثاني : أنه عطف على " وحيا " على أنه حال ; لأن وحيا في تقدير الحال أيضا ، فكأنه قال : إلا موحيا أو مرسلا . الثالث : أن يعطف على ما يتعلق به " من وراءه " ، إذ تقديره : أو يسمع من وراء حجاب ، و " وحيا " في موضع الحال ، عطف عليه ذلك المقدر المعطوف عليه " أو يرسل " . والتقدير : إلا موحيا أو مسمعا من وراء حجاب ، أو مرسلا .

                                                                                                                                                                                                                                      وأما الثانية ففيها ثلاثة أوجه ، أحدها : أن يعطف على المضمر الذي [ ص: 567 ] يتعلق به من وراء حجاب إذ تقديره : أو يكلمه من وراء حجاب . وهذا الفعل المقدر معطوف على " وحيا " والمعنى : إلا بوحي أو إسماع من وراء حجاب أو إرسال رسول . ولا يجوز أن يعطف على " يكلمه " لفساد المعنى . قلت : إذ يصير التقدير : وما كان لبشر أن يرسل الله رسولا ، فيفسد لفظا ومعنى . وقال مكي : " لأنه يلزم منه نفي الرسل ونفي المرسل إليهم " .

                                                                                                                                                                                                                                      الثاني : أن ينصب بـ " أن " مضمرة ، وتكون هي وما نصبته معطوفين على " وحيا " و " وحيا " حال ، فيكون هنا أيضا [حالا : والتقدير : إلا موحيا أو مرسلا ] . وقال الزمخشري : " وحيا وأن يرسل مصدران واقعان موقع الحال ; لأن أن يرسل في معنى إرسالا . و من وراء حجاب ظرف واقع موقع الحال أيضا ، كقوله : وعلى جنوبهم . والتقدير : وما صح أن يكلم أحدا إلا موحيا أو مسمعا من وراء حجاب أو مرسلا " . وقد رد عليه الشيخ : بأن وقوع المصدر موقع الحال غير منقاس ، وإنما قاس منه المبرد ما كان نوعا للفعل فيجوز : " أتيته ركضا " ويمنع " أتيته بكاء " أي : باكيا .

                                                                                                                                                                                                                                      وبأن " أن يرسل " لا يقع حالا لنص سيبويه على أن " أن " والفعل لا يقع حالا ، وإن كان المصدر الصريح يقع حالا تقول : " جاء زيد ضحكا " ، ولا يجوز " جاء أن يضحك " .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 568 ] الثالث : أنه عطف على معنى " وحيا " فإنه مصدر مقدر بـ " أن " والفعل . والتقدير : إلا بأن يوحي إليه أو بأن يرسل ، ذكره مكي وأبو البقاء .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : أو من وراء حجاب العامة على الإفراد . وابن أبي عبلة " حجب " جمعا . وهذا الجار يتعلق بمحذوف تقديره : أو يكلمه من وراء حجاب . وقد تقدم أن هذا الفعل معطوف على معنى وحيا أي : إلا أن يوحي أو يكلمه . قال أبو البقاء : " ولا يجوز أن تتعلق " من " بـ " يكلمه " الموجودة في اللفظ ; لأن ما قبل الاستثناء لا يعمل فيما بعد إلا " ، ثم قال : " وقيل : " من " متعلقة بـ " يكلمه " لأنه ظرف ، والظرف يتسع فيه " .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية