الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      آ . (16) قوله : سيل العرم : فيه أوجه ، أحدها : أنه من باب إضافة الموصوف لصفته في الأصل ، إذ الأصل : السيل العرم . والعرم : الشديد . وأصله من العرامة ، وهي الشراسة والصعوبة . وعرم فلان فهو عارم وعرم . وعرام الجيش منه . الثاني : أنه من باب حذف الموصوف وإقامة صفته [ ص: 172 ] مقامه . تقديره : فأرسلنا عليهم سيل المطر العرم أو الجرذ العرم أي الشديد الكثير . الثالث : أن العرم اسم للبناء الذي يجعل سدا . وأنشد :


                                                                                                                                                                                                                                      3737 - من سبأ الحاضرين مأرب إذ يبنون من دون سيله العرما



                                                                                                                                                                                                                                      أي البناء القوي . الرابع : أن العرم اسم للوادي الذي كان فيه الماء نفسه . الخامس : أنه اسم للجرذ وهو الفأر . قيل : هو الخلد . وإنما أضيف إليه لأنه تسبب عنه إذ يروى في التفسير : أنه قرض السكر إلى أن انفتح عليهم فغرقوا به . وعلى هذه الأقوال الثلاثة تكون الإضافة إضافة صحيحة معرفة نحو : غلام زيد أي : سيل البناء ، أو سيل الوادي الفلاني ، أو سيل الجرذ . وهؤلاء هم الذين ضربت بهم العرب في المثل للفرقة فقالوا : " تفرقوا أيدي سبأ وأيادي سبأ " .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله " بجنتيهم جنتين " قد تقدم في البقرة أن المجرور بالباء هو الخارج ، والمنصوب هو الداخل ; ولهذا غلط من قال من الفقهاء : " فلو أبدل ضادا بظاء بطلت صلاته " بل الصواب أن يقال : ظاء بضاد .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله : " أكل خمط " قرأ أبو عمرو على إضافة " أكل " غير المضاف إلى [ ص: 173 ] " خمط " . والباقون بتنوينه غير مضاف وقد تقدم في البقرة أن ابن عامر وأبا عمرو والكوفيين يضمون كاف " أكل " غير المضاف لضمير المؤنثة ، وأن نافعا وابن كثير يسكنونها بتفصيل هناك تقدم تحريره ، فيكون القراء هنا على ثلاث مراتب ، الأولى : لأبي عمرو " أكل خمط " بضم كاف " أكل " مضافا لـ " خمط " . الثانية : لنافع وابن كثير تسكين كافه وتنوينه . الثالثة : للباقين ضم كافه وتنوينه . فمن أضاف جعل " الأكل " بمعنى الجنى والثمر . والخمط قيل : شجر الأراك . وقيل : كل شجر ذي شوك . وقيل : كل نبت أخذ طعما من مرارة . وقيل : شجرة لها ثمر تشبه الخشخاش لا ينتفع به .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله : وأثل وشيء من سدر معطوفان على " أكل " لا على " خمط " لأن الخمط لا أكل له . وقال مكي : " لما لم يجز أن يكون الخمط نعتا للأكل ; لأن الخمط اسم شجر بعينه ، ولا بدلا لأنه ليس الأول ولا بعضه ، وكان الجنى والثمر من الشجر ، أضيف على تقدير " من " كقولك : هذا ثوب خز " . ومن نون جعل خمطا وما بعده : إما صفة لأكل .

                                                                                                                                                                                                                                      قال الزمخشري : " أو وصف الأكل بالخمط ، كأنه قيل : ذواتي أكل بشع " . قال الشيخ : " والوصف بالأسماء لا يطرد ، وإن كان قد جاء منه شيء نحو قولهم : مررت بقاع عرفج كله " . الثاني : البدل من " أكل " قال أبو البقاء : " وجعل خمطا أكلا لمجاورته إياه وكونه سببا له " . إلا أن الفارسي رد كونه بدلا . قال : " لأن الخمط ليس [ ص: 174 ] بالأكل نفسه " . وقد تقدم جواب أبي البقاء . وأجاب بعضهم عنه - وهو منتزع من كلام الزمخشري - أنه على حذف مضاف تقديره : ذواتي أكل أكل خمط . قال : والمحذوف هو الأول في الحقيقة . قلت : وهو حسن في المعنى . الثالث : أنه عطف بيان ، وجعله أبو علي أحسن ما في الباب . قال : " كأنه بين أن الأكل هذه الشجرة " إلا أن عطف البيان لا يجيزه البصريون في النكرات إنما يخصونه بالمعارف .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله : " قليل " نعت لـ " سدر " . وقيل : نعت لـ " أكل " . وقال أبو البقاء : " ويجوز أن يكون نعتا لـ " خمط وأثل وسدر " . وقرئ " وأثلا وشيئا " بنصبهما عطفا على جنتين . والأثل : شجر الطرفاء ، أو ما يشبهها . والسدر سدران : سدر له ثمرة عفصة لا تؤكل ولا ينتفع بورقه في الاغتسال وهو الضال ، وسدر له ثمر يؤكل وهو النبق ، ويغتسل بورقه . ومراد الآية : الأول .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية